الأربعاء 14/مايو/2025

خياراتنا في المحكمة الجنائية الدولية (ملخص دراسة)

خياراتنا في المحكمة الجنائية الدولية (ملخص دراسة)

ترددت على مسامعنا العديد من التصريحات حول توجه قيادة السلطة الفلسطينية إلى محكمة الجنايات الدولية للتصديق على ميثاقها والإنضمام إليها كدولة عضو. كثر اللغط القانوني والسياسي حول هذه القضية فادّعت اسرائيل وحلفاؤها أن هذه الخطوة الأحادية لها آثار سلبية سياسياً على مفاوضات السلام وأنها ليست قانونية حيث أن فلسطين لم تكتمل أركانها كدولة حتى يحق لها التصديق على نظام روما الاساسي المكوّن للمحكمة. بينما اتهمت قيادة السلطة الادارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية بأنهم هم السبب وراء هذه الخطوة الأحادية.

وسأقوم بمعرض هذا الملخص المختصر بإجابة تساؤلات قانونية حول المحكمة ودورها وأحقية فلسطين بالإنضمام لها. وستتضمن آخر فقرة ملخصاً للخيارات الفلسطينية والإسرائيلية فيما يتعلق بهذا الأمر.

ما الجدوى من التوجه إلى المحكمة؟ 

بلا شك يعتبر تأسيس محكمة العدل الدولية نقلة نوعية في القانون الدولي وإنصاف المظلومين في النزاعات الدولية فكان نظام روما المؤسس للمحكمة تتويجاً لجهود استمرت عقودا عديدة.

وقد يتسائل البعض عن جدوى الذهاب وعن قدرة المحكمة فعلياً على إنصاف الضحايا الفلسطينيين وردع إسرائيل عن شن عدوانها على المدنيين الفلسطينيين وارتكاب إبادات جماعية كما حصل في الحروب السابقة. ويستند المشككون في قدرة المحكمة على مقاضاة اسرائيل على الدعم الأمريكي الواسع لإسرائيل وقدرة الولايات المتحدة على الضغط على المدعي العام للمحكمة والتأثير على المرافعات. إلا أن هذا مجرد افتراض –لا يخلو من تبسيط- ولا يعتبر في حال من الأحوال مبرراً لعدم المحاولة. 

ولعل أبرز الفوائد المجنية من التوجه للمحكمة هي كالتالي: 

1. محاكمة القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية مما سيشكل هاجساً نفسياً عند القيادات الصهيونية مستقبلاً قبل اتخاذ أي قرار سيؤثر عليهم مستقبلاً. وبالتأكيد إنصاف الضحايا وذويهم ممن ذهبوا ضحية مجازر الإبادة الجماعية (Genocide) والإستهداف المتعمد للمدنيين. 

2. تعزيز حالة العزلة السياسية الدولية على الكيان الصهيوني حيث أن القيادات السياسية التي تحاكم –أو التي رفع ضدها قضايا أمام المحكمة- لن تستطيع مغادرة “إسرائيل” لأن ذلك قد يتسبب في اعتقالهم أو احتجازهم في الدول الأعضاء لتسليمهم للمحكمة. وهذا يذكرنا بآخر أيام نظام الفصل العنصري “الأبارثايد” في جنوب افريقيا. 

3. تثبيت الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني حيث أن مجرد قبول فلسطين كعضو للمحكمة سيثبّت وضعية فلسطين دولياً كدولة محتلّة مما يزيد من الضغوط الدولية على “إسرائيل” (لأن انتهاك سيادة الدولة يعتبر أشد جرماً من احتلال شعب). عدا عن ذلك فإن تفاصيل الإدلاء بالقرار قد تؤدي إلى تثبيت العديد من الحقوق الفلسطينية كما حصل في الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية حول جدار الفصل عام 2003. 

4. تعقيد الحسابات الاسرائيلية عند اتخاذ قرار الحرب أو توسيع المستوطنات. 

صلاحية المحكمة: 

وتقتصر صلاحية المحكمة على الجرائم المنصوص عليها في المواد 5-8 من نظام روما الأساسي وهي: جرائم الحرب (War Crimes) والجرائم ضد الإنسانية (Crimes against Humanity) وجريمة الإبادة  (Genocide) والعدوان (Aggression). وهناك إدعاءات بأن اسرائيل ارتكبت الجرائم الأربع بأكملها في حروبها السابقة ضد الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزّة. 

هل بإمكان فلسطين الانضمام؟ 

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أن فلسطين ستصبح عضواً كاملاً في المحكمة ابتداء من 1 إبريل القادم إلا أن الإقرار يجب ان يصدر من مكتب المدعي العام للمحكمة وهو ما لم يحصل حتى الآن. ويشترط نظام روما الأساسي أن تكون الجهة الراغبة في الإنضام دولة معترفاً بها كذلك عالمياً. 

وتدّعي إسرائيل أن فلسطين لم تكمل أركان الدولة الأربع المنصوص عليها في اتفاقية مونتفيديو. 

عدم عضوية “اسرائيل” 

وتدعي “إسرائيل” ان المحكمة تفتقد للأهلية اللازمة لمقاضاتها حيث أنها ليست عضواً في المحكمة مستندة على مبدأ الذهب النقدي (Monetary Gold Doctrine) والذي يتسمد منه وجوب حضور الاطراف المعنية للمرافعات إلا أن هذه المسألة ما تزال قيد الدراسة ولم تبدي المحكمة فيها رأياً فاصلا حتى الآن. عدا عن ذلك هناك مبدأ الاختصاص المكاني للمحكمة، ففي حال قبول فلسطين كعضو بإمكان المحكمة التعامل مع الجرائم التي حدثت على الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية وقطاع غزة كما هو معترف به من غالبية دول العالم).

طرق بديلة في حال تعذّر الانضمام: 

هناك طريقتان للتغلب على شرط الدولة والإنضام للمحكمة: 

الأولى هي مبادرة المدعي العام ذاتياً لفتح تحقيق حول الجرائم ومقاضاة “اسرائيل” في حال أكد التقرير وجود معلومات كافية. وهذا قد يكون صعباً بسبب احتمالية ممارسة ضغوط على شخص المدعي العام وعلى المحكمة ككل.

والثانية هي أن يتخذ مجلس الأمن قراراً بفتح تحقيق في الموضوع استناداً على المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة. وقد يكون هذا ضرباً من الخيال في ظل وجود الفيتو الأمريكي المنحاز بشكل كامل للجانب الإسرائيلي.

آثار جانبية 

وبالرغم من المكاسب الكبيرة التي بإمكاننا أن نجنيها من انضمامنا للمحكمة إلا أن هناك آثاراً جانية مثل احتمالية مقاضاة قيادات المقاومة الفلسطينية بتهمة ارتكاب جرائم مزعومة ضد الإنسانية حيث أن اطلاق الصواريخ باتجاه التجمعات السكنية يعتبر جريمة ضد الإنسانية من وجهة نظر القانون الدولي.

إلا أن المقاومة الفلسطينية بإمكانها الإدعاء بأن صواريخها ليست بالدقة الكافية وأنها موجهة ضد أهداف عسكرية وأن أي أضرار مدنية قد تحصل هي غير مقصودة وليست بناء على سياسة عامة حيث يشترط نظام روما أن يكون الإستهداف نابعاً عن سياسة عامة. وقد أبدت المقاومة الفلسطينية أداء باسلاً أخلاقياً يدرّس في الحرب الأخيرة حيث ألحقت أضراراً بالغة بقوات الجيش الإسرائيلي بلغت المئات من القتلى وحوالي 1600 جريح بجرح كبير حسب صحيفة يدعوت أحرونوت العبرية بينما قتل 3 مدنيين اسرائيليين فقط.

ولن أخوض في الحسابات السياسية في هذا المجال وإنما أكتفي بالقول أن مقاضاة بعض القيادات – إن حصل- لن يؤثر بالضرورة على الاداء السياسي والعسكري للمقاومة.

الخيارات المتاحة أمام الطرفين: 

أمام القيادة الفلسطينية: 
1. التوقيع على نظام روما والإنضمام للمحكمة. وهذا ما تم بانتظار القبول الرسمي. 
2. قبول ممارسة اختصاص المحكمة على الأراضي الفلسطينية ولا يشترط لهذا الخيار أن تكون فلسطين عضواً في المحكمة. 
3. ممارسة الضغوط على المدعي العام عبر المؤسسات الأهلية والحقوقية عبر العالم لفتح تحقيق في الجرائم المختلفة التي ترتكبها القيادات الإسرائيلية بشكل منتظم بالذات القيادات المتعددة الجنسية. 
4. وأخيراً تفعيل مبدأ “الإختصاص العالمي” وهو مبدأ قانوني معترف به في العديد من دول العالم ويقضي بأن أي فرد او مؤسسة بإمكانهم أن يرفعوا قضية في المحاكم المحلية للدول التي تعترف بالمبدأ ضد أي مسؤول حول العالم بتهمة ارتكاب أي من الجرائم المحرمة دولياً. وهذا ما حصل فعلاً في بعض الدول مثل بلجيكا والنرويج ولكن توقف في النهاية بسبب ضغوط خارجية. وهذا سيكون موضوع مقال قادم بإذن الله. 

الخيارات التي قد يلجئ إليها العدو الإسرائيلي: 
1. اللجوء إلى مبدأ الذهب النقدي (Monetary Gold Doctrine) المذكور أعلاه إلا أن هذه المسألة ليست محسومة قانونياً وهناك ما يدحضها. 
2. ممارسة الضغوط على المحكمة وعلى المدعي العام لوقف المرافعات بحجة أن ذلك ليس في “مصلحة الأمن والعدل الدوليين” كما هو منصوص عليه في نظام روما. وهذا خيار متاح وإن كان صعباً حيث أن بإمكان المؤيدين للحقوق الفلسطينية من دول ومنظمات وأفراد مؤثرين ممارسة ضغوط على الجانب الآخر. وفي ظل الغضب الدولي الكبير على المجازر الإسرائيلية المروعة في الحرب الأخيرة يبدو هذا الخيار صعباً. 

ومن الجدير بالذكر أن تجاهل قرارات المحكمة ليس خياراً حكيما للجانب الإسرائيلي حيث أنه سيزيد الطين بلة ويعطي حجة أكبر للمحكمة لمقاضاة اسرائيل وفي نفس الوقت سيحرج القيادات الإسرائيلية أمام حلفائهم الأعضاء في المحكمة مثل بريطانيا وكندا. 

وسيتبع في مقال لاحق ان شاء الله تفصيل للجرائم التي ارتكبتها “إسرائيل” والتي تدخل في إطار الجرائم المنصوص عليها في نظام روما. 

وفي الختام وفاء لدماء الشهداء البواسل يتحتم على كل من بيده اتخاذ القرار أن لا يعبث بدمائهم وأن يبذل كل السبل المشروعة –وهي عديدة- للقصاص لدمائهم وإنصاف ذويهم وتثبيت الحقوق الفلسطينية العادلة. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...