الجمعة 19/أبريل/2024

إصلاح القضاء بالضفة .. تحرك محفوف بشبهات الهيمنة

إصلاح القضاء بالضفة .. تحرك محفوف بشبهات الهيمنة

زاد الحديث في الآونة الأخيرة عن ضرورة إصلاح القضاء في الضفة الغربية المحتلة، مع حالة الترهل التي تصاحب عمله، والانتقادات الواسعة، والحراك داخل الجسم القضائي نفسه، عدا عن مطالبات المختصين في قطاع العدالة وحقوق الإنسان بإصلاحه.

ووفق دراسة للجهاز الفلسطيني للإحصاء المركزي؛ فإن ثقة الفلسطينيين بالقضاء لعام 2017 لا تتجاوز 26%، وهو مؤشر رقميّ خطير.

كما أن الجسم القضائي ذاته يشهد حالة من النزاع الداخلي بين تيار يريد الإصلاح من الداخل، وآخر يعمل وفق أجندات السلطة التنفيذية وربط مصيره بها، وهو ما ضرب عرض الحائط بمبدأ استقلالية القضاء وسط تهديد وتلويح بالاستقالة والإقالة داخل الجسم القضائي.

وأثارت لجنة تطوير قطاع العدالة التي شكلتها السلطة جدلا واسعا، حول مهنيتها، وما إذا كانت تقدم رؤية فعلية للتطوير، أو خدمة توجهات السلطة التنفيذية.

ففي اجتماع عقده قضاة المحكمة العليا الفلسطينية في 5 سبتمبر/أيلول، تقدموا باستقالات جماعية وضعوها تحت تصرف رئيس نادي القضاة، مطالبين بعدم الالتفات إلى توصيات لجنة تطوير القضاء لمساسها باستقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات، ولكونها وسيلة سهلة لإحكام السيطرة على القضاء من السلطة التنفيذية.

لا رقابة قضائية فاعلة:
ويرى مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك، وهو أحد أعضاء لجنة تطوير العدالة أن القضاء في تراجع، عازيًا لذلك لعواملَ عديدة منها الانقسام وغياب المجلس التشريعي، الذي أوجد خللاً فيه وفي الفصل بين السلطات “التي أصبحت كلها بيد الرئيس؛ وبات هو يصدر القوانين، وهو ذاته رئيس السلطة التنفيذية”.

وشدد في حديثه لمراسلنا على أن هناك غيابًا للرقابة الفعالة على عمل القضاء الذي يرفض أي رقابة عليه، في وقت لا ينفذ هو تفتيشًا قضائيًّا ملائمًا داخليًّا.

وفي بيان لها مؤخرا، قالت نقابة المحامين الفلسطينيين: إن الحالة التي يعيشها القضاء الفلسطيني من ترهل نتيجة لتدخلات السلطة التنفيذية والأمنية والاستهتار بقرارات القضاء وعدم تنفيذها من الجهات الرسمية، أدى أيضا إلى زعزعة صورة القضاة والمحامين على حد سواء؛ فلم يعد القاضي أو المحامي بمأمن من الاعتداء نتيجة قيامهما بعملهما.

وفي هذا الصدد، ينبّه الحقوقي دويك إلى أن المساءلة والمحاسبة في القضاء ضعيفة جدًّا، وتكاد تكون معدومة، وغياب المجلس التشريعي أدى إلى خلل في الفصل بين السلطات.

وتعطّل السلطةُ قهريًّا منذ عام 2007 عملَ المجلس التشريعي في الضفة المحتلة، وحركةُ حماس لها الأغلبية فيه.

مؤسسة الحق، طالبت في بيان لها، لجنة تطوير قطاع العدالة (رئيس مجلس القضاء الأعلى، المستشار القانوني للرئيس، ووزير العدل، والنائب العام، ونقيب المحامين، ومدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وعميد كلية القانون في جامعة النجاح، وعميد كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت) بتقديم مسوّدة مكتوبة تتضمن رؤيتها الشاملة لتطوير قطاع العدالة وفق ما نصت عليه المادة الأولى من قرار تشكيل اللجنة، حتى يتسنى للمجتمع المدني مناقشتها ومتابعتها؛ خاصة أن الولاية الثانية (الحالية) للجنة تطوير قطاع العدالة انتهت بتاريخ 6/9/2018.

هيمنة السلطة التنفيذية:

وقال المدير التنفيذي للهيئة الأهلية لاستقلال القضاء ماجد عاروري: إن أحد أبرز أسباب ضعف الثقة بالقضاء الفلسطيني هو تدخل السلطة التنفيذية في عمله عمومًا، والأجهزة الأمنية خصوصًا، والتي تعبر أحيانا عن نظرة استعلائية في تعامل السلطة التنفيذية تجاه القضاء ورغبة بإحكام السيطرة عليها.

وأضاف: “الأصل أن يخضع الأمن للرقابة القضائية، لا أن يخضع القضاء لرقابة أمنية، وعليه على السلطة التنفيذية أن تحدد إن كانت هذه النظرة تعكس فهمها لإصلاح القضاء من خلال الجهود المبذولة لإصلاحه”.

وشدد في حديثه لمراسلنا على أن إصلاح الجسم القضائي لا يمكن أن يتم إلا بتوفر إرادة سياسية جادة لديها القناعة بتحرير القضاء من تغوّل السلطة التنفيذية وتنقيته من كل العناصر الداخلية التي روّضته لمصلحة السلطة التنفيذية أو لمصالح ومنافع فئوية ضيقة أو ضعيفة، وأفقدته دوره المنوط به في حماية الحقوق والحريات للمجتمع والأفراد.

إصلاح شموليّ

ويرى الباحث الحقوقي في مؤسسة الحق الدكتور عصام عابدين أن البيئة العامة سلبية، ولا تسهم في إصلاح القضاء؛ من حيث غياب التداول السلمي للسلطة، والانتخابات، وفصل السلطات، وتغييب المجلس التشريعي المنوط به عملية المراقبة، وتطوير المشاركة المجتمعية وغيرها.

وشدد في حديثه لمراسلنا على أن الإصلاح الحقيقي لن يكون إلا بإصلاح شمولي وإرادة سياسية واضحة وجادة في إصلاح القضاء، وإنهاء الهيمنة والوصاية عليه، ووقف كل أشكال التدخل في عمله.

وأشار إلى أن غياب الشفافية وتضارب المصالح والرهان على السلطة التنفيذية في الإصلاح كان مقتلَ لجنة تطوير قطاع العدالة، وبذلك أعادت إنتاج الفشل في مسار طويل لم يعرف سواه، مضيفا “ليست مشكلة قانون يا سادة، ولم تكن كذلك؛ إنها مشكلة بشر لا يؤمنون بسيادة القانون”.

وتؤكد مؤسسة الحق أن نجاح الإصلاح في قطاع العدالة يتطلب توفر إرادة سياسية جادة في عملية الإصلاح، وإعلانًا واضحًا وحاسمًا بوقف أي شكل من التدخل في القضاء وشؤون العدالة وضمان محاسبة مرتكبيه؛ وذلك لإمكانية وقف النزيف المستمر، والدخول في عملية إصلاح فعالة لقطاع العدالة.

ورأت أن إصلاح منظومة العدالة حقٌّ للمجتمع كله، لا يقبل التجزئة، بما يتطلب العمل الجاد على إعادة توحيد وإصلاح القضاء في الضفة الغربية وقطاع غزة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات