قراءة في فوز الإخوان المسلمين
شكل فوز حزب “الحرية والعدالة” الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في مصر حالة من الجدل لدى المفكرين والمحللين السياسيين، سواء الغربيين منهم أو المحليين؛ كون الإخوان المسلمين باتوا يتصدرون اكبر مساحة في مشهد التغير المتسارع على الساحة العربية، وفي أكثر المناطق حساسية وتأثيرا، وهي مصر.
فوز الإخوان المسلمين وجه رسائل عديدة وفي كل الاتجاهات؛ فقد شكل ضربة لقوى اليسار الفلسطيني والعربي الذين كانوا يقولون بأن الظروف غير ناضجة، والحزب الوطني سيعود بقوة بعد الانتخابات؛ كونه لا يوجد وقت كافي للإعداد لها؛ وهو ما يشير إلى أن قوى اليسار باتت تتراجع حتى في منطقها وقوة تفكيرها وحججها، وما عادت تقنع أحدا.
حصول حزب “الحرية والعدالة” على 40% من الأصوات في الجولة الأولى، تزيد أو تكثر؛ يشير إلى أن الإسلام السياسي قادم لا محالة وعبر صناديق الاقتراع، بحرية وعدالة وشفافية، بعيدا عن العنف، كما حاول دائما الغرب تشويهه وطعنه.
لم يفز الإخوان نتيجة طفرة أو لوقت آني؛ كونهم علموا وخططوا بدقة متناهية وبطول نفس طوال الفترة الماضية، وصبروا على الأذى، حتى حصدوا الفوز؛ وهو ما يقود للقول أنهم انضج تفكيرا من كثير من الإسلاميين الآخرين، وتفوقوا على الليبراليين واليساريين بنقاط كثيرة، وكانت بوصلة كل ذلك هو انجازاتهم على مستوى الشارع.
نقص خبرة الإخوان في الحكم ليست مؤشرا على عدم قدرتهم على الحكم لاحقا، فعندما تسود الحرية والعدالة تنطلق الطاقات الخلاقة، ومن ثم تبدع وتنجز. الثورات العربية انطلقت بصورة عفوية بهدف التغيير، ووضع حد للقهر؛ عبر قيام نظام قائم على الحرية والعدالة الاجتماعية وحكم القانون، وبما يلبي حاجات الإنسان الفطرية.
قلق دولة الاحتلال من وصول الإخوان للحكم في مصر في محله؛ كونه نابع من أن السارق يخشى على سرقته على الدوام، ويخشى من عودة ما سرقه إلى صاحبه وان طال الزمن، وعلى ما يبدو أن فوز الإخوان يعجل في ذلك بحسب تقديرات مفكري دولة الاحتلال ومحلليهم، حيث ما عاد الزمن يعمل لصالح الاحتلال مع التغييرات المتسارعة في المنطقة العربية.
ثبت أن تجربة حزب “العدالة والتنمية” التركي كان لها انعكاسات على فوز الإخوان؛ كونه نجح في اختبار الحكم الرشيد، وشكل أنموذجا للوسطية والاعتدال، يحتذى به، بعيدا عن التعصب والانغلاق، وخاطب الإنسان بعقلية الانجاز الواقعي الملموس.
في نطاق قراءة التاريخ والتحولات الكبرى؛ نرى أن التجديد والتغيير طال أقوى الإمبراطوريات وأقواها عبر التاريخ، ومن حاول مغالبتها خسر في النهاية. ما حصل في مصر لا يخرج عن هذا الإطار. من كان يصدق أن قرابة مليون ونصف رجل امن تابعين لمبارك ينهاروا بين عشية وضحاها، وهم من كانت ترتعد لهم فرائض الإنسان المصري العادي لمجرد ذكرهم.
تصريحات المسئولين الأمريكيين حول مصر، وتحديدا حول الإخوان المسلمين؛ تشير إلى أنهم يفهموا ما يجري بشكل دقيق في هذه المنطقة الحساسة، ولذلك سارعوا لفكرة عدم التصادم مع موجة التغيير؛ بل محاولة ركوبها إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وهذا يعتمد بالدرجة الأولى على من يقود مصر بعد الانتخابات، وهم الإخوان حسب ما هو متوقع حتى من قبل مفكري دولة الاحتلال.
لعل من أبرز ما أوصل الإسلاميين في مصر إلى الحكم؛ هو انحيازهم إلى الطبقات المسحوقة والفقيرة، والعمل على تلبية احتياجات 40 مليون مصري فقير؛ في الوقت الذي كان مبارك ونظامه منشغلين بهمومهم وأرصدتهم على حساب غالبية المصريين.
أمريكا مسئولة عن وصول الإخوان للحكم، فقد كانت تدعم الأنظمة الفاسدة ومن بينها مبارك، وكانت تشاركه في الظلم بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وهو ما شكل حالة رفض كبيرة من قبل الشعوب قادها الإخوان بنجاح، وهم في الأصل كانوا الأجدر على قيادتها؛ كونهم يملكون خطط وبرامج حقيقية وواقعية، عكس الآخرين.
طول التجربة السابقة من حكم الديكتاتوريات العسكرية، التي حولت شعوبها إلى فئران تجارب لأفكار وعقائد باطلة مخالفة للمنهجية العلمية الصحيحة ومنطق الأشياء، عجل في سقوطها بشكل مدوي، فاجئ حتى أكثر استخبارات العالم قوة.
ما يريده الشعب المصري، وبقية الشعوب العربية، بكل بساطة؛ هو العيش بكرامة، وان يكون الإنسان العربي مرفوع الرأس أينما حل وأرتحل، والخلاص من دولة الاحتلال، ووقف الهيمنة على خيرات الشعوب من قبل الفاسدين والغرب، فهل سيكون الإخوان، أو من قد يقود المرحلة القادمة قادر على ذلك؟ لننتظر ونرى.