لماذا يتكتم الجيش الصهيوني عن جنرالاته مجرمي الحرب؟
تغض اسرائيل الطرف عن جرائم وأخطاء كبار القادة في الجيش كالجرائم التي قاموا بها في غزة وتحاكمهم وتعيب عليهم ما يقومون به من صغائر داخل الجيش، لا يجوز ان يصبح يوآف غالنت رئيس اركان الجيش الاسرائيلي القادم؛ قد يحدث هذا حقا لكن للاسباب غير الصحيحة. إن قضية غالنت لا تبرهن إلا على الخسوف الذي يوجد فيه المجتمع في اسرائيل، فهو يهتاج لامور ضئيلة الشأن (نسبيا) ويغض الطرف عن الشؤون الخطيرة حقا. فبضع عشرات من الدونمات من اراض صخرية تقلقه أكثر من مئات القتلى عبثا؛ وأنصاف حقائق وأكاذيب عن كرم زيتون تثيره أكثر من أكاذيب غير بيضاء عن فوسفور ابيض، وسعة قصر القائد المخيفة تثير فضيحة أكبر من سعة الدمار الشيطاني الذي زرعه القائد نفسه.
إن الانشغال بطريق الانسلال من ضيعة يوآف أصبح طريق انسلالنا من الانشغال بالمسائل الحقيقية. فما أحسننا. إننا نعامل الصغيرة كالكبيرة ولن يصبح عندنا رئيس اركان من كذب في شأن خطط بناء بيته، وقائد فرقة كذب في شأن الجرافة الصغيرة التي قادها ابنه، وقائد فيلق كذب في شأن قيادة زوجته للسيارة. لكننا نتجاهل اخطاءهم الاخرى.
تحقيقات الصحف النشيطة، والحركة الخضراء والوزير ميخائيل ايتان يستحقون كل المدح. وعلاجها الى الآن في أيدي اجهزة تطبيق القانون يثير التقدير، فمن الجيد أننا نملكها. بيد أن قائد “الرصاص المصبوب” ما كان يستحق أن يكون رئيس اركان منذ البدء: بسبب القتل عبثا، وبسبب التدمير عبثا، وبسبب شبهات جرائم الحرب، وبسبب المبدأ الأعوج الذي يطلب عدم وقوع مصابين بكل ثمن، وبسبب التخويف عبثا قبل العملية من سلاح حماس ومن السلاح الايراني الذي تدفق في الأنفاق والشحنات الناسفة التي تنتظر الجيش الاسرائيلي في كل مكان؛ وبسبب أكاذيب الجيش الاسرائيلي وبسبب روح قادته، حتى بسبب عرض هذا الهجوم الكاذب بأنه “حرب”، بسبب كل ذلك لا يستطيع غالنت ولا يجب أن يكون رئيس اركان.
لم تبدأ ثقافة الكذب مع غالنت، ولا التعلق بالصغائر للطمس على الجوهر ايضا. عوقب العميد موشيه (تشيكو) تمير، الذي يُذكر اسمه الآن على أنه مثال لتشدد الجيش في معاملته قادته العُصاة، للاسباب غير الصحيحة والمضللة: فقد قصف جنوده إذ كان قائد لواء غولاني السوق في جنين مرتين وقتلوا عدة اولاد. وحوكم تمير محاكمة تأديبية وتمت تبرئته. وكان مسؤولا عندما كان قائد فرقة غزة عن عملية “غيوم الخريف”، وهي عملية اخرى من عمليات القتل الخاسرة التي لا داعي لها للجيش الاسرائيلي في غزة قتلت نحوا من سبعين فلسطينيا ولم يُحاكم عن ذلك بطبيعة الامر. حوكم تمير وعوقب بسبب جرافة صغيرة. ويُحقق الآن مع غالنت بسبب بيت، لا بسبب آلاف البيوت التي هُدمت عبثا بأمر منه بل بسبب ذلك البيت الذي أقامه لنفسه بطريقة مريبة.
كان يكفي أن نقرأ في يوم الجمعة تحقيق عميره هاس المثير للقشعريرة في صحيفة “هآرتس” عن ظروف قتل ستة وعشرين من أبناء عائلة سموني في حي الزيتون في غزة خلال عملية “الرصاص المصبوب” (“على من أطلق الرشاش فوق السقف النار”، 21/1/2011). اقرأوا عن قتل مخلصي الجرحى، وعن قتل من أخرج هاتفا محمولا من جيبه، وقتل الشاب المقيد، وقتل الفارين نجاة بحياتهم، وموت النازفين الذين لم يُمكّن الجنود من تخليصهم، وفوق كل ذلك عن اطلاق الصواريخ على البيت الذي كان ملجأ وفيه قتل الجنود عشرين من السكان وفيهم نساء واولاد واطفال.
أهذه الاعمال الفظيعة لا مسؤولية عنها؟ أبريئة هذه الاعمال الآثمة من كل ذنب؟ ثمة مسؤولون عن سلوك الجنود هذا قد يكون قائد المنطقة أولهم. وكان قائد المنطقة كما تعلمون غالنت الذي نعرفه. فترفيع رتبته برغم وربما حتى بفضل مسؤوليته عما وقع في غزة، مقالة أكثر فضحا ووقاحة من ترفيعه برغم قضية الضيعة.
انقضت سنتان الآن منذ عملية “الرصاص المصبوب”. لم تُثر قط في اسرائيل أي محاسبة للنفس. لا شيء. في حين أصبحت في الرأي العام في العالم نقطة تحول مصيرية، ظلت اسرائيل سادرة، غير مكترثة بالتقارير الصحفية، ومُنكرة للتحقيقات مُهملة للشهادات وكأن الامور لم تقع قط. إن امكانية تعيين قائد هذا الهجوم رئيس اركان، وحتى امكانية ألا يُعين بسبب بيته، هي آخر خطيئة لعملية الخطايا الفظيعة تلك.
هآرتس، 23/1/2011