الخميس 28/مارس/2024

رحيل صابرين يكمل النصف الفارغ في البيت الحزين

رحيل صابرين يكمل النصف الفارغ في البيت الحزين

كل شيء في منزل السيدة “أم صبري بركة” بمدينة دير البلح ليس على ما يرام!، نصف أسرتها غيبها الموت ونصفها الآخر يكتوي بقسوة الفقر والبرد في شتاء كانون.
 
رحلت قبل أيام ابنتها “صابرين” 18 سنة، بعد معاناة مع مرض الكلى طوال تسع سنوات طافت فيها مستشفيات غزة والضفة، وحرمها الحصار من زراعة كلية تبرعت بها والدتها خارج غزة.
 
وتشكل أسرة “بركة” نموذجاً من ضحايا الحصار على غزة الذي حرم “صابرين” من إجراء عملية جراحية ملحة بعد أن تبرعت لها والدتها بكليتها، وتقدمت بعدة طلبات للحصول على فرصة العلاج بالخارج من وزارة الصحة دون جدوى.
 
وأكمل حصار غزة قبل أيام عامه العاشر مختطفاً معه أرواح مئات المرضى والمصابين، ومحطماً أحلام آلاف الطلبة الراغبين في إكمال دراستهم خارج غزة.

 
نصف فارغ

تنتشر معالم الفقر في منزل السيدة “أم صبري” بجدرانه نصف الجاهزة، وافتقاره للنوافذ؛ ما جعل الحياة فيه صعبة للغاية؛ خاصة على الفتاة الراحلة “صابرين” التي غابت شكوتها قريباً من قسوة البرد.
 
قبل خمس سنوات توفي ربّ الأسرة “أبو صبري” 43 سنة المريض القلب في حادث سير، وبعده بشهور توفي ابنه البكر “صبري” 24 عاما بحادث دراجة نارية؛ ما زاد من مشاكل الأم التي كانت منشغلة برعاية ابنتها المريضة بالفشل الكلوي.
 
وتضيف “أم صبري” لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “كان ابني متكفلا برعايتنا بعد زوجي، ولما توفيا ساءت أمور أسرتنا خاصة ابنتي صابرين وبدأت أغسل لها الكلى في مستشفى الشفاء ثم مستشفى الأقصى، وكانت رغم مرضها دائمة العبادة وصابرة”.
 
تضرر منزل “أم صبري” بفعل القصف العنيف من طائرات الاحتلال الحربية، فأعادت بناءه على نفقة أهل الخير، لكنها عجزت في منتصف الطريق عن قصارته وتركيب الأبواب والنوافذ.
 
تطور مرض “صابرين” وزاد غسيلها للكلى، وكانت كلما تعود للبيت تشكو من البرد الشديد في منزلها الفقير وتشعر بضيق في التنفس؛ فيهرعوا بها مسرعين للمستشفى.
 
وتتابع: “أجرينا لها عمليات كثيرة منها توسيع للمثانة، ولما تلفت أوردتها من كثرة الغسيل أجرينا عمليات في مستشفى الخليل والمقاصد ثم انتقلنا لمستشفى “اوخلوف” بالداخل المحتل لاستكمال علاجها، وكانت مشكلتها كيف نصل لأي وريد لنغسل الكلى” .
 
التبرع بكلية

انتهت رحلة العلاج في مستشفيات الضفة و”إسرائيل” بعد أن عجزت “أم صبري” عن زراعة كلية لابنتها في “إسرائيل” أو مصر عبر مكتب التحويلات الخارجية التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية.
 
لم تفلح كل محاولات الأم في إقناع مكتب التحويلات في تغطية نفقات عملية زراعة الكلى التي تبرعت بها الأم خارج غزة وبقي خيار الأطباء أن يعيدوا إرسالها لاستكمال علاج لا يجدي في مستشفيات الضفة.
 
بقيت “صابرين” طوال الأسابيع الماضية عرضةً للموت في أي لحظة فكثيراً ما كانت تشكو البرد الشديد وتشعر بضيق في التنفس، ثم تعجز عن الوقوف فتعرف والدتها أنها بحاجة فوراً للمستشفى.
 
كالعادة تحضر السيارة وينقلوها لمستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، وهناك يبدأ الأطباء رحلة شاقة في البحث عن وريد صالح لبدء غسيل الكلى، ويمنحوها دواءً مسكناً وتعود بعد ساعات لبيتها.
 
عن ذلك تضيف الأم: “مرضى الكلى الآن يفتقدون علاج الهرمون الضروري وعلاجات أخرى بسبب الحصار، ابنتي وصل درجة كليتها إلى 6.5 درجة، وركبنا لها 10 وحدات دم وكانت تتألم والأطباء يبحثون عن منطقة مناسبة فيها شريان في جسمها لغسيل كليتها”.
 
على نسق واحد تكررت حياة “صابرين”؛ الألم متصاعد وزيارة المستشفى شبه يومية، وأحياناً تتكرر عندما يضيق تنفسها في الليل حتى استقر بها المقام في آخر يومين من حياتها على سرير المستشفى.
 
في آخر ليلة من حياتها عانى الأطباء طويلاً معها، وعندما وجدوا ضغط الدم قد انخفض لدرجة كبيرة عجزوا عن التدخل لغسيل كليتها، فتوفيت فوق السرير لتكون ثالث أفراد أسرتها الذين رحلوا خلال أقل من 5 سنوات.
 
الآن تتفقد “أم صبري” زوايا بيتها الفقير وتشعر كأنها تكتشف أشياءً جديدة في تفاصيل حياتها اليومية، فقد كانت طوال السنوات الماضية منهمكة طوال اليوم والليلة برعاية “صابرين”.
 
تودع روحها وهي تدعو لها بالرحمة مرددةً: “أشعر الآن بمعاناة مرضى الكلى وأهلهم، من أين سيوفرون العلاج والهرمون؟! .. رغم فقري وبيتي نصف المبني وفقداني لنصف أسرتي؛ أتذكر يوم توفي أبي وكان عمري 12 سنة وتكفلت برعاية شقيقي وعمره شهرين، وثمانية أبناء أنا أكبرهم” .
 
وتأسف الأم على أحوال أصحاب الأمراض الخطرة الذين يحتاجون للعلاج خارج غزة حين تحطم صخرة الحصار آمالهم في الحياة فتختطف حياتهم كما اختطفت حياة ابنتها “صابرين”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عباس يصدق على تشكيلة حكومة محمد مصطفى

عباس يصدق على تشكيلة حكومة محمد مصطفى

رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام صدق رئيس السلطة محمود عباس على منح الثقة لحكومة محمد مصطفى، وسط استمرار تجاهل موقف الفصائل الفلسطينية التي...