روسيا والحرب على غزة

ماهو الموقف الروسي من الحرب الصهيونية على قطاع غزة؟ هل اتخذت موقفا؟ هل أدانت؟ هلتحركت من أجل وقف العدوان؟
بعكسالوضع في سوريا حيث أصبحت روسيا “الحامي لقوى الممانعة” والذي يواجه”المؤامرة الإمبريالية”، لم يظهر أي موقف جدي لروسيا فيما جرى في غزة.
يدفعهذا لطرح السؤال حول الموقف الحقيقي من الدولة الصهيونية، التي كانت أول من اعترفبها منذ أن كانت “الاتحاد السوفياتي”، لكنها ظهرت حين كانت الاتحادالسوفياتي كداعم لحركة التحرر العربي، والذي أمدّ العرب بالسلاح الذي كان يجب أنيواجه به الوجود الصهيوني.
وبالتاليفإنها كانت في ظل الاتحاد السوفياتي حليفاً حقيقياً ضد الإمبريالية، وضد”التوسعية الصهيونية”، وتلك المرحلة شهد فيها العالم الحرب الباردة،والصراع بين “الاشتراكية والرأسمالية”، حيث تشكّل التحالف العالمي ضدالإمبريالية والنظام الرأسمالي بين الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكيةوالطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية وحركة التحرر الوطني، باسم تحالف الشعوب ضدالنظام الرأسمالي.
لكنانهيار الاتحاد السوفياتي أدى إلى تحكم الرأسمالية في روسيا، أولاً في شكل مافيانهبت كل ملكية الشعب التي كانت تحت سيطرة الدولة، وكان يبدو من خلال التهافتللتحالف مع الإمبريالية الأميركية من قبل المافيا التي نظرت إليها من منظور تبعي،أن أميركا تريد تدمير روسيا وليس تطورها، هذا ما انعكس بعدئذ في تحوّل روسيا لفرضوجودها كقوة عالمية بعد أن بات يُنظر إليها من قبل “الغرب” لدولةعالمثالثية، وهي المرحلة التي ارتبطت باسم فلاديمير بوتين، الذي عمل على إعادةبناء روسيا كقوة عالمية، لكن في وضع عالمي لم يكن مؤاتياً نتيجة ميل الإمبرياليةالأميركية للسيطرة على العالم بعد أن ضمنت انهيار الاتحاد السوفياتي وتهميش روسيا.
لكنالأزمة المالية التي حدثت سنة 2008 فتحت المجال لتغيّر سمح لروسيا بأن تطمح لأنتفرض ذاتها قوة عالمية، ومكافئا للإمبريالية الأميركية.
لميظهر ذلك بوضوح إلا من خلال الوضع السوري بعد انطلاق الثورة في 15 مارس/آذار سنة2011، بعد حماس لما جرى في تونس ومصر وارتباك لما جرى في ليبيا، حيث وافقت علىالتدخل “الغربي” فيها، رغم كل مصالحها في ليبيا. وهذا ما اعتبر خطأمارسته دفعها لأن تأخذ موقفاً متشدداً في سوريا.
ولاشك في أن أساس هذا الموقف مصالح اقتصادية باتت تطمح لأن تجنيها، توضحت فيالاتفاقات التي جرى توقيعها في صيف سنة 2012.
كماأن روسيا اعتبرت أن الوضع السوري هو المفصل الذي يجب أن يميّز بين زمنين، وعالمين،بمعنى أنها قررت أن تعيد الثنائية القطبية، أو أن تتوافق مع أميركا في قيادةمشتركة للعالم، ولهذا دافعت عن النظام السوري بقوة وتشدد، لم يكن يزعج أميركا رغمأنه كان يبدو أنه ضدها، حيث لم تكن أميركا معنية بدعم الثورة بل بسحقها. ولهذا كانالفيتو الروسي في مجلس الأمن يغطي على موقفها الحقيقي.
إذن،فقد كانت سوريا هي المفصل لمحاولة روسيا أن تفرض ذاتها قوة عالمية مقررة، لكنهاتورطت في أوكرانيا بعد انفجار الثورة فيها وسقوط حليفها، متهمة الغرب بالتآمروالتدخل، ولهذا ظهر في الأشهر الأخيرة أنها تغيب عن متابعة الوضع السوري، وظهر أنالأمور تفلت منها لمصلحة دول إقليمية (إيران والسعودية)، ومن ثم فإن المقرر فيالوضع السوري باتت إيران وليست هي.
