الأربعاء 27/مارس/2024

عصام عابدين يفتح ملف القضاء الفلسطيني: فساد وترنح وخلل بنيوي

عصام عابدين يفتح ملف القضاء الفلسطيني: فساد وترنح وخلل بنيوي

لا يختلف اثنان من المطلعين على واقع القضاء الفلسطيني، على أن هذا القطاع يعاني من مشاكل كبيرة، يحتاج معها إلى عملية إصلاح شاملة، لا تلوح في الأفق نوايا جادة لدى السلطة التنفيذية للقيام بها.

ورغم أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أصدر قبل عام قرارا يقضي بتشكيل لجنة لتطوير القضاء، إلا أن مآخذ عديدة شابت هذه اللجنة، وطريقة تشكيلها، وآلية عملها، ما وضع علامات استفهام حول الهدف من تشكيلها، وجدية نوايا الإصلاح.

ولعل ما فجّر هذا الملف هو تقديم قضاة المحكمة العليا في الخامس من الشهر الحالي، استقالاتهم الجماعية، ووضعها تحت تصرف رئيس نادي القضاة، احتجاجا على تعديل قانون السلطة القضائية، وعلى توصيات اللجنة التي تمس باستقلال القضاء، ومبدأ الفصل بين السلطات.

خلل بنيوي قديم
ولتسليط الضوء على واقع القضاء والانتقادات التي وجهت للجنة تطوير القضاء، كان هذا اللقاء الذي أجراه “المركز الفلسطيني للإعلام” مع الدكتور عصام عابدين، من مؤسسة الحق، وهو أحد الحقوقيين الذين سجلوا ملاحظات هامة حول اللجنة وطريقة عملها.

وبيّن د. عابدين أن الخلل في القضاء الفلسطيني هو خلل بنيوي قديم، يعود إلى نشأة السلطة، وسببه هيمنة السلطة التنفيذية على مختلف مفاصل القضاء، حيث تشكلت في عهد السلطة ثلاثة مجالس قضائية، شكلتها السلطة التنفيذية خلافا للقانون.

وأكد أن جميع رؤساء المحكمة العليا عينوا خلافا للقانون، وأن هناك نفوذا كبيرا جدا للسلطة التنفيذية على القضاء، ومن أمثلة ذلك أن تعيينات القضاة لا تتم دون تدخلات الأجهزة الأمنية.

وشدد على أن القضاء في فلسطين يعاني من وضع كارثي، ومن تدهور خطير، هو انعكاس لحال النظام السياسي ككل، والذي يترنح نتيجة غياب السلطات، ووجود سلطة تنفيذية تشرّع وتنفذ، في ظل غياب البرلمان منذ سنوات.
زواج غير شرعي

وأضاف أن هذا الوضع نشأ عنه مع الوقت نوع من التحالفات داخل السلطة القضائية، خاصة في مجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا، وهذه التحالفات تتآزر مع السلطة التنفيذية للنيل من استقلال القضاء.

وعدّ أن المصالح بين القضاء والسلطة التنفيذية تعدت مرحلة التغول، إلى نوع من الزواج غير الشرعي، وبات هناك نظام مصالح مشترك بينهم، على حساب الثقة بالقضاء، وهو ما نتج عنه تراجع ثقة الناس بالقضاء إلى 26% وفق أحدث إحصائية لجهاز الإحصاء المركزي، وهذا ما يفسر لجوء الناس للعنف وللقضاء العشائري.

وقال إنه وأمام هذا الحال، كان هناك توافق بين مؤسسات المجتمع المدني على تشكيل لجنة إصلاح للقضاء، بحيث تكون لجنة مستقلة، لأن الإصلاح يستهدف قطاع العدالة، ولا يعقل أن يكون هذا القطاع جزءا من لجنة الإصلاح.

لكن اللجنة التي حملت مسمى “لجنة تطوير قطاع العدالة”، جاء تشكيلها مغايرا لما طالبت به مؤسسات المجتمع المدني، بأن تكون مستقلة وبعيدة عن مؤسسات العدالة الرسمية، وإنما من خبراء وذوي خبرة ومصداقية وكفاءة.

وضمت اللجنة مؤسسات العدالة الرسمية، وهي: رئيس مجلس القضاء الأعلى، والنائب العام، ووزير العدل، ومستشار الرئيس.

ورأى د. عابدين في تغيير هدف اللجنة من “إصلاح” إلى “تطوير”، دليلا على أن السلطة التنفيذية لا تعترف أصلا بحاجة القضاء للإصلاح، بالرغم من التدهور المستمر بالقضاء والذي وصل إلى مراحل غير معقولة وكارثية، دفعت بعض قضاة المحكمة العليا للاعتراف بأن القضاء أصبح “على المقاس”، وبأنهم لا يستطيعون أن يحتكموا إليه.

غياب الشفافية والمشاركة

وأخذ د. عابدين على اللجنة غياب الشفافية والمشاركة مع المجتمع المدني، حيث عقدت اللجنة 12 اجتماعا في مقر المقاطعة برام الله، وعقدت اجتماعا وحيدا مع مؤسسات المجتمع المدني بتاريخ 15/7/2018، لكن مخرجاته لم تنفذ.

وقال: “علمنا ببعض التوصيات المختصرة من خلال تصريح إعلامي لأحد أعضاء اللجنة، وهو مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان د. عمار دويك”.

ولفت إلى أن مؤسسات المجتمع المدني حصلت خلال ذلك الاجتماع الوحيد على وعد من وزير العدل وعضو آخر باللجنة، بأنهم سيقدمون مسودة الرؤية الكاملة للجنة مكتوبة، وتشمل التوصيات، لمناقشتها مع المجتمع المدني والتوافق عليها، ومن ثم رفعها للرئيس، وهو ما لم يحصل.

وأكد أن الموضوع لا زال يلفه الغموض، ويفتقر للمهنية، مبديا استغرابه من الإصرار على عدم طرح مسودة الرؤية المكتوبة على المجتمع المدني لنقاشها والتوافق عليها، قبل رفعها للرئيس.

وشدد على أن إصلاح القضاء هو حق للمجتمع، وإذا تم رفع المسودة للرئيس أولا، فما فائدة نقاشها بعد ذلك؟

وأشار إلى أن مبرر اللجنة لغياب الشفافية، هو وجود إشكاليات بين الأعضاء في الشهور الست الأولى، ولكن في الشهور الست التالية، لم يتم الاجتماع بمؤسسات المجتمع المدني إلا مرة واحدة.

وتحدث د. عابدين عن خلل آخر يضع مهنية اللجنة في مهب الريح، مبينا أن قرار تشكيل اللجنة أعطاها مدة 6 شهور لإنجاز عملها، وعند انتهائها، طلبت اللجنة التمديد لنفسها، ولم يصدر قرار رئاسي بالتمديد، وإنما وقع الرئيس على الطلب مع الموافقة على التمديد.

ووصف عابدين هذا التمديد بهذا الشكل بالمفاجئ والمذهل، حيث أنه ينتقص من مهنية اللجنة.

وأضاف أنه عند انتهاء مدة التمديد في 6/9/2018 فإن من المنطق أن تكون مهمة اللجنة قد انتهت، ويجب عرض نتائج عملها على المجتمع المدني، ونقاشها وإنضاجها، قبل رفعها للرئيس.

خلل بالعضوية

ولفت إلى وجود خلل بعضوية اللجنة، حيث ضمت أعضاء تغيروا، وأعضاء غير ممثلين، مبينا أن بعض الأعضاء نص القرار الرئاسي على وجودهم باللجنة بصفتهم الوظيفية وليست الشخصية، ومع ذلك فهم غير موجودين، وهناك أعضاء آخرون موجودون رغم أن القرار لم ينص على وجودهم.

