الثلاثاء 16/أبريل/2024

مقبرة شهداء الجيش العراقي بنابلس.. ذاكرة تعاني الإهمال

مقبرة شهداء الجيش العراقي بنابلس.. ذاكرة تعاني الإهمال

في إحدى زوايا مخيم عسكر القديم إلى الشرق من مدينة نابلس تقع مقبرة شهداء الجيش العراقي، والتي تضم 194 جثمانا لشهداء الجيش الذين قدموا مع جيش الإنقاذ العربي إبان حرب عام 1948، واستشهدوا خلال الحرب فدفنوا في فلسطين.

وإلى جانب مقبرة نابلس يوجد مقبرة في منطقة مثلث الشهداء التابعة لبلدة قباطية قضاء جنين، ومقبرة ثالثة في الداخل المحتل، ولكن يمكن عدّ مقبرة نابلس من كبريات هذه المقابر.

تأسست المقبرة عام 1948 إبان النكبة، وتضم جثامين 194 شهيدا عراقيا قدموا مع جيش الإنقاذ الذي شكلته الجامعة العربية

“شهيد عروبة فلسطين… العراق”
عند دخول المقبرة للوهلة الأولى يلحظ الزائر غالبية الشواهد التي كتب عليها نفس العبارة ونفس التاريخ “استشهد في 27 رجب 1367 هجري الموافق 7 حزيران 1948″، كما يمكن ملاحظة أن الكثير من القبور التي لم يدون عليها أسماء الشهداء والاكتفاء بعبارة “شهيد عروبة فلسطين… العراق”؛ كون الكثير من أصحاب هذه القبور لا يزالون مجهولي الهوية.

لا أحد من كبار السن في مخيم عسكر يستذكر إنشاء هذه المقبرة وبداياتها؛ نظرا لأن المخيم تأسس في أعقاب النكبة، وتحديدا في بدايات الخمسينيات بينما وجدت المقبرة في العام 1948، ولكن تربطهم بها علاقة وثيقة، ويعدّون وجودها تخليدا لتضحيات ووفاء الجيش العراقي الذي دافع عن وطنهم ببسالة، ويرون أن الحفاظ عليها من أهم الأولويات.

“استشهد في 27 رجب 1367 هجري الموافق 7 حزيران 1948″، هي العبارة المدونة على أغلب الشواهد في المقبرة، كما أن هناك شهداء  لا يزالون مجهولي الهوية ومكتوب على قبورهم “شهيد عروبة فلسطين.. العراق”

خلال تجوالنا في المقبرة التقينا حارس مدرسة نابلس الثانوية الصناعية، والتي تقع المقبرة ضمن حدود أراضيها (أبو إبراهيم) الذي ناشدنا لإيصال مطالب أهالي المخيم عبر وسائل الإعلام؛ حيث يطالب الأهالي بترميم المقبرة وتسييجها والاهتمام بها كما يليق بأرواح الشهداء الذين احتضنتهم تربتها.

يقول أبو إبراهيم لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” إن الكثير من الأطفال يلعبون في الأرض المجاورة للمقبرة، وأحيانا كثيرة يعبثون ويلعبون داخل المقبرة، ما تسبب في الكثير من الخراب والضرر.

وأكد أن الأهالي طالبوا محافظة نابلس والعديد من المؤسسات والجهات بترميم المقبرة والاهتمام بها كما ينبغي.

محمود الصيفي، أحد قادة جبهة التحرير العربية: نابلس كانت تحتوي على معسكرات خاصة بالجيش العراقي إبان الحرب.

وأشار إلى أنه تم وضع شواهد على القبور فقط دون متابعة المقبرة بعد ذلك، ما تسبب في الكثير من الخراب، مضيفا: “للأسف غالبية المسئولين يزورون المقبرة في المناسبات فقط ووضع أكاليل الزهور على القبور أمام وسائل الإعلام دون تقديم أي شيء ملموس من شأنه الحفاظ على ذكرى هؤلاء الشهداء”.

جثامين شهداء عراقيين وعرب
من  جهته يقول محمود الصيفي القيادي في جبهة التحرير العربية، إن هذه المقبرة تضم رفات شهداء الجيش العراقي وشهداء عرب، ولكن أغلب الجثامين هي لشهداء الجيش العراقي الذين استشهدوا خلال حرب عام 1948، مشيرا إلى أن الجيش العراقي شارك في حرب 48 ببسالة وخاض عدة معارك، حيث دافع باستماتة عن مدينة جنين.

وأوضح أن وحدات الجيش العراقي تواجدت في مناطق فلسطين كافة إبان الحرب، وكانت منطقة نابلس تحتل مكانة خاصة في تلك الفترة؛ حيث وجد فيها العديد من المعسكرات للجيش العراقي، وبالتالي جمع الشهداء كافة ودفنوا في منطقة عسكر بنابلس وبلدة قباطية بجنين، ولكن تعدّ مقبرة نابلس الأكبر؛ حيث تجمع 144 من رفات الشهداء العراقيين.

لا اهتمام رسميًّا
من  جهته تناول أحمد حسكور، من لجنة الخدمات الشعبية بمخيم عسكر، موضوع تعرض المقابر للإهمال، مشيرا إلى أنه لا يوجد اهتمام رسمي كافٍ بالمقبرة.

اللجنة الشعبية في مخيم عسكر: لا يوجد أي اهتمام رسمي بالمقبرة، ونعمل على بعض النشاطات التطوعية لتنظيف المقبرة

ونبّه إلى أن اللجنة الشعبية تعمل على تنظيم بعض النشاطات التطوعية لتنظيف المقبرة من الأشواك، ولكنها تحتاج لاهتمام أكبر من الجهات الرسمية، وبالأخص وزارة السياحة والآثار التي يقع على عاتقها الاهتمام بالقبور ونظافتها وتنظيم المقبرة بشكل أكبر.

وأوضح أن العديد من الشخصيات الرسمية يزورون المقبرة سنويًّا خلال مناسبات معينة، ويقتصر حضورهم على وضع أكاليل الزهور على قبور الشهداء، علما بأنه يطلب منهم أكثر من ذلك لتقديم توصيات بالترميم والشروع بعمل إصلاحات، كنوع من الوفاء لشهداء الجيش العراقي الذين تركوا وطنهم وارتقوا دفاعا عن أرض فلسطين.

إنشاء المقبرة
بدوره قال أمين أبو بكر، أستاذ التاريخ بجامعة النجاح الوطنية، إن قادة الجيش العراقي في العام 1948 اشتروا الأرض من منطقة عسكر ليدفنوا شهداء الجيش فيها، وما تزال هذه الأوراق والوثائق متواجدة حتى اليوم.

أمين أبو بكر، أستاذ التاريخ بجامعة النجاح: قادة الجيش العراقي اشتروا الأرض في منطقة عسكر ودفنوا فيها شهداءهم، وهناك أوراق ووثائق

وأوضح أن الجيش العراقي كان جيشا منظما في تلك الفترة ومدربا تدريبا جيدا، ودخل تحت لواء جيش الإنقاذ العربي بوحداته المنظمة، وهذا يفسر قوة أدائه وتحقيقه انتصارا في معركة جنين، بينما كان غالبية عناصر جيش الإنقاذ من المتطوعين، واستطاع الجيش العراقي تحقيق النصر من خلال تنظيمه وتخطيطه بشكل جيد؛ حيث وضع المتطوعين في الصف الثاني والعناصر المنظمة والمدربة في المقدمة والمواجهة المباشرة.

وكان الجيش العراقي قد خاض خلال حرب 1948 عدة معارك أهمها معركة جنين التي حرّر خلالها المدينة، وطرد المنظمات الصهيونية منها وعلى رأسها منظمة “الهاجانا”.

كما تذكر بعض المصادر أن الجيش العراقي كان على مقربة من تحرير مدينة حيفا بعد أن حاصرها، ولكن تقدمه توقف بعد رفض القيادة السياسية في بغداد إعطاءه الأوامر للزحف وتحرير المزيد من الأرض، وهذا بدوره أدى إلى إرباك الجيش والقوات وتراجعها بشكل كبير.

“من أبرز المعارك التي خاضها الجيش العراقي، هي معركة جنين؛ حيث حرر المدينة من المنظمات الصهيونية”

ويعود تشكيل جيش الإنقاذ العربي إلى العام 1947؛ حيث شكلته اللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية، وكُلّف الضابط السوري فوزي القاوقجي بقيادة الجيش، حيث ضم 3830 متطوعا من عدة أقطار عربية.

وتكونت وحدات الجيش من ثمانية أفواج من عدة دول، وكان لواء الحسين (الجيش العراقي) يتكون من ثلاث سرايا في الجيش بواقع 500 فرد في بداية تشكيل الجيش، وبعد ذلك ازدادت قوات الجيش لتصل إلى 7700 فرد منهم 5200 من مختلف البلاد العربية و2500 من فلسطين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات