الأربعاء 14/مايو/2025

التخلي الشامل

د. يوسف رزقة
أزمة المفاوضات الأخيرة وتداعياتها لا حلّ لها عند عشاق المفاوضات إلا بالمفاوضات، ومن ثمة فإنك تسمع بين الفينة والأخرى تصريحات من هنا وهناك تتحدث عن جاهزية السلطة لتمديد المفاوضات. ولست أدري متى يلتقي رجال السلطة المحيطين برئيسها على موقف واحد، أو قول واحد. إن وحدة الموقف في هذه المسألة ، ووحدة القول فيها، يريحان الأعصاب، ويمنحان العقل فرصة للتفكير في البدائل بلا تردد. من المسئول عن التعدد والتردد المضلل والمرهق؟ ولماذا لا يعالجون هذا المرض؟

في ثنايا أزمة المفاوضات تحدثت أوساط من فتح عن رغبة عباس في التخلي الشامل. (التخلي الشامل) مصطلح جديد في السياسة الفتحاوية. إنه يعني بحسب متابعتي أن عباس سيتخلى قريبا عن مناصبه المتعددة ، وهي: ( رئيس السلطة، ورئيس المنظمة، ورئيس حركة فتح ). ويفتح هذا التخلي الباب أمام المتنافسين في فتح لإشغال هذه المناصب. ويقال إن عباس لا يريد أن يجمع هذه المناصب في يد شخصية واحدة من بعده، لذا قرر أن يوزعها على ثلاث شخصيات مقربة منه، وتحظى بدعمه. الأسماء المرشحة عديدة، والتخمينات متنوعة، ومفتاح الصندوق بيد عباس وحده، وعباس لا يتكلم. إنه يراقب ، ويزن، ويناور، قبل أن يقرر.

التخلي الشامل قرار لعباس وحده، فإذا تحقق فإنه سيفتح بابا للمشاركة الأكثر شبابية، إذا ما صدقت المعلومات التي تتحدث عن استبعاد عباس للحرس القديم من ترشيحاته ومن دعمه. في أوساط فتح وغيرها أصوات ترحب بالتخلي الشامل، وترحب أيضا بتوزيع المسئوليات على قيادات متعددة ، لأن في التوزيع قمعاً للديكتاتورية، ولسلطة الرجل الواحد. وهذا جيد.

عباس في الثمانين من العمر الآن، وقديما قال الشاعر : إن الثمانين وقد بلغتها أحوجت سمعي إلى ترجمان، هذا إن كان الحال مريحا، فكيف بالثمانين والحال ما نراه، من فشل لمشروع المفاوضات، وما يلحق به من إحباط عربي ودولي ينخر في عظام الرجل والسلطة، وبات عطاء العرب للسلطة كلاماً، ووعوداً، وبات عطاء المانحين مشروطاً بالتنازلات التي لا يقدر عليها إلا العميل الخائن؟

في أجواء مثل هذه سبقت لجأ الرئيس أبو عمار إلى الانتفاضة، ولكنه دفع حياته ثمنا لها، وإن تمكن من وضع شعبه على الطريق الصحيح، وخلاصته لا مفاوضات بدون أوراق قوة. نعلم أن عباس انتقد خيارات عرفات وحمله مسئولية تداعيات الانتفاضة، لذا فهو لن يلجأ الى الخيار نفسه، حيث سيمنع تفجر انتفاضة ثالثة رغم الصلف الإسرائيلي ، لذا تجده يبحث عن التوقيت المناسب ، والحدث المناسب، للتخلي الشامل، لأنه وإن كان يائساً من المفاوضات، فإنه معادٍ شرس لانتفاضة ثالثة، وأكثر عداوة للمقاومة المسلحة.

إن حالة الأزمة التي تعيشها السلطة خاصة، وفلسطين عامة، بما فيها غزة، هي جزء من حالة الأزمة التي تعيشها البلاد العربية من المحيط إلى الخليج. وهي حالة رديئة غير مسبوقة في التاريخ الحديث.

ففي كل عاصمة مشكلة أو أكثر، وفي كل بلد فتنة أو أكثر، وقد ظهر الفساد في البر والبحر، وحكم في أمر العباد والبلاد من ليس أهلا للحكم. في مثل هذه الأحوال يكون التخلي الشامل حلاً مريحاً في الثمانين من العمر. والأحسن منه هو الوحدة الوطنية الحقيقية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...