الأربعاء 14/مايو/2025

تراث الأسماء في ساحة تعج بالعجائب

تراث الأسماء في ساحة تعج بالعجائب

الساحة السياسية الفلسطينية “تعج بالعجائب”، فهي ساحة مكتظة بكل ألوان المشارب الفكرية والسياسية، وبكل الخيارات، التي غمرها شغف الذهاب في النحت الفكري والبوح بمخزونها من الأحلام والأهداف العادلة، لم تكن لتشبهها في تضاريسها السياسية والفكرية ساحة من ساحات حركات التحرر في العالم، فهي موزاييك لكل ما أبدعه العقل الإنساني من أفكار وأيديولوجيات فكرية سياسية. ففيها الإسلاميون بكل تصنيفاتهم، والعلمانيون الماركسيون، والقوميون من كل أحزابهم، وفيها الذين يريدون تحرير فلسطين من النهر إلى البحر بضربة واحدة، وفيها الذين يريدون إشعال الثورة في العالم العربي ودول الطوق طريقاً إلى تحرير كل فلسطين، وفيها الذين يريدون دفن المشروع الصهيوني وهزيمة الامبريالية بضربة قاضية، وفيها الذين يريدون دولة مستقلة عند حدود أراضي 1967، وفيها الذين يقاتلون، وفيها الذين يفاوضون، وفيها من يرى قضية اللاجئين أولوية أولى، وفيها رافعو شعار “كل شيء أو لا شيء”، وفيها الذين يتبنون استراتيجية المراحل في العملية الوطنية…
وانطلاقاً من زخارف الأرضية الفلسطينية والعربية وحتى الإقليمية الدولية، حاول الفلسطينيون بأحزابهم وقواهم السياسية وعموم فصائلهم اللقاء مع الجميع في دنيا العرب، وتجنب قطع شعرة وصلتهم بأي إنسان حر يساند ويدعم قضيتهم العادلة، وكذا في الصف العربي الرسمي وغير الرسمي، وأحزاب الصف العربي. فكانوا يحنون دائماً لإصلاح علاقات سبق وأن تدهورت لفترة في زمن رديء.
الفلسطينيون، أرادوا ومازالوا عند الإرادة ذاتها، في أن يصنعوا الانتصار من رحم منطقة مهزومة، وقيادات مأزومة، وشعوب منهكة، وحكام قلبوا محاور الزمن في أوطان فيها المواطن يمشي على رأسه دون أن يشعر بالدوار، فكانت مخاضات الانجاز الفلسطيني على الدوام مخاضات أليمة، لكنها ليست عقيمة، حيث توالدت من داخل الرحم الفلسطيني المعطاء، وبالتمام والكمال، الانتفاضتان الأولى والثانية بعد الخروج الفلسطيني المسلح من بيروت نهاية صيف العام 1982 بعد صمود فاق التصور والخيال.
إنها بالفعل ساحة تعج بالعجائب، لشعب ينبض بالحياة، وقلبه يدق كل لحظة وفي جسد كل طفل ورضيع من أبنائه بأن فجر فلسطين سيبزغ، وشمس فلسطين ستسطع. في ساحة تتناغم الأمور بين بعضها البعض، ويوصلها قاسم أكبر من تقاطع بين موزاييك الحياة السياسية والفكرية الأيديولوجية فيها، إنه قاسم يقترب من التطابق، ومع هذا فهي ساحة لم تخل يوماً من الاحتراب ولغة القطيعة، ولكن المواجهة مع العدو “الإسرائيلي” كانت دوماً توحدها وتدفع بجهود مناضليهم إلى الأمام دون حسابات خاصة، وبتضحيات عالية.
لقد صنعت تلك الساحة التي تعج بالعجائب، تراثا فلسطينياً خالصاً، في كل شيء، من الكوفية وطريقة وضعها على الرأس إلى فن الملصق والبوستر، إلى فنون صياغة البيان والبلاغ والخطابة والتنظير، إلى موزاييك الأسماء، التي تحوّرت وتبدلت مع مرور الأيام، ومع ثقل السنوات الطويلة من عمر الكفاح الوطني الفلسطيني.
ففي تلك الساحة كان هناك الختيار أبو عمار ياسر عرفات، اللقب الأكثر شيوعياً وتحبباً لدى عموم الناس ولدى أبو عمار ذاته، أو الحاج محمد كما كان يقال له بالكود السري والبرقيات. وهناك حكيم الثورة الدكتور جورج حبش، كما ضمير الثورة أحمد اليماني، و (TNT) الثورة والمقاومة أحمد جبريل، ولا ننسى في هذا المقام الدكتور وديع حداد صاحب الرمز الكودي (العنف الثوري).
موزاييك الأسماء تنوع بدءاً عند جميع القوى والفصائل الفلسطينية، من أسماء ثورجية مستعارة من قاموس الكفاح العربي والعالمي، فكان هناك أبو العباس، أبو العمرين، أبو الموت، أبو النار، أبو الدباح، أبو الجماجم، أبو الفدا، أبو طعان، أبو عرب، أبو تحرير، أبو عذاب، أبو هاجم، أبو الجاسر، أبو الزعيم، أبو العواصف، جيفارا، جيفارا غزة، الفوسفوري، كاسترو، أبو غاندي، لينو، أبو اليسار، أبو الأمم ، أبو تأميم، كارلوس .. لتزيد على تلك الأسماء ألواناً إضافية مع انطلاقة حركتي حماس والجهاد الإسلامي ليصبح معها أبو البراء، أبو مجاهد، أبو عمر، أبو الهادي، أبو بكر، أبو بلال، أبو صهيب، أبو معاذ …
وعبر تلك الرحلة، نجد أن بعض القادة من الكوادر في عموم الفصائل الفلسطينية حملوا ألقاباً لها علاقة بموقع التمركز والعمل، فهناك أبو جعفر سياسية (عبد اللطيف أبو حجلة مدير الإدارة السياسية في منظمة التحرير)، وهناك أبو جهاد الغربي، أحمد الغربي (العاملين في القطاع الغربي وهو قطاع الأرض المحتلة قبل دخول السلطة الفلسطينية)، أبو احمد الهدف، أبو الطيب 17 (اللواء محمود الناطور القائد الأسبق للقوة 17 والتي هي أمن الرئاسة)، أبو عبدو قوات، أبو محمد البعثي، أبو حسن الصاعقة، العقيد أسد بغداد، أبو أحمد حلب (عمر شبلي الأمين العام السابق لجبهة التحرير الفلسطينية)، أبو أحمد حلب (عضو المجلس الوطني نظيم فاعور)، أبو خالد الشمال (مسؤول شمال لبنان سابقاً في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني صبحي جابر)، بلال الأوسط (محمد بلال الشريف قائد القطاع الأوسط من جبهة جنوب لبنان عام 1982)، الشهيد أبو الطيب الشرقي (قائد القطاع الشرقي من جنوب لبنان في الجبهة الشعبية)، أبو خالد العرقوب (قائد قطاع العرقوب من جبهة جنوب لبنان في جبهة التحرير العربية)، أبو خالد الصين (حسني يونس سفير المنظمة في بكين لفترات طويلة)، أبو نضال بانكوك (قائد عملية السفارة الإسرائيلية في تايلاند)، أبو حميد الكفاح المسلح (اللواء الشهيد أحمد مفرج)، أبو محمد باكستان، العقيد أبو محمود الفوركي (من بيت فوريك قضاء نابلس)، العقيد أبو عماد الفوريكي، أبو سعيد الخليلي، أبو خولة العراقي، العقيد أبو عيسى المدفعية، أبو داوود المدفعية، أبو جمال عسكر (اللواء سالم خليل)، جمعة الناجي (شؤون الأردن)، أبو أحمد الزعتر (عدنان عقله لوجوده وانغراسه الدائم في مخيم تل الزعتر حتى سقوطه بيد قوى اليمين اللبناني في شهر أغسطس عام 1976)، العقيد سلمان جينشر (لمشاركته في أكثر من عملية إغارة على مستعمرة جينشر في غور الأردن الشمالي).
وفي الموزاييك إياه، لم تخل بعض الأسماء الحركية من صفات شخصية أو حتى جسدية، تميز كل كادر أو قائد عن الآخر. فهناك أبو علي بطة (نظمي الجعبة لجسمه المربوع)، أبو سعيد الطيب اللمس، أبو عدنان أنسى، أبو الجاسم نيع (لإصابته في فكه أو نيعه أثناء حرب 1970 في الأردن)، أبو عصام أقنعني، أبو محمود المتر، أبو حديد (مصطفى سفاريني سفير فلسطين في بكين)، الشهيد أبو حميد الضرير (حمد محمد أحمد حامد، القائد المعروف الذي لم يمنعه فقدان بصره في انفجار لغم جنوب لبنان عام 1972 من مواصلة عمله حتى العسكري بما في ذلك إتقانه تسديد النيران عبر استخدامه إحساس منعكس الصوت أو الصدى لتسديد رماياته، وكان مخيفاً لأعدائه وحتى لمنافسيه وهو ضرير ومقعد)، أبو نضال الأشقر (أمين سر جبهة التحرير الفلسطينية يوسف المقدح للونه الأشقر)، أبو العبد الدتش (المربوع)، أبو علي شخصيات، الأخضر العربي (أمين سعد نظراً لإعجابه بثورة الجزائر)، أبو الوليد الرفض (محمد العزة نظراً لمنطقه الرفضاوي الحاد من الناحية السياسية) وهكذا …
إنها ساحة تفصح عن موزاييكها بشكل ناصع ومرصع من الألوان السياسية والأيديولوجية، إلى المصطلحات إلى التعابير إلى اللفتات، إلى الحركات، إلى التعابير إلى التنظيرات إلى الأسماء… الخ، التي يعتقد الكثيرون بأنهم يُدركونها، لكنها في حقيقة أمرها، فان الساحة الفلسطينية ساحة كتومة لا تبوح بأسرارها لكل من هب دب، بل يُدركها عتاعيتها من عتاولة “طيبين ونقائضهم” الذين يتفاوتون وعياً واستيعاباً.
* كاتب فلسطيني/دمشق
صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...