الجمعة 29/مارس/2024

خنساء فلسطين .. أم نضال فرحات

إبراهيم المدهون

في ذكرى رحيلها يطلق محبّو أم نضال فرحات وسمًا تأبينا وامتنانا واشتياقا لها ولنضالها باسم خنساء فلسطين، ويشارك في هذا الوسم كل من تأثر ودمع وأحب وعرف وشاهد وتعلق بأم نضال فرحات النموذج الصلب في تاريخ ثورتنا، والتي دفعت بفلذات أكبادها في ميادين القتال، وآوى بيتها خيرة المجاهدين في زمن المطاردة الأول.

عرفنا أم نضال فرحات في عام 2002 حينما أطلت بوجه يشع نوراً فملأ قلوبنا دهشةً وعيوننا دمعاً وهي تودع ابنها البار محمد وتُسلِمُه لطريقه بإباء، وتوصيه بكلماتٍ قليلةٍ، وتحتضنه مرةً، ومرة وتبتسم ببكاء.

وقبل وقت طويل من ذلك عرفها المقاومون حينما فتحت أبواب بيتها عندما أقفلت الأبواب في وجوههم، فوجدوا بيت أم نضال يحتضنهم ويؤويهم، فتقدم لهم طعاماً من صنع يدها بابتسامتها الحنونة، تُجالسهم فيشعرون أنها أمهم ومربيتهم ومُلهمتهم، تحدثهم فتقويهم وتشد من أزرهم، فيخجلون من روحها وكلماتها عن التضحية وضرورة تقديم الثمن، وأي ثمنٍ أعظم وأغلى من أن تقدم أم حنون ولدها في سبيل ربها ومشروعها وغايتها الكبرى.

أم نضال امرأة استثنائية لن يستطيع التاريخ تجاوزها، بل سيكتب اسمها بأحرف من نور وستدرس قصصها للأجيال، وسترسم صورتها في الأماكن العريقة التي تجمع العظماء وستتفوق عليهم، وتسبقهم فقد حجزت لنفسها مكاناً علياً جداً.

ربما اتبع أم نضال الكثير من النساء الفلسطينيات العظيمات الفاضلات كأم محمد حلس وأم أحمد العابد وغيرهم الكثير، إلا أن أم نضال تبقى لها الفضل الكبير في السبق، و”السابقون السابقون” فأي سبقٍ أعظم من هذا يا أمنا؟

واليوم في الضفة الغربية هناك عشرات بل مئات من الأمهات يقدمن أبناءهن بصبر واحتساب، فما شاهدناه من أم مهند الحلبي لآياتٌ من الفخار والاعتزاز، وحينما نلمح نثر الورود ونسمع زغاريد الافتخار من أمهات وأخوات وزوجات شهداء انتفاضة القدس لندرك أن النصر أقرب، وأن هؤلاء الأمهات أعظم من أي احتلال وأقوى.

والمتابع لسيرة أم نضال يُدرك أن ما قدمته منذ احتضان عماد عقل مروراً بتحريض ابنها نضال على القتال، ومن ثم تقديم محمد للشهادة لم يكن نابعا عن قسوةٍ قلبيةٍ، أو عاطفة منفلتة، إنما عن إيمانٍ ويقين راسخين واتصال بالله دائم، ورؤية واضحة جلية، ونفس معطاءة دفاقة بالخير، تقدم المُهج والأرواح في سبيل ما هو أعظم من حياةٍ شخصيةٍ ضيقة.

أم نضال هي أمٌّ للفلسطينيين جميعاً بمختلف أطيافهم وألوانهم، فهي محط إجماعٍ عارم من أقصى اليمين لأقصى اليسار فوجدت البكاء والحزن والمشاركة واللهفة من كل بيت فلسطيني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات