الخميس 28/مارس/2024

الداعية بانا.. رجل القرآن الصامت الذي خسرته نابلس

الداعية بانا.. رجل القرآن الصامت الذي خسرته نابلس

قامة عظيمة خسرتها مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، السبت (17-9)، بوفاة الشيخ والداعية عبد الرحمن محمود بانا أحد مؤسسي لجان تحفيظ القرآن الكريم، ليلتحق برفيق دربه الشيخ محمد سعيد ملحس الذي سبقه إلى الرفيق الأعلى قبل 3 أسابيع.

الشيخ عبد الرحمن “أبو محمد” (64 عاما) أمضى حياته لخدمة كتاب الله عز وجل، ولتحقيق هدف سام يتمثل بإنشاء جيل يحمل القرآن ويتحلى بأخلاقه، عاملا بـ”صمت” كما وصفه من عرفه.

ولعل الجنازة المهيبة التي خرجت بعد صلاة المغرب لتشييعه بمشاركة الآلاف، أكبر مؤشر على ما يحظى به من مكانة كبيرة بين أبناء مدينته، خاصة ممن عرفوا صدقه وتواضعه وزهده بمتاع الدنيا.

المولد والنشأة
ولد الشيخ عبد الرحمن عام 1952 لأسرة متواضعة بسيطة الحال تسكن الجبل الشمالي بمدينة نابلس، وكان أبوه يعمل قيّما لمسجد النصر بالبلدة القديمة.

نشأ نشأة عصامية معتمدا على نفسه، وتعلم في مدارس المدينة، ثم التحق بجامعة الخليل، وحصل على درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية، ليعود بعد تخرجه إلى مدينة نابلس إماما وخطيبا في مساجدها.

اقترن الشيخ عبد الرحمن بفتاة صالحة ملتزمة، رزق منها بسبعة أبناء، خمسة ذكور واثنتين من الإناث، تربوا في بيت إيماني على أخلاق القرآن الكريم على يد أبويهما.

كان للشيخ عبد الرحمن باع طويل في تأسيس لجنة تحفيظ القرآن الكريم التابعة للجنة زكاة نابلس عام 1987، والتي تخرج منها خلال ثلاثين عاما من العطاء، آلاف الطلبة من حفظة كتاب الله، ويكفي أن منطقة بلاطة البلد فيها 400 حافظ للقرآن الكريم، وهذا من ثمار لجان التحفيظ التي أسسها الشيخ الراحل.

ويشير ابنه محمد إلى أنه وجميع أشقائه تتلمذوا في لجان التحفيظ التي أنشأها والده، وأتم هو حفظ القرآن الكريم كاملا.

ويقول لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “لقد نذر والدي حياته لخدمة كتاب الله، وكنت أنا وإخوتي من ثمار لجان التحفيظ التي أنشأها”.
 
في مطلع العام الجاري، أصيب الشيخ عبد الرحمن بوعكة صحية، ليكتشف إصابته بمرض السرطان، وبدأت بعد ذلك رحلة شاقة مع العلاج الكيماوي عانى منها الكثير رغم قصرها نسبيا، ومع ذلك كان صابرا محتسبا الأجر والثواب عند الله تعالى.

وعن مرضه يقول ابنه: “قبل شهرين ساء وضعه كثيرا، فاضطر الأطباء لإجراء عملية جراحية مكث بعدها ثلاثة أسابيع في مستشفى رفيديا، ثم عاد إلى البيت وأمضى عشرة أيام، قبل أن يصاب بجلطة على الرئة، ليعود إلى المستشفى الوطني الذي بقي فيه إلى حين وفاته”.
 
شهادة بالصلاح
الكثيرون ممن عرفوا الشيخ الراحل، يشهدون له بالاستقامة والصلاح والتقوى والتواضع وحسن الخلق.

النائب داود أبو سير، الذي عرف الشيخ عبد الرحمن عن قُرب، يذكر أنه كان يحافظ على جميع الصلوات في مسجد عجعج الذي كان إماما له، حتى في الأيام شديدة البرودة، رغم طول المسافة بين بيته في الجبل الشمالي والمسجد في الجبل الجنوبي.

ويشير في حديثه لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” إلى أن الشيخ الراحل تميز بهدوئه اللافت، وابتسامته العفوية، والحياء الواضح على وجهه.

كما عُرف عنه قدرته على استيعاب الآخرين، واستعداده للتنازل عن رأيه الشخصي لإضفاء الأخوة والمحبة.

ويضيف أنه ظل على رأس عمله محفظاً وممتحناً في لجان التحفيظ إلى آخر رمق في حياته، ويقول: “رغم مرضه في الشهور الأخيرة، إلا أنه كان دائما راضيا مبتسما ضاحكا، لا تسمع منه إلا عبارة (الحمد لله رب العالمين)”.
 
أكبر همّه
أما رئيس لجنة تحفيظ القران الشيخ مصطفى الكوني، فيقول إن نابلس فقدت في أقل من شهر واحد قامتين وجبلين عظيمين، هما الشيخ محمد سعيد ملحس أستاذ التجويد، والشيخ بانا أستاذ التحفيظ.

ويشهد الكوني للشيخ الراحل بإيثاره الصمت على الكلام غير النافع، ويقول: “كان دائما يمتثل بقول الرسول (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، فلا ينطق إلا بالحق، ولا يتحدث إلا بالخير”.

ويضيف الكوني لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “أمضى حياته مجتهدا في تحفيظ القرآن، ساعياً لإنشاء جيل قرآني يكون على دراية وعلم بالقرآن وعلومه، وكان أكبر همّه إنشاء جيل متخلق بأخلاق القرآن الكريم، ومتحليا بآدابه”.

ويدلل الكوني على حرص الشيخ الراحل على إتمام رسالته، بأنه وخلال مرضه كان يأخذ العلاج الكيماوي في المستشفى، وفي اليوم التالي يكون على رأس عمله رغم ما به من الألم، ولم ينقطع عن القران الكريم أية لحظة.

ويختم بالقول: “خلال زيارتي له في المستشفى صبيحة يوم وفاته، كان يسألني أين وصلت جهود افتتاح مراكز جديدة لتحفيظ القرآن، وهل حصلنا على موافقة وزارة الأوقاف لذلك؟”.
 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عباس يصدق على تشكيلة حكومة محمد مصطفى

عباس يصدق على تشكيلة حكومة محمد مصطفى

رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام صدق رئيس السلطة محمود عباس على منح الثقة لحكومة محمد مصطفى، وسط استمرار تجاهل موقف الفصائل الفلسطينية التي...