الخميس 25/أبريل/2024

أوراق على طاولة حماس في ظل متغيرات إقليمية ودولية

أوراق على طاولة حماس في ظل متغيرات إقليمية ودولية

بعد مضي 30 عاماً على تأسيسها، وعلى وقع التغييرات الإقليمية والدولية المتسارعة في المنطقة وفي إطار سعى حركة المقاومة الإسلامية حماس لتطوير وتجديد فكرها السياسي، بما يتلاءم مع تلك المتغيرات والتحولات طرحت الحركة وثيقة المبادئ والسياسات العامة، التي رأت فيها تعبيراً عن رؤيتها وفكرها الجديد في كافة القضايا المصيرية، وتقدم إجابات عن تساؤلات مطروحة، سيما بما يحدد علاقاتها مع الدول وسياستها والعمل على إيجاد الفرص المناسبة لكسب المزيد من الداعمين والمؤيدين للحقوق والثوابت الفلسطينية بما يشكل نقلة نوعية لدى أكبر فصيل تحرر وطني في التاريخ الحديث وتاريخ القضية الفلسطينية.

إعلان الوثيقة
أثارت وثيقة حركة حماس حتى قبيل إعلانها بشكل رسمي في مايو 2017 الكثير من التساؤلات حول مستقبل حماس السياسي داخلياً وخارجياً، وما يمكن أن تذهب إليه الحركة من خلال الوثيقة وما تسعى إليه من فتح آفاق جديدة لنفسها عربياً ودولياً بعد أن تعرضت خلال سنوات حكمها لغزة وخروجها من سوريا وتدهور علاقاتها مع إيران وفقدان جماعة الإخوان المسلمين الحكم في مصر إلى الكثير من الضغوطات ومحاولات التضييق عليها.

وقد أبرزت الحركة في وثيقتها الجديدة عدم ممانعتها لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 مع عدم الاعتراف بإسرائيل والتأكيد على حق عودة اللاجئين، بالإضافة إلى تعريف نفسها كحركة وطنية ذات مرجعية إسلامية، وتأكيد استعدادها للانخراط في منظمة التحرير مع ضرورة العمل على إصلاحها باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

وتضمنت الوثيقة، بلغة سياسية وقانونية دقيقة، ترجمة للسلوك السياسي للحركة طوال ثلاثة عقود، كما جاءت امتداداً للميثاق الأساسي للحركة، وعبرت عن درجة من درجات التكيف والاستجابة السياسية للتحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها الحركة. 

ويشير مراقبون إلى أن الوثيقة شكلت مدخلاً لاكتساب المزيد من الشرعية في علاقات الحركة الإقليمية والدولية من خلال نبذها للإرهاب والعنف، وهو البرنامج الذي يطغى على سياسات الدول في الوقت الحاضر في ظل ما تشهده المنطقة والإقليم بشكل عام، وأن هدفها من ذلك هو أن تحظى بالشرعية والاعتراف من المجتمع الدولي.

المصالحة والتخلي عن السلطة
توصلت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحركة “فتح” إلى اتفاق في القاهرة تتسلم بموجبه حكومة التوافق الوطني الفلسطينية التي يرأسها رامي الحمد الله السلطة في قطاع غزة. وكانت حركة حماس أعلنت أواخر أيلول/ سبتمبر 2017 حلّ اللجنة الإدارية في غزة، واستعدادها للتخلي عن السلطة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها الفصائل الفلسطينية كافة وفق اتفاق القاهرة الموقّع في أيار/ مايو 2011 وملحقاته، وإجراء انتخابات عامة. 

وأقدمت حركة حماس على هذه الخطوة رغبةً منها في رفع الحصار عن قطاع غزة والحصول على دعم مالي إقليمي يخفف من ظروف الحصار الصعبة ومعالجة مشكلة 42 ألف موظف عينتهم حماس عقب توليها الحكم في القطاع في 14 حزيران/ يونيو 2007، كما التخفيف من عبء التضييق على نحو مليونَي فلسطيني في القطاع في أوضاع صعبة. وتصرّ حركة حماس مقابل ذلك على الاحتفاظ بقوتها العسكرية بوصفها حركة مقاومة.

الانتخابات الداخلية
أعلنت حركة حماس عن إجرائها انتخابات داخلية لانتخاب رئيس جديد لمكتبها السياسي في فبراير من العام الجاري، وقد خرجت نتيجتها على لسان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق خالد مشعل، لتعلن فوز إسماعيل هنية برئاسة المكتب خلفًا له.

وقد بدأت المرحلة الأولى من انتخابات حماس الداخلية، التي جرت دون حملات دعائية، بصورة تصاعدية من المناطق لاختيار مجلس الشورى للحركة الذي يضم 45 عضواً، في حين اختار هذا المجلس أعضاء المكتب السياسي البالغ عددهم 19 عضواً مدة 4 سنوات.