فيهذا الوضع بدأت الحرب على قطاع غزة، فظهر الغياب الروسي، حيث لم تفعل شيئا واضحا،وكانت في صفّ إدانة حركة حماس والإرهاب. هذا يطرح السؤال حول الموقف الروسي منالدولة الصهيونية. هل يمكن استرجاع الموقف السوفياتي الذي كان يدعم الفلسطينيين؟أم إن التحوّل الرأسمالي في روسيا قد أوجد تصوراً آخر من منظور الرأسمالية ذاتها؟وبالتالي هل يمكن أن نتوقع موقفاً روسيا في صفّ العرب ضد الدولة الصهيونية كما كانزمن الاتحاد السوفياتي، وإنْ كان لا يصل إلى إنهاء الدولة الصهيونية؟
سنلاحظبأن بوتين بعد أن عاد رئيساً كانت زيارته الأولى إلى الدولة الصهيونية، ولا شك أنلهذا معنى ومغزى، فهو يشير إلى اختياراته، ويوضّع اهتمامه، كما في كل العلاقاتالدولية.
ورغمأن بوتين طمح ويطمح لأن تصبح روسيا هي القوى المسيطرة في الوطن العربي، من سورياإلى العراق إلى مصر إلى ليبيا وبقية المغرب العربي، وحتى الخليج، فإن الزيارة هذهتشير إلى أن للعلاقة مع الدولة الصهيونية خصوصية ما.
لقدسعى بوتين للاستحواذ على سوريا وقنص مصر والتغلغل في العراق واستعادة ليبيا، لكنكل ذلك لا يغني عن طرح السؤال حول العلاقة مع الدولة الصهيونية. هل تريد روسياتحقيق مصالحها في العلاقة مع العرب، أم إنها تريد توطيد علاقتها بالدولة الصهيونيةوكسب ما تستطيع في الوطن العربي؟
الحربالصهيونية على قطاع غزة ربما تعطي مؤشراً. ربما هنا لم يختلف الموقف الروسي عنالموقف الأميركي، وهذه مسألة ملفتة، حيث أظهرت روسيا أنها في صفّ العرب ضد أميركاخلال الثورات في البلدان العربية، حتى أنها ظهرت كمدافع عن حسني مبارك وبن علي،ولقد كررت “نظرية المؤامرة”. إذن ما الذي يجعلها تتخذ هذا الموقف؟
فيالمقابل نجد الاهتمام الصهيوني بالعلاقة مع روسيا، حيث تكررت زيارات نتنياهوإليها، وظهر الانسجام في هذه العلاقة، وظهرت تحليلات تشير إلى الحاجة للاعتماد علىروسيا كبديل عن أميركا، في وضع تتلمّس الدولة الصهيونية تراجع اهتمام أميركا فيالمنطقة كما أشرنا مراراً. وهذا يدفع أيضاً لطرح السؤال: هل يمكن أن تكون روسياالبديل؟
لاأشك في أن روسيا تريد أن تعود إلى الوطن العربي، وأن تجد أسواقاً فيه، وأن توجد”حلفاء” لها. لكن يجب أن نتلمّس هل ستعتبر الدولة الصهيونية هي المرتكزالذي يمكن أن تعتمد عليه؟ ما يساعد على طرح هذا السؤال شعور الروس بأن النظمالعربية كانت تتعامل مع روسيا من أجل التقرّب من أميركا، وأن النظم العربية اعتادتعلى التعامل التجاري الذي ترسّخ في حقبة الاتحاد السوفياتي، أي دون دفع مالي.
ربماما يجب التنبه له هو أنه في الدولة الصهيونية نصف مليون روسي ليسوا يهوداً، وهؤلاءفي ترابط مع المافيا الروسية، التي هي قوة مؤثرة في السلطة الروسية. وهم كذلك، معاليهود الروس، عنصر مؤثر في الدولة الصهيونية. وهو العنصر الذي يزداد تأثيراً فيمسار الدولة، ويمكن أن يفضي التدقيق إلى الوصول إلى نتيجة هي أن علاقة هؤلاءبروسيا يمكن أن تزيد من تأثيرهم الداخلي، وهذا ما يعززه حاجة الدولة الصهيونية لـ”حام” دولي.
ف
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

45 شهيدًا بمجازر إسرائيلية دامية في مخيم جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد 45 مواطنًا على الأقل وأصيب وفقد العشرات - فجر اليوم- في مجازر دامية ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدما...

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...