السبت 20/أبريل/2024

الحاجة صبحية القواسمي… أم فلسطينية قدمت أولادها التسعة فداءً للوطن

الحاجة صبحية القواسمي… أم فلسطينية قدمت أولادها التسعة فداءً للوطن

وأنت مقبل على مشارف وادي البصاص في الخليل تستوقفك صور أبناء الحاجة صبحية القواسمي (أم حسن)  في ذكرياتهم المتكررة، وما إن تطأ قدمك مدخل الباب الرئيس لهذا المنزل  حتى تستقبلك  أم فلسطينية رسمت على ملامح وجهها خريطة التحولات والتضحيات التي قدمها شعبنا.

عزيمة أخت الرجال
        
نشأت أم حسن وترعرعت في (حارة الشيخ)  التي تعرف في أجندة المقاومة بحارة القيادة، التقاها مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“، بعد فرحة لم تكتمل .. فقد اعتقل نجلها زياد، الذي لم يمض على الإفراج عنه سوى ثلاثة أشهر بعد اعتقال متواصل استمر خمسة عشر عاما ..

تنتمي الحاجة صبحية رشدي القواسمي “أم حسن” والتي تبلغ من العمر 63 عاما،  إلى عائلة عرفت بتضحياتها ومقاومتها للمحتل مسجلة منظومة صمودية قلّ نظيرها، سيّما وأن جميع أبناء الحاجة صبحية ما بين أسير ومبعد وشهيد.

بداية المحنة

وحول هذه الرحلة الطويلة الشاقة قالت أم حسن: “كانت البداية مع ولدي زياد حينما اعتقلته قوات الاحتلال عام 2000م، وخضع لتحقيق مشدد في الزنازين لمدة ستة أشهر، أرسل لي خلالها رسالة مع المحامي قال لي فيها (أنا يما في خلوة مع الله) وعلى إثر هذا الاعتقال حكم بعد ذلك عامين، ليعتقل مرة أخرى في العام 2002 ويحكم عليه بالسجن ثلاثة عشر عاما؛ حيث أفرج عنه قبل ثلاثة أشهر، ولكن الاحتلال أعاد اعتقاله قبل أسبوعين وحوله للاعتقال الإداري.
 
رحلة الشهادة

ورغم احتباس الدمع في مقلتي أم حسن؛ إلا أنها محافظة على رباطة جأشها فسكتت للحظات ثم أكملت حديثها وقالت: ابني أحمد استشهد وهو يبلغ من العمر “16 عاما” وذلك في15 رمضان عام 2000م خلال مواجهات اندلعت في حي باب الزاوية وسط مدينة الخليل.

وفي العام 2004 أصبح ابني مراد مطاردا من قبل قوات الاحتلال، وفي اليوم الأربعين من رحلة المطاردة، حاصرت قوات الاحتلال أحد البيوت في منطقة الجلدة، فقاوم هو ورفيقيه إياد أبو اشخيدم وعمر الهيموني، وعندما جاءت جرافة الاحتلال لتهدم البيت أخذ مراد يبكي، فسأله إياد لماذا تبكي: فقال أنا أرى أخي الشهيد أحمد يرحب بي، وبعد دقيقة واحدة من هذه القصة جاءته رصاصه على القلب مباشرة فارتقى شهيدا هو وصديقه عمر، وأسر صديقه الآخر إياد، والحمد لله على كل حال.

وتضيف الحاجة صبحية وتقول: ابني البكر حسن يعمل تاجراً، ويعتقل عادة عندما يكون هناك اعتقالات لإخوته  فيعتقلونه كوسيلة ضغط، حيث اعتقل مرات عديدة ومتفرقة  في سجون الاحتلال كرهينة، وليت الأمر توقف عن حسن، فهذا نجلي حسام “43عاما”، قد اعتقل سابقا “12عاما” قضى ثمانية سنوات ونصفا، ثم أعادوا اعتقاله عدة مرات لعدد من الشهور، ولما استشهد شقيقه مراد تم اعتقاله مرة أخرى، وأخيرا تم اعتقاله بعد اتهامه بعملية التخطيط لخطف وقتل الجنود المستوطنين الثلاثة، حيث حكم عليه بالسجن ثلاثة مؤبدات، وتم هدم منزله.
  
وتتنفس (أم حسن)  الصعداء ومن خلال وهج أنفاسها تشعر أن الحكاية لم تنته بعد .. فهناك تضحيات أخرى في مسيرة فلذات أكبادها ، وحتى يكتمل المشهد تزأر أم حسن فتقول: ابني (حسين) 42  عاما  قضى 12 عاما” في السجون الإسرائيلية سابقا، وبعدما أفرج عنه، أعادوا اعتقاله عام 2011 بتهمة مشاركته في عملية فدائية في القدس حوكم على إثرها مؤبدا وثلاثين عاماً، ولأنه رفض الامتثال لأمر قاضي محكمة الاحتلال بالوقوف أمامه، تم رفع حكمه ثلاثين عاما إضافية ليصبح مؤبدا وستين عاماً.

وليس محمد بأفضل من أشقائه فلا بد أن يتجرع ألم الاعتقال أسوة بهم في ظل احتلال لا يرحم ..فتول أم حسن:

كان محمدا يزور السجن ليس كأي زائر، حيث اعتقل مرات عدة  دون وجه حق،  فكلما تقع اعتقالات لأخوته يعتقلوه، ويحكم بالحكم الإداري، أي دون تهمة تذكر، ومجموع اعتقالاته المتفرقة وصل قرابة العامين، وما دام أنه من عائلة أبو حسن القواسمي فلا بد أن يعتقل .. هكذا هي معادلة الظلم في دولة الاحتلال . 

إبعاد محمود

وتستمر المعاناة فداء لفلسطين فتضيف أم حسن وتقول: ابني محمود المبعد كان له علاقة بعملية بئر السبع، فحوكم على ذلك 22 عاما، قضى منها ثماني سنوات ، ثم أفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار وتم نفيه إلى قطاع غزة، ولا زال مرابطا على أرض غزة .

حجازي والاعتقال الإداري
        
ولنجلها حجازي قصة وحكاية، فقد سار على نفس الدرب وانخرط في بداياته في صفوف الانتفاضة والمقاومة، وحوكم ثلاث سنوات، وبعد الإفراج عنه أعيد اعتقاله مرة أخرى لمدة عامين، بعدها تجددت رحلة اعتقالاته إداريا ليمضي في سجون الاحتلال نحو ستة سنوات ولا زال قيد الاعتقال الإداري حتى الآن .  

أصغر أبناء الحاجة أم حسن، ولدها فراس” 24 عاما”، حيث أنهى التوجيهي، ومن ثم التحق بجامعة الخليل في بداية مشواره الجامعي، إلا أن طموحه وحبه لاستكمال مشواره التعليمي دفعه للسفر إلى الخارج ليتلحق بإحدى الجامعات الماليزية، ليحصل على شهادتي البكالوريوس والماجستير بتفوق، وليكمل مشواره نحو تحقيق حلمه في الحصول على شهادة الدكتوراة.  

هدم البيت وبيوت أبنائها

لم تنحسر مأساة المجاهدة والصابرة أم حسن في اعتقال أبنائها؛ بل هدم الاحتلال بيتها وبيوت أبنائها المكون من سبعة طوابق عام 2004، ثم هدموا أجزاء من بيت حسين، وأخيرا هدموا بيت ولدها الأسير حسام بحجة ضلوعه بخطف وقتل ثلاثة جنود، وأمام هدم منزلها ومنازل أبنائها تقول: والله ما حرك ذلك في جسدي شيئا ولو سحبت من رأسي شعرة لتوجعت أكثر فهناك بيت في الجنة أجمل أوسع.
 
اعتقال الحاجة صبحية

اعتقل الاحتلال أم حسن واقتادها مقيدة لمستوطنة كريات أربع، ومن ثم إلى مركز التحقيق في عسقلان؛ حيث أجري التحقيق معها، وهي غير مبالية ضاربة بسياسات الاحتلال عرض الحائط، وتروي الحاجة أم حسن ما جرى معها في التحقيق فتقول: “جردوني من ملابسي وجعلوني عارية بشكل كامل، بحجة التفتيش، ثم نقلوني لغرفة التحقيق، شتموني، وأهانوني، اقتادوني مجددا للزنزانة. فقد كان يحقق معي أربعة محققين بلا رحمة”.

وبينما كنت في الزنزانة رأيت الفئران في غرفتي، شعرت بالريبة وقلت يا رب، وتذكرت كلمات ولدي زياد عن الزنزانة “أنا يما في خلوة مع الله”، فقلت فعلا لتكن خلوة مع الله، وبدأت بالاستغفار والتواصل مع ربي بالدعاء وقراءة القرآن”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات