الأحد 29/سبتمبر/2024

الانطلاق صعودا

لمى خاطر
ربما صارت عبارة تقليدية القول لحماس في ذكرى انطلاقتها: كل عام وأنتِ بخير..
لكنّ هذا التمني يصبح رجاءً دائماً وأملاً ملحّاً ونحن نتابع سواعد الحركة وهي ترصّع جبين فلسطين بنجوم حريّتها، إذ ما دامت حماس بخير فسيكون خيار المقاومة بخير، وستبقى بذورها دائمة النماء، حتى وإن كانت خياراً مكلفاً أثمانه كبيرة، وحتى لو اقترنت بفناء أعمار بنيها في السجون وبذل أرواح غالية من نخبة قادة الحركة ومجاهديها على درب التحرير، لأن الحركة باختصار انطلقت صاعدة، وظلّت محافظة على هذا الاتجاه، رغم التيارات المعاكسة التي ناكفتها وناهضت حركتها خلال مسيرتها الصاعدة.

في ذكرى انطلاقتها؛ لم تحتفل حماس كما يحتفل غيرها، وحتى مهرجانها السنوي الذي يكون عادةً مناسبة لتجديد البيعة للمقاومة ألغته حماس هذا العام نتيجة للظروف الصعبة التي تعيشها غزة بفعل الحصار وتأخر الإعمار، لكنها استعاضت عن كل مظاهر الاحتفال بعرض عسكري مهيب، وهو بدوره لم يكن مجرد استعراض لاستجلاب التصفيق وعدسات الإعلام، بل كان مناسبة لتأكيد الجاهزية رغم خسائر الحرب، ولإظهار أهم ملامح العتاد البشري والتقني الذي يتراكم ويتطوّر، كوحدات الكوماندوز البحرية وطائرة الأبابيل وبندقية الغول والصاروخ الجديد غير معروف المدى، وكل هذا لم يكن أسراراً كشفها العرض، بل كان سلاحاً تم اختباره في أرض المعركة، وسجل تطوراً وتفوقاً على الاحتلال، موقعاً خسائر محققة في صفوفه، لاسيما وأن خلفية هذا المشهد كانت تدور فيها أحداث عملية زيكيم المسربة بعض تفاصيلها مؤخرا، والتي كشفت صدق القسام وكذب الاحتلال، يوم زعم أنه رصد الخلية منذ خروجها من غزة، واغتالها فور وصولها شاطئ زيكيم!

وهكذا، كان ما جرى في عرض حماس يلخّص مسيرة عطائها، المسيرة التي تتقدّم ولا تتراجع، وتصعد ولا تهبط، والمسيرة التي تكتسب عاماً بعد عام إنجازات جديدة تسجّل في سفر سيرة الحركة الذاتية، فلا تكون مناسبة الانطلاقة مقتصرة على التغني بالماضي وحسب، بل حافلة بإنجازات هائلة لعام جديد، تضيف فيه الحركة لمنهج التحرير كثيراً من وقود المسير والمواصلة، وتُدخل إلى قواميس الصراع مع الاحتلال مفردات جديدة، تنحفر في وعي الأجيال نقشاً لا يزول.

حين شاهدتُ خلال الاستعراض طائرة الأبابيل تحلّق في سماء غزة قلت: رغم أن كلّ ما على الأرض كان باذخ الجمال هذا اليوم؛ وحدات العرض المنضبطة، أدوات الحرب وعدّة المواجهة، العيون من خلف اللثام، الكلمات المفعمة بالإصرار.. إلا أن ما كان في السماء يختزل الجمال كلّه، والفرادة والإبداع وأسطورية الانطلاق، ويلخّص حكاية المسيرة ويشي بنهاياتها المرتقبة!

وهذه النهايات المشرقة، تبدو اليوم أجلى وأقرب وحماس تدشن عامها السابع والعشرين، دون أن يخدش جلال ونقاء هذه الأعوام تنازل أو تهاون أو ردّة عن الدرب، فهي أعوام تمثّل مرحلة الإصرار الصعبة، والصعود المذهل، واجتراح الأساطير المقاومة، وكسر حواجز المستحيل، وتجاوز ثغرات الضعف، وحسن الاستثمار في الإنسان والوعي، وإجادة توظيف الطاقات المجاهدة وتوجيهها وضبطها وتنميتها.

كل عام وأنتِ بخير؛ نقولها للحركة التي حافظت على بوصلتها نحو القدس، وسدّدت بنادقها في اتجاهها الأصوب، وجلبت لوطنها الأسير أملاً عذباً مع كل جولة وصولة، ومع كل شرخ تحدثه في جدار المحتل، وطعنة في قلب مشروعه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات