صفقة شاليط.. إسرائيل تواجه الهزيمة

هل تلقت “إسرائيل” عبر صفقة شاليط الأخيرة، هزيمة صغيرة تجنباً لهزيمة أكبر يمكن أن تلحق بها؟
خمس سنوات مرت على اختطاف شاليط، حاول فيها وسطاء كثر، ورتبت فيها صفقات عدة، لكن جميعها باءت بالفشل، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كثيرة حول السر الكامن وراء موافقة “إسرائيل” في الأيام القليلة الفائتة، على تبادل أسيرها في مقابل ألف أسير فلسطيني ونيف.
في منتصف مارس 2009 رفضت “إسرائيل” نفس الصفقة التي قبلتها اليوم، مع تغير رئيسي في أهم مبدأ تمسكت به دائماً المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، الحاكم الحقيقي والفاعل في “إسرائيل”، وهو مبدأ ومعيار حدود الدم، بمعنى أن أي أسير فلسطيني مدان بقتل إسرائيلي، لا يفرج عنه أبداً تحت أي ظروف داخلية أو ضغوط خارجية.
لكن الكاتب الإسرائيلي “اليكس فيشمان” من صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، يؤكد في مقال أخير له أن “معيار الدم لم يعد ذا موضوع منذ زمن”.
ما هو سر الهزيمة الصغيرة التي تتحدث عنها الصحف العبرية هذه الأيام، والتي تمثلت في قبول “إسرائيل” بهذه الصفقة في هذا التوقيت تحديداً؟
حتماً إن الحديث عن مدلولات واستحقاقات صفقة شاليط، في حاجة إلى قراءة مطولة للغاية، ذلك أنه في رمزيته أوسع وأعرض من الإحاطة به في هذا المسطح، غير أنه للاختصار يمكن للمرء أن يشير إلى عدة نقاط توضح كيف أن “إسرائيل” المهزومة والمأزومة، تعيش مأزقاً تاريخياً له وجوه عدة داخلية وخارجية. تدرك حكومة نتانياهو تمام الإدراك اليوم، أن حركة المقاومة الإسلامية حماس قد حققت انتصاراً كبيراً، فقد بادرت إلى خطوة نفذتها، صمدت، وأخضعت “إسرائيل”، وهكذا أثبتت أن الصبر مجد، وأن الزمن العربي ينتصر على الزمن الغربي، وأنه في ضوء طول النفس لا يوجد معنى للتفوق العسكري والتكنولوجي، وهذا معناه أن احتمال اختفاء “إسرائيل”، ولو خلال عقود قليلة من الزمن، وارد.
على أن الأمر الأشد وقعاً هو إشكالية إيران النووية.. فهل جاءت صفقة شاليط كمشهد أولي للصدام القادم مع إيران؟
بدا واضحاً خلال زيارة وزير الدفاع الأميركي “ليوبانيتا” مؤخراً لتل أبيب، أن “إسرائيل” كانت تنوي القيام بعمل ما ضد المشروع النووي الإيراني، غير أن الإشارة الأميركية كانت حمراء، لكن ربما تتحول إلى اللون الأخضر عما قريب، وخاصة في ظل تصاعد المواجهة الإيرانية الأميركية. ولهذا كانت تعليمات بانيتا واضحة جداً “لا عمل من دون تنسيق أولي مع واشنطن”. والاستعداد للمواجهة مع إيران، كان يقتضي إجماعاً داخلياً إسرائيلياً، وقد وجد حلف “نتانياهو- باراك” في صفقة شاليط وسيلة مهمة لإحرازه، كما كانت هناك حاجة ماسة لخفض التوتر الذي لا حاجة له بالنسبة ل”إسرائيل”، مع مصر ومع تركيا.
والمقطوع به أن نجاح صفقة شاليط، لا سيما بعد الاعتذار الرسمي الإسرائيلي لمصر عن مقتل الجنود المصريين على الحدود، مع التبعات القانونية لهذا الاعتذار، يعيد شيئاً من التهدئة إلى العلاقات الإسرائيلية المصرية، وخاصة مع المؤسسة العسكرية التي استطاعت، وبمهارة فائقة هذه المرة، وعبر جهاز المخابرات العامة المصرية، تنفيذ صفقة عجزت عن التوصل إليها أطراف فلسطينية وإسرائيلية معاً، وكذلك وسطاء عرب، ناهيك عن فشل واضح للوسيط الألماني الشهير “غرهارد كونراد”.
ويعكس نجاح هذه الصفقة ولا شك، مكسباً إقليمياً ودولياً مصرياً، في مواجهة الزحف الإيراني والتركي على الشأن الفلسطيني، ويعيد مصر إلى ثقلها الإقليمي كرمانة ميزان في المنطقة.
وضمن الملاحظات السريعة التي يرصدها المرء، أن الهزيمة الإسرائيلية الصغيرة عبر القبول بالإفراج عن سجناء أمنيين فلسطينيين ذوي جنسية إسرائيلية، والذي كان أمراً محظوراً طوال السنين الماضية، كانت بمثابة المنفذ والمهرب من الضغوط الدولية التي واجهتها ولا تزال تواجهها “إسرائيل”، بعد الطلب الفلسطيني المباشر إلى الأمم المتحدة لإعلان دولة فلسطين المستقلة. فقرار نتانياهو بإطلاق سراح ألف أسير فلسطيني، لا يأتي فقط تماشياً مع الرأي العام الإسرائيلي، لكنه قطعاً يحمل أرباحاً تكتيكية أخرى من خلال دعم حركة حماس، وبالتالي تحويل الانتباه بعيداً عن حملة أبو مازن الأممية.
حتماً وصلت لأسماع نتانياهو تعبيرات الكاتب الإسرائيلي “نداف ايال”، حول عصر الضعف الذي تعيشه “إسرائيل” اليوم، ولا شك أنه أدرك كما كثير من المحللين السياسيين والعسكريين حول العالم، أن “هزيمتها معروفة مسبقاً”، وهو ما يؤكده نظيره الإسرائيلي “يرون ديكل”.
هذا الضعف الآني والهزيمة المستقبلية، هما السبب الرئيسي والمباشر في الهجرة العكسية من “إسرائيل” إلى أوروبا وأميركا ثانية، وهي السبب كذلك في انهيار شعار “إسرائيل دولة رفاه” الذي رفعته طويلاً، بعد أن باتت في حقيقة الحال دولة فقر.. هل هذا كل شيء؟
استشرافياً، يمكن للمرء أن يتوقع، لا سيما بعد جولة بانيتا الأخيرة في الشرق الأوسط، سيناريو مواجهات عسكرية قادمة كان لا بد معها من تهدئة الملف الفلسطيني الإسرائيلي، لحين الانتهاء من ما هو أهم وأخطر. ويعزز تلك الرؤية الانسحاب الأميركي الشامل في يناير المقبل من العراق، ما يعني عدم وجود أسرى أميركيين محتملين في المنطقة، وإطلاق يد العمليات الحربية إذا أراد البعض.. غير أنه وفي كل الأحوال، تبقى صفقة شاليط عنواناً ل”إسرائيل” المأزومة حتى إشعار آخر.
صحيفة البيان الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

45 شهيدًا بمجازر إسرائيلية دامية في مخيم جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد 45 مواطنًا على الأقل وأصيب وفقد العشرات - فجر اليوم- في مجازر دامية ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدما...

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...