الخميس 25/أبريل/2024

اليهود العرب واللاجئون الفلسطينيون!

اليهود العرب واللاجئون الفلسطينيون!

تظهر يوماً بعد يوم شواهد تفيد أن قضية فلسطين ربما تكون إحدى ضحايا التحولات المترتبة على ما أُطلق عليه “الربيع العربي”، والاضطرابات التي اقترنت به ولا تزال في دول عدة بينها دولتان أساسيتان بالنسبة إلى هذه القضية هما مصر وسوريا. فقد تراجع مستوى الاهتمام العربي العام بقضية فلسطين التي دخلت في حال جمود سياسي في ظل انصراف شعبي لا سابق له عنها.
وتسعى “إسرائيل” إلى استغلال هذا الوضع الذي حررها من الضغوط التي كانت تتعرض لها من أجل التوصل إلى حل سلمي. فقد تحررت من الموقف الدفاعي الذي التزمته لسنوات طويلة سعياً للإفلات من الالتزامات المستحقة عليها لتحريك العملية السلمية. ولذلك صارت في وضع يتيح لها التحرك لتحقيق مكاسب جديدة تدعم موقفها على الصعيد الدولي.
ومن أبرز معالم هذا التحرك الآن العمل الذي تقوم به الدبلوماسية الإسرائيلية في غير قليل من عواصم العالم لدعم مشروعها الذي طرحته في الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي بشأن ما تعتبره حقوقاً لليهود الذين هاجروا من البلاد العربية في أربعينيات وخمسينات القرن الماضي. فلم يتوقف التحرك الإسرائيلي لدعم هذا المشروع الذي ينص على اعتبار هجرة يهود البلاد العربية منذ 1948 إلى إسرائيل لجوءاً يستحقون عنه التعويض مثلهم في ذلك مثل الفلسطينيين الذين نص قرار الجمعية العامة رقم 194 لسنة 1947 على تعويضهم عن إخراجهم من أرضهم. ويشمل هذا التحرك جمع أوراق يمكن تأويلها للزعم بأن ليهود عرب حقوقاً في التعويض، واللجوء حتى إلى السرقة والتهريب كما حدث في مصر في سبتمبر الماضي. فقد تم ضبط محاولة لتهريب دفاتر رسمية بشأن أملاك بعض اليهود المصريين عبر مطار القاهرة الدولي بعد سرقتها من جهاز تصفية الحراسات التابع لوزارة المالية.
ولكن المشروع الإسرائيلي تجنب أهم ما تضمنه القرار 194، وهو تمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم وأملاكهم الأصلية في المقام الأول، حيث جعل التعويض خياراً ثانياً وليس أولًا. فليس في إمكان “إسرائيل” أن تطالب بتمكين اليهود العرب من العودة إلى بلادهم الأصلية، لأن مثل هذا الطلب يناقض جوهر الأيديولوجية الصهيونية، وهو أن “إسرائيل” تمثل أرض الميعاد بالنسبة إلى يهود العالم جميعهم.
وهذه هي نقطة الضعف الرئيسية في المشروع الإسرائيلي الجاري تسويقه في المجتمع الدولي الآن بهمة شديدة في غياب أي عمل عربي في مواجهته. فإذا كانت “إسرائيل” هي أرض الميعاد على هذا النحو، أي “الوطن النهائي” لليهود كلهم، فكيف يمكن اعتبار بعضهم لاجئين فيها؟ السؤال منطقي جداً. ولكن كم في السياسة الدولية من إجابات لا علاقة لها بالمنطق على أسئلة تتطلب إجابات منطقية.
ولذلك لا يصح أن نقف مكتوفي الأيدي، وننتظر أن يكتشف المجتمع الدولي الحق الذي لا يظهر بدون عمل للذود عنه وتأكيده. وفي إمكان بلادنا العربية الأكثر استقراراً أن تتحرك دبلوماسياً لتوضيح ذلك، وأن تقود مبادرة لتجديد الدعوة التي سبق أن وجهتها الجامعة العربية عام 1975 بشأن عودة اليهود الذين هاجروا من بعض بلادها للعودة إليها، وتحدي “إسرائيل” أن توجه دعوة مماثلة للاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا من أرضهم.
فلا يجوز أن نستهين بالخطر الكامن في محاولة إيجاد مساواة زائفة بين اليهود العرب والفلسطينيين إذا اقتنع المجتمع الدولي بالمشروع الذي تسعى “إسرائيل” إلى تسويقه الآن من خلال عمل منهجي منظّم ودؤوب يقوده نائب وزير خارجيتها داني ايالون. وفي إمكاننا أن نحبط هذا المشروع ونكشف زيف المساواة التي يُراد صنعها بين اللاجئين الفلسطينيين واليهود العرب، ونوضح أن تحقيق مساواة عادلة يقتضي فتح الباب أمامهم على الجانبين للعودة إلى الأماكن التي هاجروا أو هُجروا منها.
ويمكن لمثل هذه المبادرة أن تحقق نجاحاً قد يساهم في تحريك المياه الراكدة على صعيد حل قضية فلسطين وليس فقط إحباط المشروع الإسرائيلي الذي يستهدف تدمير أساس هذه القضية وإعادة تقديم الصراع العربي – الإسرائيلي إلى المجتمع الدولي كما لو أنه لم ينتج إلا تبادلًا سكانياً، ولم يبق فيه إلا تعويض الذين غيروا مواقع إقامتهم سواء كانوا يهوداً عرباً أو فلسطينيين. ولكن نجاح مبادرة كهذه يتطلب تحركاً سريعاً ومنظّماً ولا يقل الأداء فيه عن المستوى الذي تعمل به “إسرائيل”. كما أنه يقتضي أمانة واستقامة تفرضان عدم إنكار الظلم الذي تعرض له بعض اليهود الذين هاجروا من بلاد عربية وخصوصاً مصر والعراق.
فلم تكن عمليات التفجير التي نُفذت ضد مصالح يهودية في بعض البلاد العربية من تدبير عملاء الحركة الصهيونية وحدهم. كان بعضها فعلاً نتيجة عمل تآمري قامت به خلايا تابعة لتلك الحركة، ولكن بعضها الآخر حدث بسبب الحماس الوطني إبان اغتصاب فلسطين أو التطرف الديني الذي خلط بين اليهود والصهاينة.
فلا يعيبنا الاعتراف بأخطاء حدثت في لحظات استثنائية من تاريخنا العربي الإسلامي الذي كان اليهود جزءاً من نسيجه، خصوصاً وأن بعضها مسجل في دراسات أكاديمية وأعمال فنية آخرها الفيلم التسجيلي المعنون “اليهود في مصر” الذي عُرض قبل أسابيع قليلة. فقد تضمن هذا الفيلم شهادات حية لعدد من اليهود الذين هاجروا من مصر إلى فرنسا مضطرين نتيجة ازدياد الخلط بين اليهودية والصهيونية وخصوصاً عقب العدوان الثلاثي عام 1956.
فقد تحدثوا بما يفيد أن تهجير يهود من بعض البلاد العربية كان نتيجة أخطاء سياسية وليس بسبب بنية ثقافية أو دينية. ولا يعيبنا الاعتراف بهذه الأخطاء التي لم يحدث مثلها إلا نادراً.
فلم يكن التمييز ضد اليهود إلا استثناء نادراً من القاعدة العامة في التاريخ العربي- الإسلامي. ولذلك فعندما أراد الفيلسوف والكاتب المسرحي الألماني الكبير “ليسنج” أن يقدم نماذج للتسامح الديني في التاريخ، حين خاض معركته من أجل هذا التسامح في أوروبا في نهاية القرن الثامن عشر، اختار القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي وسلوكه المتسامح في قلب حرب دينية على المسلمين وخلال آخر معارك الحملة الصليبية الثالثة. ففي مسرحيته المعروفة “ناثان الحكيم” الصادرة عام 1779 مشهد بالغ الدلالة يستدعي فيه القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي الشيخ اليهودي “ناثان”، الذي كان معروفاً بتسامحه وصلاحه له ويدير معه حواراً رائعاً حول الأديان السماوية الثلاثة. وكان محور ذلك الحوار هو التسامح والمحبة بين البشر والأخلاق الكريمة.
وليست تلك المسرحية إلا مثالًا واحداً على أننا لا نحتاج إلى جهد كبير لإزالة الغبار الذي يحجب صورة إيجابية لتاريخ اليهود في بلادنا، في مقابل صورة سوداء لهذا التاريخ في أوروبا، وكشف زيف المشروع الإسرائيلي الجديد لخلط الأوراق وتزييف الحقائق واختلاق مساواة لا أساس لها بين أوضاع اليهود العرب واللاجئين الفلسطينيين.
صحيفة الاتحاد الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات