الكيان الصهيوني لم يضع أهدافاً سياسيّة ولا إستراتيجية للخروج من عملية الجرف الصا

يمكن افتراض أن “إسرائيل” دخلت المعركة الحالية “الجرف الصامد” مثلما فعلت في جميع معاركها الأخيرة، من دون استراتيجية سياسية للخروج منها، ولا بنك أهداف سياسية ولا قرار مسبق بشأن ما هو الحد السياسي الأدنى المطلوب من هذه المعركة. ومن المحتمل جداً أن تنتهي الجولة الحالية من دون إنجاز مهم وبجدل داخلي وإحباط يستمران حتى الجولة المقبلة. وبهذه الطريقة يحظى الخصم بفترة تهدئة يستغلها من أجل إعادة تنظيم صفوفه وملء مخزونه من السلاح والعتاد والتحصين. هذه هي السمة التي تميز الجبهتين اللتين تواجه فيهما “إسرائيل” تنظيمين هما في الواقع خليط من دولة بكل معنى الكلمة من دون صفة رسمية وتنظيم لادولتي يعتبر أن من حقه أن يقرر متى وفي أي ظروف، استخدام قوته العسكرية.
يرى كثيرون أن قرار مجلس الأمن 1701 الصادر في 11 آب/أغسطس الذي اتُخذ في نهاية حرب لبنان الثانية، كان أهون الشرور، ويعزون إليه الهدوء النسبي الذي يسود الجبهة اللبنانية– “الإسرائيلية”، وترميم الردع “الإسرائيلي” الذي تحقق، بين عوامل أخرى، بفضل الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية العسكرية والسياسية لـ”حزب الله” والاقتصاد في لبنان. ومن المنظور الطويل لاستمرار التهدئة، يمكن اعتبار العملية العسكرية ناجحة. لكن من جهة أخرى، يجب ألا ننسى أن “حزب الله” استغل ذلك كي يتسلح ويتحصن واستطاع تحسين وضعه. ويتعارض هذا كله مع ما جاء في القرار 1701 الذي يتحدث عن الحاجة إلى نزع سلاح التنظيمات غير التابعة للدولة، ومنع دخول السلاح والذخيرة من دون موافقة حكومة لبنان.
وثمة شيء مشابه جزئياً حدث في غزة، فقد انتهت عملية “الرصاص المصبوب” التي شملت دخولاً برياً إلى القطاع بقرار صادر عن مجلس الأمن في 8 حزيران/يونيو 2009 حمل الرقم 1860. وأمنت العملية والقرار ما لا يقل عن أربعة أعوام من التهدئة النسبية التي ما لبثت أن أدت إلى عملية عسكرية جديدة “عامود سحاب” في نهاية 2012 أسفرت عن فترة هدوء قصيرة انتهت في تموز/يوليو 2014 . واستغلت حماس فترتي التهدئة من أجل إعادة تسلحها وتحصنها، مما يتعارض مع القرار 1860 والتفاهمات التي جرى التوصل إليها بوساطة مصريّة قبيل نهاية عملية “عامود السحاب”.
إن انتهاء الجولة الحالية بقرار وتفاهمات مشابهة صادرة عن مجلس الأمن مثل تلك المذكورة سابقاً سيشكل إخفاقاً سياسيّاً وأمنيّاً لـ”إسرائيل”. فمثل هذه القرارات لن تضعف حماس التي ستحاول تقديم صورة عن انتهاء القتال بأنه انتصار لها. كما أن هذه القرارات لن تمنع إعادة تسلح حماس ولاسيما أن جزءاً كبيراً من الصواريخ التي أطلقت على “إسرائيل” من إنتاج محلي. وحده تغير راديكالي في سلوك مختلف اللاعبين في الساحة الغزاوية يمكن أن يؤدي إلى تغيير الوضع، لكن إمكان حدوث ذلك ليس كبيراً. إن جزءاً من المشكلات “الإسرائيلية” معروف منذ وقت، وبعضها يعود إلى الاضطرابات الإقليمية والتحولات التي شهدها الحكم المصري الذي يعتبر عنصراً أساسياً في مسعى التوصل إلى نهاية سياسية للوضع الحالي.
إن المشكلة “الإسرائيليّة” الأولى هي المتعلقة باستراتيجية “إسرائيل” وسبل تحقيقها. فإذا كان الهدف الاستراتيجي هو الإبقاء على الفصل بين غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فإن مصلحة “إسرائيل” لا تقتضي تعزيز مكانة السلطة في غزة على حساب حماس. وإذا كان الهدف تعزيز مكانة السلطة في غزة، فإن ذلك يتطلب خطة بعيدة المدى أساسها ترميم اقتصادي مكثف لغزة. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بتعاون “إسرائيلي” – فلسطيني- مصري- عربي (خليجي)- دولي. وعلى ما يبدو، فإن جميع هذه الأطراف لها مصلحة في تحقيق خطة العمل هذه.
فـ”إسرائيل” تستطيع بواسطتها أن تجد بديلاً من استخدام القوة العسكرية وتستطيع التحقق من مدى صحة الفرضية القائلة بأن النمو الاقتصادي يوفر لدى الطرف الآخر مصلحة في التعايش المشترك. أما بالنسبة لمصر، فمن مصلحتها ترميم مكانتها السياسية في مختلف الساحات- الساحة الداخلية المصرية، والعربية والدولية. ومن المحتمل أن تستفيد هي أيضاً من جزء من الموارد المالية التي ستوجّه لتطوير البنى التحتية من أجل غزة في الأراضي المصرية – مرفأ، مطار، محطة للطاقة، منشآت تحلية مياه البحر وغيرها. أما حماس فستضطر إلى الاختيار بين رفض استراتيجية التنمية ومعنى ذلك الاحتفاظ بموقعها بالقوة والإكراه، أو إدراك أن عليها السماح بقيام حكم في غزة مقبول من جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين، ومعنى ذلك بالنسبة إليها القبول بالمشاركة في السلطة.
ثمة مشكلة أخرى تواجهها حكومة “إسرائيل” لدى البحث في الخيارات السياسية، هي الدور المطلوب أن تلعبه مصر. فوساطة مصريّة أفضل من وساطة تركيّة أوقطرية وحتى من وساطة أمريكيّة غير مباشرة. لكن الوساطة المصرية تتطلب أن يخفف النظام المصري من الخط المتشدد الذي ينتهجه منذ طرد “الإخوان المسلمين” من الحكم. وأي اتفاق لوقف النار له حظوظ بالنجاح، يتطلب إغلاقاً محكماً لإمكانات تهريب السلاح إلى القطاع. ومن المحتمل أن ترى مصر التي تلعب دور الوسيط الأمور بصورة مختلفة من مصر التي هي طرف في نزاع عنيف يمس مواطنيها وجنودها. فمصر التي تلعب دور الوسيط قد تبدي “مرونة” وتتجاهل الخروق بالمقارنة مع مصر الدولة التي لها مصلحة واضحة ومصرة على تقليص حرية عمل العناصر المتماهية مع الحركات ذات الطابع الديني– السياسي. وهذه الثغرة بين مصلحتي “إسرائيل” حيال مصر يجب ردمها من خلال قنوات التفاهم القائم بين الدولتين، من أجل منع حصول احتكاكات في المستقبل.
معهد دراسات الأمن القومي الصهيوني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

45 شهيدًا بمجازر إسرائيلية دامية في مخيم جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد 45 مواطنًا على الأقل وأصيب وفقد العشرات - فجر اليوم- في مجازر دامية ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدما...

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...