السيارات المسروقة..جرس إنذار

استند المتحدثون في حديثهم إلى حقائق دامغة وإثباتات وأسماء وأرقام لم أستطع معها أن أبرر أو أدافع، و ليس من شأني أن أبرر أصلاً..
قالوا إن هناك قصصا رشى وفسادا ماليا، وهناك من يستغل وظيفته الحكومية لعقد صفقات شخصية، وهناك من يتعاقد مع ملاك الأنفاق ليدخلوا له سيارات من وراء ظهر لجنة مراقبة الحدود..

قالوا أيضاً إن الحكومة بصفتها الرسمية تساهم سواءً علمت أو لم تعلم في انتشار هذه الظاهرة السيئة، وذلك من خلال ترخيصها للسيارات المدخلة عبر الأنفاق، دون أن تتثبت بشكل كاف إن كانت هذه السيارات قد تم شراؤها بطريقة شرعية، أو أنها سرقت من أصحابها، والترخيص ليس حلاً للمشكلات لأن دفع مبلغ من المال إلى الحكومة لا يحول المسروق إلى شرعي، كما أن دفع مبلغ إلى المال لترخيص الدراجات النارية لا يحول صاحبها إلى سائق ماهر بالضرورة..

وحين يعلم لصوص السيارات أن هناك سوقاً لبضاعتهم بعيداً عن أعين أصحابها فإن ذلك سيشجعهم على التمادي في عمليات السطو، وهو ما يحدث فعلاً في سيناء حيث لم يعد الناس يأمنون على سياراتهم من الخطف، وكثرت حوادث سرقة السيارات..

لم أكن لأكتفي بهذا الحديث دليلاً لتصديق ما يشاع حتى وإن كنت أثق بالمتحدثين الذين كانوا يروون من خلال معايشتهم الشخصية، لكن هذه الأحاديث من الكثرة بحيث أصبحت متواترةً يتناقلها الناس في مجالسهم مما يعزز من احتمال صدقها.

من باب التوازن فإن هذه التجاوزات لا تزال بفضل الله في نطاق فردي، فالحديث لا يدور عن فساد ممنهج ، والحكومة قامت بمحاسبة عدد من الأفراد الذين ثبت تورطهم في قضايا كهذه، وأنزلت بهم العقوبات، لكن رغم ذلك فإن المنهج السليم هو أن نشدد على أنفسنا وألا نستهتر بالأخطاء مهما كانت صغيرةً، لأن المنهج التبريري يفاقم الأخطاء ولا يساهم في حلها، ودورنا في القاعدة الشعبية هو أن نعلي أصواتنا تجاه هذه التجاوزات حتى وإن كانت محدودةً وأن نرفع من مستوى حساسيتنا تجاهها حتى نجهضها في مهدها، وكوننا في احتلال وحصار لا يعفينا من مسئولية مراجعة أنفسنا ومواجهة أخطائنا بشجاعة، بل إن هذا الاحتلال والحصار هو عامل إضافي لتشديد رقابتنا على أنفسنا وعدم التساهل مع أخطائنا، لأن كل خطأ سيكون بثمن مضاعف..

أحب دائماً أن أتجاوز التفاصيل، وأن أتناول المسائل من حيث المبدأ، وحتى لو افترضنا أن الحديث عن قضية السيارات المسروقة وأخطاء الحكومة فيها لا أساس له من الصحة وهو محض إشاعة وافتراء، فإن المبدأ الذي يظل صحيحاً هو أنه أينما انعدمت الرقابة الكافية كانت التربة مهيئةً لنمو الفساد، فالإنسان لا يراهن على طيبته وأخلاقه لأنه عرضة للانزلاق في الهوى، والقاعدة القرآنية تقول: “إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى”، فحتى لو لم تثبت هذه الحوادث بعينها فإن غياب أجهزة الرقابة والمحاسبة الدقيقة في العمل الحكومي، ومنح الوزراء والمسئولين ثقةً مطلقةً وتركهم دون مراجعة وتدقيق في سلوكهم، وغياب ثقافة الاستجواب والمساءلة يبقي الخطر قائماً، والعلة هي في غياب آليات الرقابة الجماعية قبل أن تكون في نفوس البشر المعرضة بطبعها للخطأ والزلل  

إن الأمر الأكيد هو أن هناك قصوراً في آليات الرقابة الحكومية على موظفيها، وهناك ثغرات يمكن أن يتسلل من خلالها الشيطان، لذلك فإن الحاجة ملحة لتعزيز آليات المحاسبة والمراقبة، وألا يستثنى أحد من ذلك بدءاً من الوزراء وأبنائهم وأقربائهم، وانتهاءً بأصغر موظف، وأن نعزز من سيادة القانون، فلا يشفع لأحد أنه ابن وزير أو أخو رئيس..