وأشار إلى وجود عدد من التوصيات التي أكدت وجود تضارب مصالح، وهو ما كان متوقعا كنتيجة لوجود ذوي العلاقة داخل اللجنة.

ويضرب مثالا على ذلك أن اللجنة أوصت بأن يشمل التقييم جميع القضاة، ما عدا رئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام، كما تم تخفيض سن التقاعد للقضاة من 70 إلى 65 سنة، واستثناء رئيس مجلس القضاء الأعلى الحالي من هذا البند.

كما كان من بين التوصيات دعوة الرئيس لتشكيل لجنة لتقييم القضاة، في الوقت الذي يؤكد الجميع أن الخلل بالقضاء سببه تدخل السلطة التنفيذية.

كما أن لجنة التقييم سيكون من بين أعضائها رئيس مجلس القضاء الأعلى، والنائب العام، ووزير العدل، ونقابة المحامين، وهذا يعني أن اللجنتين ستكونان بنفس الأعضاء، في الوقت الذي يعدّ النائب العام خصما للقضاة، ويوجد لنقابة المحامين ملفات بالمحاكم، ووزير العدل يمثل السلطة التنفيذية.

وأشار إلى أن اللجنة تجاهلت إصلاح المحكمة الدستورية العليا التي بدورها فرضت وصايتها على الجميع، وباتت أداة قوية في يد السلطة التنفيذية، وذلك لأنها تعدُّ خطا أحمر لا تجرؤ اللجنة على المساس به.

ورأى د. عابدين أن هذا الخلل يعود إلى المنهجية التي عملت بها اللجنة، والتي لا تختلف عن المنهجية التي تعمل بها الحكومة في إصدار قرارات بقانون.

وأضاف أن اللجنة أعادت تكرار خطايا الماضي، فيما يتعلق بفشل الاصلاح القضائي، لأن اللجنة لم تقتنع بأن الخلل بالقضاء ناتج عن تغول السلطة التنفيذية.

وقال أن مشكلة اللجنة تكمن في أنها تعاملت بسرية تامة، وكأنها وصية على الناس، في حين أن من حق المجتمع أن تعرض عليه العملية الإصلاحية مكتوبة، وأن يكون هناك مناقشة جدية لها.

وأكد أن من الصعب تصور وجود إصلاح قضائي جدِّي في ظل نظام سياسي متدهور، وهذه العملية لن ينجم عنها شيء، بل هي إخفاق جديد.

فمن أجل توفير بيئة موائمة للإصلاح القضائي، يتوجب توفر عدة شروط، أهمها التداول السلمي للسلطة، والإيمان بالانتخابات، وفصل السلطات، ووجود برلمان يراقب السلطة التنفيذية، وتوفير جو صحي، ومشاركة مجتمعية في الإصلاح.

كما أن الإصلاح يجب أن لا يكون في الضفة فقط، ويجب العمل من أجل استعادة وحدة القضاء في الضفة وغزة، وأن يكونا وحدة واحدة، لأن استعادة وحدة القضاء أولوية بالغة الأهمية على طريق استعادة وحدة المؤسسات في الضفة وغزة.

وأضاف: “إذا أردنا عملية إصلاح جدية وحقيقية، يجب أن تكون مرتبطة بإصلاحات حقيقية في النظام السياسي، وهذه العملية لا تتأتى إلا في ظل إرادة سياسية جدية عازمة على الإصلاح

وقال إن المطلوب من رئيس السلطة، وبشكل عاجل، أن يصدر تعليمات حاسمة بوقف كل أشكال التدخل في الشأن القضائي من جانب السلطة التنفيذية، تحت طائلة المسؤولية، من أجل وقف النزيف، وبعدها تبدأ عمليات المعالجة، والتي تحتاج إلى حوار مجتمعي جدي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات