الأربعاء 14/مايو/2025

خلفيات خروج باراك وانشقاقه .. ليبرمان الفائز الأكبر

خلفيات خروج باراك وانشقاقه .. ليبرمان الفائز الأكبر
شكّل انسحاب الجنرال أيهود باراك من حزب العمل “الإسرائيلي” ومعه أربعة أعضاء من قائمة أعضاء الحزب في الكنيست لطمة قوية لأصحاب مقولة “حزب العمل اليساري” الذين مافتئوا وهم يصنفون حزب العمل أو على الأقل بعض التيارات داخله على مايسمى بـ “اليسار الصهيوني” بالرغم من التاريخ العريق لهذا الحزب في نشوء “اسرائيل” وسياساتها العدوانية.

وبالتأكيد، فإن حال حزب العمل ومواقفه المعروفة، ومشاركته الحميمة في رسم وصياغة سياسات الائتلاف الحكومي الحالي بقيادة نتنياهو، يؤكد للقاصي والداني أن مقولة “اليسار الصهيوني” ليست سوى أكذوبة كبرى جرى ويجري تسويقها من قبل بعض المراهنين (المتفائلين جداً) في منطقتنا على إمكانية حدوث تحول كبير في السياسات الإسرائيلية بالنسبة للموضوع الفلسطيني ومواضيع التسوية بشكل عام، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التدقيق الى الآن بمسارات ومآلات حزب العمل خلال العقدين الأخيرين. فكيف هي حال حزب العمل وأحزاب اليسار الصهيوني اليوم، وهل هناك من افتراق حقيقي بين مواقف أحزاب “اليسار الصهيوني” ومنها حزب العمل من جهة وحزب الليكود من الجهة المقابلة..؟

فحزب العمل الإسرائيلي لم يكن معارضاً في الأصل لاستمرار عمليات التهويد والاستيطان، ومنها المشاريع التي تم إطلاقها مؤخراً في مدينة القدس والقاضية ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة، بل ولم يصدر عن حزب العمل أي احتجاج أو حتى تأفف من سياسات نتنياهو الأخيرة التي دفعت الطرف الفلسطيني الرسمي لتعليق المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي وربط العودة إليها بالوقف التام لأعمال الاستيطان.

لقد أفصح الجنرال أيهود باراك في تحوله الأخير عن الطبيعة الحقيقة لهذا الحزب الذي أسس الدولة الصهيونية على ارض فلسطين وعلى أنقاض الكيان الوطني للشعب الفلسطيني، وخاض حروبها الكبرى مع الفلسطينيين ومع البلدان العربية.

ففي انشقاقه الأخير، أثبت الجنرال أيهود بارك مرة ثانية وثالثة ورابعة، انهيار مقولة وجود “يسار صهيوني أو إسرائيلي”، وهو انهيار يتوّج سلسلة من الانهيارات المتلاحقة، وصلت بالحزب المؤسس للدولة الصهيونية الى ماوصل اليه الآن عبر مسيرته الطويلة، حيث يلخص في ذلك المدى الحدي لاصطفافات وانزياحات المجتمع “الإسرائيلي” وجنوحه نحو الاتجاهات الأكثر يمينية وتطرفاً داخل “إسرائيل”، مقابل صعود حزبي الليكود وكاديما، إضافة للأحزاب اليمينية والأحزاب اليمينية التوراتية المغرقة في فاشيتها، فضلاً عن أحزاب اليمين الجديد المتشكل من الأقليات التي جاءت الى فلسطين المحتلة خلال العقدين الماضيين ومنها حزب الفاشي افيجدور ليبرمان المسمى بـحزب “اسرئيل بيتنا”.

وبالطبع فإن لانسحاب أيهود باراك من حزب العمل ومعه أربعة نواب عماليين آخرين محتفظاً في الوقت نفسه بحقيبة وزارة الحرب في الائتلاف اليميني الذي يرأسه بنيامين نتنياهو، وانضمام وزير عمالي اليه في حزبه الجديد مع توقع انضمام وزير ثان قريبا له، وتشكيله لحزبه الجديد تحت عنوان (حزب الاستقلال) أكثر من سبب وسبب، يقف على رأسها تفاقم الأزمات السياسية والتنظيمية داخل الحزب منذ فترة ليست بالقصيرة.

ففي الأزمات السياسية، ان عمق الأزمة السياسية التي تواجهها إسرائيل نتيجة انسداد أفق التسوية الراهنة على مساراتها المختلفة وخصوصاً منها المسار الفلسطيني/الإسرائيلي، جعلت من أيهود باراك يسعى للاصطفاف العملي خلف برنامج اليمين الصهيوني بقيادة بنيامين نتنياهو، فسانده أمام كل الأزمات التي تعرضت لها حكومة الائتلاف الصهيونية، كما سانده في مواجهة المطالب (وليس الضغوط) الأمريكية التي دعته لوقف عمليات “الاستيطان” في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ولو بشكل مؤقت.

أما في الجانب التنظيمي داخل حزب العمل، فان تركيبة الحزب التي (تضعضعت) وتأثيراته التي (انكمشت وتراجعت) داخل التجمع اليهودي على أرض فلسطين التاريخية خلال السنوات الأخيرة، وأدت لخسارة الحزب لقطاعات واسعة من اليهود، دفعت بايهود باراك لإحداث التحول إياه، في محاولة منه للهروب من حزب متأكل يتراحع دوره كل يوم، باتجاه أوساط وبنى سياسية “إسرائيلية” أكثر يمينية في مجتمع مازال يجنح أكثر فأكثر نحو الاصطفافات اليمينية واليمينية المتطرفة، خصوصاً بالنسبة للموقف من عملية التسوية مع الطرف الرسمي الفلسطيني.

ان انسحاب الجنرال أيهود باراك من حزب العمل “الإسرائيلي” زاد من متانة الائتلاف الحكومي في الدولة الصهيونية، وأنقذ بنيامين نتنياهو من مخاطر تفكك هذا الائتلاف، باحتفاظه بغالبية مستقرة تضم (66) نائباً من اصل (120) نائباً في الكنيست. فقد جاء أيهود باراك في تحوله الأخير واضعاً نفسه ورفاقه الأربعة، في جيب بنيامين نتنياهو، وبين يديه وعلى مائدته، ليصبحوا جزءاً من “التيار اليميني الصهيوني المركزي”، الذي يضم حسب “التصنيفات الإسرائيلية”، كل من حزبي الليكود وكاديما، فيما تدور حولهما أحزاب اليمين الصغيرة ومعها الأحزاب التوراتية.

ان انضمام كتلة حزب الجنرال أيهود باراك الجديد المسمى حزب (الاستقلال) تم عبر صفقة جرى طبخها خلال الأشهر الماضية، وتوجت بتوزير لأعضاء الكتلة الجديدة، حيث أبقت الصفقة الجنرال أيهود بارك وزيرا لجيش الاحتلال، في حين تلقى شالوم سمحون وزارة التجارة والصناعة، وقد أصبح متاي فلنائي وفقاً لهذا الاتفاق وزيرا للجبهة الداخلية والأقليات، في حين شغلت أوريت نوكد وزارة الزراعة، وبقيت العضو الخامس في الكتلة عينات ويلف دون أي وزارة، كذلك ضمت صفقة الاتفاق الائتلافي انضمام سمحون وفلنائي، الى المجلس الوزاري الأمني السياسي المصغر المسمى بـ (الكابينيت) وهو المجلس المعني باتخاذ وطبخ القرارات التي توجه دفة الحكومة، وبتلك الصفقة أصبح الثلاثي (نتنياهو، ليبرمان، باراك) على سيبة واحدة في حماية تلك الحكومة من السقوط أو فقدان الثقة من قبل الكنيست، وتلاشت مع وجود تلك السيبة مساعي المعارضة “الإسرائيلية” التي تقودها زعيمة حزب (كاديما) تسيبي ليفني والساعية لإسقاط الحكومة والإعداد لانتخابات تشريعية مبكرة للكنيست.

لقد قبض الجنرال أيهود باراك ثمن الانشقاق بترتيب مسبق لوضعه ووضع المجموعة التي انضمت معه من خلال (صفقة) محسوبة تمت في الظلام بينه وبين بنيامين نتنياهو، وهي صفقة سياسية في جوهرها، كما هي صفقة مصالح شخصية، اراد من خلالها باراك الهروب من أزمات حزب العمل وتراجعه باتجاه إعادة إنتاج حالة سياسية جديدة في الدولة الصهيونية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...