ياسر البدرساوي.. مدرسة في الصبر وتاريخ من الاعتقال (اطار)

عاش متنقلاً بين السجون.. وأفنى زهرة شبابه وراء قضبان الاحتلال، متجرعًا ألم الغياب والشوق لأسرته حتى وصل به الحال في نهاية المطاف إلى الاكتواء بنار ذوي القربى الذين أبوا إلا أن يكافئوه على ما قدمه من مواقف وطنية مشرفة وعلى عشقه لثرى الوطن.

أربعين يومًا من الظلم أمضاها الأسير المحرر ياسر البدرساوي في سجن أريحا (أحد سجون الأجهزة الأمنية) بعد ثلاثة أشهر من الإفراج عنه في سجون الاحتلال الصهيوني خاض خلالها معركة إضراب عن الطعام انحنى الجميع خلالها تقديرًا لصمود الأسرى وتحديهم لانتزاع حقوقهم.

وكان للاعتقال الأخير وقع مؤلم على عائلة البدرساوي، كونه صاحب تاريخ حافل من التضحيات وخدمة أبناء بلده؛ إضافة إلى أن الاعتقال جاء بطريقة تعسفية انتقامية لشخصه؛ حيث أمضت العائلة أسابيع مريرة في انتظار لحظة الحرية لمعيلها الوحيد من سجون أبناء الجلدة.

لأبي إسلام تاريخ اعتقالي حافل، بدأ عام 1993؛ حيث اعتقل لمدة عامين ونصف بتهمة الانتماء لحركة حماس آنذاك، وبدأت المحطة الأخرى الاعتقاليه له مع بداية انتفاضة الأقصى، واعتقل نحو 6 مرات ووصل مجموع سنوات اعتقاله 8 أعوام ونصفا، أغلبها تلت الانتخابات التشريعية عام 2006؛ حيث كان حينها أحد مرشحيها عن قائمة التغيير والإصلاح.

ويعد المحرر البدرساوي من أحد أبطال معركة الأمعاء الخاوية إبان إضراب الأسرى الإداريين عام 2014 لأكثر من 60 يومًا لرفضهم سياسة الاعتقال الإداري.

ومع دخول السلطة الفلسطينية لمدينة نابلس كان لأبي إسلام أول تجربة اعتقال سياسي من قبل الأجهزة الأمنية بعد اتفاقية أوسلو؛ حيث اعتقل لمدة أربعة شهور، لتكرر ذات المأساة مجددًا عام 2008 ويمضي خلالها في سجون الأجهزة 6 شهور أخرى.

ورغم تأكيد مؤسسات حقوق الإنسان ومنها “مؤسسة الضمير” و”الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان” على أن الاعتقال الأخير قبل أسابيع من الآن غير قانوني إلا أن الأجهزة الأمنية أصرت على الإبقاء على البدرساوي تحت مسمى الاعتقال على ذمة المحافظ، لتضرب بذلك بعرض الحائط جميع المسميات القانونية وتتجاهل مواد القانون الكافلة لحقوق الإنسان.

وجلبت الاعتقالات المتعددة والمستمرة لأبي إسلام، العديد من الأمراض المزمنة، التي باتت رفيقًا ملازمًا له، حيث يعاني من تلف في البنكرياس والتهابات في البروستات.

وعلى الرغم من الأمراض المذكورة وتغيبه المستمر عن عائلته، وما رافق ذلك من آثار نفسية صعبة عليه وعلى زوجته وبناته الأربعة، إلا أن البردساوي كان مصدر قوة وإيمان تستلهمها زوجته أم إسلام التي وجدت نفسها مجبرة على إكمال طريقه وإعالة أسرتها في كل محطة من محطات التغييب.

ويعتبر بدرساوي نموذجًا لمسيرة من العطاء والجد والمثابرة، بدأت منذ إنهائه لدراسته الجامعية ضمن تخصص العلوم التربوية، لينطلق بعدها ناشرًا للخير وتاركًا بصمته العميقة في كل مؤسسة عمل بها أو مكان حل فيه، ويشهد له بذلك ميدان العمل في قضايا اللاجئين والأسرى خلال انتفاضة الأقصى.

وجدير بالذكر أن لأبي إسلام مكانة اجتماعية بارزة في مدينة نابلس؛ حيث يعتبر من أحد وجوه الإصلاح ولاسيما في المخيم الذي يقطنه، ويعتبر نقطة التقاء يجمع عليها أهالي المدينة في مجال الإصلاح والعمل المجتمعي.

وعمد أبو إسلام إلى أن يكون غرسه في بيته خير غرس، وتجلى ذلك في أثر نهجه مع بناته اللواتي أتممن حفظ القرآن الكريم كاملاً، وزوجته التي أخذت على عاتقها منذ اللحظة الأولى لاعتقاله الأخير أن تجلس مكان زوجها في محله التجاري في مدينة طولكرم، متحملة بذلك مسؤولية يعجز عنها بعض الرجال.

وكانت عائلة البدرساوي أثناء اعتقالاته المتكررة حاضرة في أي فعالية تضامنية مع الأسرى، ناقلة من خلالها معاناته وصوته إلى كل من يلقاها.