وشكلت الانتخابات التي جرت في سرية تامة في نتائجها مفاجأة لعدد من المراقبين في البيئة السياسية الداخلية والخارجية، لكنها في المحصلة ثبتت قواعد سياسية رئيسية تضبط مسار الحركة وترسم إيقاعات نموها وتطورها المؤسساتي.

الاتهام بالإرهاب
بعدما قامت المحكمة الابتدائية الأوروبية في 17 ديسمبر/ 2014 بإلغاء ادراج حماس على القائمة الإرهابية، قررت محكمة العدل الأوروبية في يونيو 2017 إرجاع حركة حماس إلى القائمة الأوروبية للمنظمات والكيانات الإرهابية، وقررت إرجاع القضية إلى المحكمة الابتدائية للنظر فيها مجدداً.

إلا أن محكمة البداية أكدت على أن الاتحاد الأوروبي لم يقدم مسوغات قانونية كافية لتبرير إبقاء حماس في القائمة.

وأضافت أن القيود المفروضة على الحركة لم تستند على أفعال تم التدقيق فيها وتأكيدها بقرارات اتخذتها سلطات مختصة، وإنما من خلال ما نسب إليها من وقائع حصل عليها مجلس أوروبا بنفسه من الصحف ومن الانترنت، إلا أن هذا القرار لم يفض إلى سحبها من اللائحة.

ولا شكّ أن اعتبار حركة حماس “حركة إرهابية” ترك آثاراً على علاقاتها الخارجية ابتداء مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول التي تلتزم السياسات الأمريكية بشكل كامل، بالذات دول  الجوار الأمريكي ككندا واليابان. ولا شكّ أن تصنيف حماس كـ”حركة إرهابية” وفق اللائحة الأمريكية للإرهاب أدى إلى تعثر بناء العلاقات مع هذه الدول ودول شبيهة بشكل كبير. 

علاقات حماس الخارجية:
خضعت علاقات حماس الخارجية إلى أسس وضوابط شكلت ركيزة لإقامة هذه العلاقات وتطويرها وتوسيعها، وقد تمثلت تلك المبادئ بما يلي:

1. الاستناد إلى رؤية استراتيجية للعمل السياسي واضحة الأهداف (مرحلياً واستراتيجياً)، والتي بدورها لا بدّ أن تكون منبثقة من استراتيجية التحرير.

2. علاقات الحركة يجب ألا تتعارض أو تؤثر سلباً على المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني وقضيته.

3. لم تتعامل الحركة مع تجربة العلاقات السياسية الفلسطينية من منطلق سلبي، أو من منطلق أن كل ما فعله غيرها خاطئ، بل تعاملت معها من منطلق نقدي وطني، استفاد من تجاربها الناجحة، واجتهدت الحركة في الوقت عينه بتجاوز عثراتها وأخطائها.

4. البحث عن المشترك في العلاقات، والاتفاق على نقاط الالتقاء والعمل لتعزيزها وتوسيعها مهما كانت التباينات الأخرى، شكل أساساً في بناء علاقات الحركة السياسية.

5. حرصت الحركة دائماً على استقلالية قرارها مع انتمائها للأمة، ورفض التبعية في أيّ من علاقاتها السياسية، ورفضت الحركة دائماً أن تكون تحت جناح طرف أو فريق مهما كانت حالة الانسجام والتوافق وحسن العلاقات.

6. رفضت الحركة بناء أيّ شكل من العلاقات على قاعدة التوظيف السياسي لها أو لأدائها لصالح أجندات قد تتعارض مع مبادئها، أو مع مصالح الأمة أو مع مصلحة إنسانية عامة.

7. وفي كل أدائها السياسي ظلت قاعدة الأخلاقيات والضوابط الإسلامية حاكمة في أداء الحركة وعلاقاتها، ونجحت الحركة في نحت تجربة جديدة في بناء وإدارة العلاقات السياسية.

علاقات الحركة الإقليمية:
في ظل الصراعات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية وما أفرزته من انقسام بين الدول وجدت الحركة نفسها في ورطة سياسية كبيرة، لذا حاولت أن تكون بمنأى عن تلك المنازعات من خلال انتهاج مواقف وسياسات محايدة، 

وبناء عليه اتسمت علاقات حماس الإقليمية بعدة ملامح كان من أبرزها:

• تلتجئ الحركة في الوقت الراهن إلى “حضن” إقليمي غير متجانس معها استراتيجياً، ولا تلتقي معه تماماً في خياراتها الاستراتيجية، وهو يوفر لها مظلة دعم إقليمي حالياً، لكن الأفق غير مضمون فيما لو اشتدت الضغوط.

• ما زال الفضاء الدولي معادٍ للحركة، وقد استطاع العدو أن يضعها في دائرة الإرهاب، لكن الحركة في المقابل أسهمت في إحداث دفع نسبي للجهود العاملة لنزع الشرعية عن دولة الاحتلال في الفضاء الغربي.

• على الرغم من المعطيات الصعبة الآنفة؛ إلا أن الحركة ما زالت صامدة، وقد فشلت الجهود التي عملت على إضعافها وإزاحتها من المعادلة الفلسطينية بالرغم من شدة كثافتها حتى اللحظة، إلا أن المرحلة المقبلة ربما ستشهد جهوداً في الاتجاه ذاته أكثر كثافة مما مضى.

علاقات الحركة الدولية:
اهتمت حماس في علاقاتها الدولية بالبعدين الرسمي والحزبي، إذ بالرغم من وجود المؤسسات ودورها في صناعة القرار السياسي، إلا أن تداول السلطة، والحياة الديموقراطية في تلك الدول تفرض عدم الاكتفاء ببناء العلاقات مع السلطة وحدها، بل مع الأحزاب وقوى المجتمع المدني الفاعلة. لذلك كان من أساسيات بناء علاقات حماس السياسية على المستوى الدولي الاهتمام بالعلاقة مع المؤسسات الرسمية (الخارجية، رئاسة الدولة أو الحكومة…إلخ) ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بموازاة ذلك.

وفيما يخص علاقات الحركة الدولية وخاصة الأوروبية، فهي تشهد حراكا منذ سنوات لكنه ما زال تحت الطاولة كون تلك الدول تعمل تحت العباءة الأمريكية، رغم إيمانهم أن حماس لاعب مهم في الإقليم وتعبيرهم لأكثر من مرة عن ذلك.

مستقبل العلاقات
في ذكرى انطلاقتها لا تزال حماس ثابتة على استراتيجية توطيد العلاقات المتوازنة الخارجية مع جميع الدول التي تناصر الحق الفلسطيني. لذا تسعى لتعزيز علاقاتها من خلال جملة من القواعد لتطوير علاقاتها الإقليمية والدولية يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

• يحكم العلاقات الإقليمية والدولية ذات المبادئ والسياسيات التي تحكم علاقات الحركة السياسية.

• على الرغم من أهمية العلاقات الإقليمية والدولية في الحركة وضرورة كسب أصدقاء ومؤيدين للقضية الفلسطينية، إلا أن ذلك لا يتحقق على أساس تنازلات تمس الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني أو مشروع المقاومة والتحرير كمشروع وطني فلسطيني.

• إن العامل الأساسي في العلاقات الإقليمية والدولية هو امتلاك القوة، لاسيما فيما يخص ارتباط الحركة بحقوق شعبها، والقوة في مواجهة الاحتلال مقاومة وصموداً، وفي عمق ارتباطها بالدول الأخرى كعمق استراتيجي.

• إدراك حجم الاختراق الصهيوني ووسائل ضغطه في البيئة الإقليمية والدولية، والحاجة إلى مواجهة هذا الاختراق بأساليب تكافئ في نتائجها أثره قدر المستطاع.

• عدم اقتصار العلاقات الإقليمية والدولية على الغرب ولا سيّما الولايات المتحدة ودول أوروبية محددة، بل اتساع هذه الدائرة إلى قارات العالم كلها في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية كذلك.

• إن العلاقات لا تستقيم إذا كان منطقها العقلية الضيقة التي تسعى لإعادة تأهيل الجانب الفلسطيني ليقبل به الاحتلال، أو التغيير بما يناسب عملية التسوية وشروطها، بل لا بدّ لنجاح مسار العلاقات السياسية أن تتم في إطار من الفهم للمبادئ وإدراك عميق لحقوق الشعب الفلسطيني وقبول التعامل مع حماس كما هي، وليس من خلال عملية تأهيل لم تنجح من تحقيق المراد منها مع أطراف أخرى.

المراجع:
• “آراء ومواقف: حماس: قراءة وتقييم للتجربة”،د. موسى أبو مرزوق، مركز الزيتونية للدراسات.

• “انتخابات حماس.. التحديات والتوازنات الداخلية”، الجزيرة نت.

• “علاقات حماس الدولية بين الترميم والتجديد”، الرسالة نت.

• “المصالحة والخلافة والعلاقات الإقليمية.. تغييرات تفرضها تحولات المنطقة”، الرسالة نت.

• “حماس إلي أين بعد وثيقتها الجديدة”، فلسطين اليوم؟

• انتخابات حركة حماس الداخلية: الآليات.. والمرشحون.. وابتعاد مشعل.. وفوز هنية، موقع رأي اليوم.

• “حماس وفتح توقعان اتفاق المصالحة.. إليك بنود الاتفاق”، المركز الفلسطيني للإعلام.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات