الأربعاء 14/مايو/2025

زيارة المفتي المشؤومة للقدس

زيارة المفتي المشؤومة للقدس

زيارة مفتي مصر علي جمعة إلى القدس خطأ سياسي بامتياز، فهي تفتح أبواب “الجحيم السياسي”، بغطاء ديني لوضع معقد ومتشابك، وعلى ما يبدو فإن المفتي الصوفي ذهب إلى القدس “نكاية” بالشيخ يوسف القرضاوي والإخوان المسلمين والسلفيين وكل الداعين لتحرير القدس والمسجد الأقصى وهذا ما يندرج تحت عنوان “النكايات” التي تترجم إلى أفعال.
وحتى إذا ما استثنيا هذا التحليل، فهناك أسئلة تفرض نفسها وهي: ما هي دوافع هذه الزيارة؟ وما هي الأهداف المتوخاة من الذهاب إلى القدس والمسجد الأقصى تحت حراب الاحتلال الإسرائيلي؟ وهل حققت هذه الزيارة أهدافها المرجوة؟
يمكن القول إن هذه الزيارة تندرج تحت مسمى “العبث السياسي والديني”، لأنها تمثل حالة من الغرق في لعبة كبيرة سمح المفتي لنفسه أن يكون أداة فيها، وهنا أنا لا أناقش من ناحية دينية بل من ناحية سياسية، فالمفتي يقول إن: “زيارته للمسجد الأقصى كانت بصفة شخصية وليست رسمية، وإنه لم يحصل على تأشيرة إسرائيلية لزيارة المسجد الأقصى حيث إنها تمت بالتنسيق الكامل مع السلطات الأردنية التي اختارت لي الزيارة.. وإنها كانت مفاجأة بالنسبة لي وفرصة شخصية للصلاة بالمسجد الأقصى لعظيم ثواب تلك الزيارة”.
إذن حسب المفتي فالزيارة مفاجأة وبدون موافقة إسرائيلية وشخصية، وهي ادعاءات ينفيها الواقع، فلا يمكن لـ”مفتي مصر” أن يسافر من الأردن إلى القدس، هكذا فجأة وبدون تنسيق مسبق وترتيبات تحتاج إلى وقت طويل، وهي تحتاج إلى موافقة إسرائيلية بالتأكيد، وكما نشرت جريدة هآرتس فإن الزيارة تمت بترتيب إسرائيلي رغم الغطاء الأردني وهذا من البديهيات، ف”إسرائيل” المحتلة هي المسيطرة على الأرض وبالمناسبة فإن ختم الدخول الإسرائيلي يكون على ورقة منفصلة أو على جواز سفر مؤقت غير جواز السفر الدائم، وهذا يبطل ما قاله المفتي من أساسه.
أما قوله إن الزيارة كانت شخصية، فهذا الأمر مردود عليه، إذ لو لم يكن مفتياً لمصر لما اكترث أحد بالزيارة، ولمرت مرور الكرام، فهو يمثل مصر الدينية رسمياً، ولنا أن نسأل المفتي ومضيفيه الأردنيين ما داموا قادرين على فتح أبواب القدس، فهل يستطيع مفتي مصر والحكومة الأردنية منع “إسرائيل” من اقتلاع المقدسيين من بيوتهم وأراضيهم، ومنع طرد المقدسيين خارج القدس ومصادرة هوياتهم، وهل يستطيعون إعادة المقدسيين إلى القدس، وهل يمكن لمفتي مصر علي جمعة والحكومة الأردنية التي ترفض التوطين وأن تفتح أبواب القدس للفلسطينيين؟ وهل يمكنهم وقف تهويد القدس وإغراقها بالمستوطنات والمستوطنين؟
نعلم تمام العلم أن القدس المحتلة، شرقيها وغربيها، تسيطر عليها الحراب اليهودية الصهيونية الإسرائيلية، وأن الأردن ومفتي مصر لا يستطيعان إدخال “نملة” من دون إذن إسرائيلي، أفلا يعني ذلك موافقة على الاحتلال الإسرائيلي للقدس والمسجد الأقصى وتطبيعاً مع الاحتلال، وتقديم خدمة مجانية للآلة الدعائية الصهيونية في العالم لتحسين صورة “إسرائيل” الإرهابية.
مشيخة الأزهر ومشايخ الأمة وعلى رأسهم بالطبع الشيخ يوسف القرضاوي رفضوا هذه الزيارة المشؤومة، فهل كلهم على “ضلال” والمفتي علي جمعة على “صواب واستقامة”؟ وإذا ما تجاوزنا هذا التفاصيل، فما رأي المفتي علي جمعة باحتلال القدس؟ وهل يجب الجهاد لتحريرها من الاحتلال أم لا؟ ومن أولى زيارة القدس والمسجد الأقصى أم تحريرهما من الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني اليهودي؟
لا يمكن اعتبار زيارة مفتي مصر إلى القدس المحتلة حدثاً عادياً، فهو يمثل جهازاً رسمياً وسلطة حاكمة، أي أنه يمثل المجلس العسكري الحاكم في مصر، وبدون موافقة جنرالات المجلس ما كان ليقوم بهذه الزيارة، فهو في النهاية “موظف” حتى ولو حمل لقب “مفتي”.
هذا يدفعنا أيضاً للسؤال عن حقيقة الدور الذي تلعبه الحكومة الأردنية التي أعلنت وزارة أوقافها أن الزيارة تأتي تلبية لنداء رئيس السلطة محمود عباس، والسؤال هو: لماذا لم تلب الحكومة الأردنية نداءات الفلسطينيين من أجل تحرير فلسطين أو وقف الاستيطان والاعتقال والتعذيب والتهجير؟
أما “مولانا” علي جمعة الذي يصفه موقعه الرسمي بأنه “الإمام العلامة الحجة الفقيه الأصولي المفسر، غُرَّة الزمان، مجدد العصر، مفتي الديار المصرية، من أحيا السلف الصالح، ومآثرهم، وأتحف المتقين بإحياء علوم الدين، وأقام الحجة للمؤمنين في مواجهة الملحدين، سيدي ومولاي تاج الرؤوس، وجوهر النفوس أبو عبادة نور الدين علي بن جمعة رضي الله عنه”.. فهل من مقتضيات غرة الزمان والتجديد وإقامة الحجة منح اليهود صكاً يعترف باغتصاب القدس والمسجد الأقصى وفلسطين؟
زيارة مفتي مصر إلى القدس زلزال ديني وسياسي ستكون له هزات ارتدادية كبيرة، خاصة وأنه يقترن “بموجة من الأشواق الصوفية” تجاه “إسرائيل” وهي موجة خطيرة بكل ما في الكلمة من معنى، وعلى الأمة أن تتداعى لوقفها ومنع “المد السياسي الصوفي” باتجاه الاعتراف بالاغتصاب الإسرائيلي لفلسطين والقدس والمقدسات الإسلامية.
[email protected]
صحيفة الشرق القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...