الأربعاء 14/مايو/2025

القضية الفلسطينية وتصفية خريف 2010

رشيد ثابت
جولة التراجعات الأحدث التي صدرت مؤخرا عن القيادة الفتحوية ليست تنزيلات عادية أو تنازلات مجانية كما يقول عبدالباري عطوان وآخرون. الوصف الأدق لها أنها تنزيلات تصفية أو مبيعات تصفية لموسم خريف 2010 (“الله يستر”…فالأمر يجري بحرارة فائقة كما لو أن هذا هو آخر مواسم البيع).
 
ما يقوم به محمود عباس والذين معه يشبه تماما تنزيلات التصفية التي ينفذها أصحاب المتاجر الذين ينوون تفريغ المخازن من البضاعة بأي ثمن وبأسرع وقت، نظرا للحاجة للتصرف السريع بالعقار حيث تقوم التجارة محل التصفية. فقط ابحثوا لنا عن صديق لمحمود عباس – مثل “أولمرت” أو “ليفني” أو أي وحش آخر من وحوش “معسكر السلام” الصهيوني الذين يحب كثيرا بخلاف “نتنياهو” الذي يحبه عباس فقط إلى حد ما – ليتوسط ويسأله إن كان ينوي الهجرة إلى كندا؛ وإن كان هذا “البيع العبثي” للقضية الفلسطينية يجري مثلا بداعي الهجرة؟ ترى هل ينوي ياسر الهجرة مع “رب عمله” هو أيضا؟ (“يا ريت”…وأهل “سلوان” المطرودون من بيوتهم سيجدون في هذه “الخبرية” العزاء و”السلوان” رغم أنهم يبيتون الآن على قارعة الطريق!)
 
المصيبة أننا رضينا بالهم – أو بالأحرى غصبنا عليه غصبا بسبب الاحتلال وبسبب وحشية العساكر من أيتام “دايتون” – لكن بقية المثل تفرض نفسها على أرض الواقع فرضا! فعباس لا زال يروج لعجوز سلامه الشمطاء، ولا زال “يدلل” على توقيعه للصهاينة ويبذل جهده في تعداد محاسن هذا التوقيع ولكن دون جدوى. يعدهم الرجل بإنهاء المطالب التاريخية وقفل باب الصراع، ويكاد “يحلف على المي تجمد” أن محبة الصهاينة ستنزرع في أفئدة الفلسطينيين حين يوقع؛ لكن هذا الغناء لا يطرب الأذن الصهيونية. لا أعرف لماذا لا يقبل الصهاينة على هذه الصفقة؟ فقط لأن البائع غير ذي صفة؟ ولأن الشركة التي يمثل مفلسة ومخرومة المروءة ورصيدها مكشوف؟ أم لعل طلاب الخلافة في البيت الفتحوي يعدون الصهاينة بصفقة “أفضل” حال أن يذهب عباس إلى كندا أو إلى أي “مكان آخر”؟
 
وفي هذه الأثناء لا يجري بيع فلسطين فقط لكنها القيم تباع والمنطق والمعقول والعرف واللغة أيضا. يجري اعتقال نشطاء المقاومة الفلسطينية بتهم “تبييض الأموال” كأنهم تجار مخدرات أو أعضاء في المافيا. “تبييض الأموال” هو الاسم الحركي الذي يطلقه اللوبي الصهيوني في فلسطين على جريمة جمع المال وتهريبه لتمويل عمليات المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني. الطريف أن من يسبغ هذه الصفات الجرمية والجنائية على المجاهدين الأطهار هم أحقر خلق الأرض ممن طبقت سمعتهم العصابية والجرمية الآفاق، وطارت بوساخاتهم الرسل والركبان في أربع أركان الأرض من بيروت إلى تونس مرورا بكل المهاجر والملاجئ وانتهاء برام الله وغزة (قبل وقوع الحسم الشريف في هذه الأخيرة). فمن غيرهم سرق أموال التبرعات وتاجر بالثورة وبيض الأموال وسود الصحائف بألوان الرذيلة والفحش الشخصي؛ ثم ردف مسيرة الانحدار الخاص بمسيرة فحش وطني عام انتهى بهم إلى أن يقوِّدوا على فلسطين ويتاجروا بها ويحملوا السلاح حماية للصهيونية وانقاذا لكلابها (وكلباتها أيضا…ولك أيها القارئ الكريم ان تراجع الخبر عن قيام مجموعات فتح الدايتونية بحملة بحث أمنية لاسترجاع الكلبة “لولا” التي ضلت طريقها من إحدى المستوطنات إلى أحد المخيمات) وكل ذلك من أجل عيني “دايتون” (مع الاعتذار من القيادي الفتحوي الكبير الذي ما انفك يذكرنا بأن “دايتون” قد ذهب وأن “مولر” قد حل محله… أولا أيها القيادي نحن نحفظ للرجل أنه كان البادئ في صناعة “الفلسطينيين الجدد”؛ فهلا كان عندك شيء من الوفاء لمن سبق لك بالنعمة؟ وثانيا نحن لا تصلنا “شهادة الراتب” الذي تقبضون ولذلك تفوتنا تفاصيل مثل اسم المشغل ونحو ذلك من الأمور التي لا تفوت صنائع المندوبين السامين من أمثالكم)
 
وكما تقدم فإن قادة أول النضال وأول الرصاص ثم نهاية الأرب في السقوط يكثرون من اجتراح الحلول الترويجية والفذلكات التسويقية دون أن يثير هذا شهية الشاري. ولذلك تعمد العجوز المتصابية لهتك المزيد من الاستار، وتعمد إلى المزيد من “لغمطة” الوجه الكالح بالمزيد من أصباغ “المكياج” لعل هذا يحرك شهية “الزبون”، ولا يكاد يفعل! وآخر ما في جراب الحاوي كانت محاولة التهريب البهلواني للاعتراف “بيهودية” الدولة الصهيونية. ونحن دون شك نعذر عباس وعبدربه معه وهم يهونون من الأمر؛ فالجماعة من طول مكثهم في مستنقع التفريط الآسن ما عادت حواسهم تشعر بأية جرعة عتمة أخرى تضاف على بحر الظلمات اللجي الذي غرقوا وأغرقوا الشعب والقضية معهم فيه. لكن العتب كل العتب على الكبار والمحترمين الذين راحوا يكتبون ويقولون ويشرحون بكل موضوعية ووقار عن خطورة الاعتراف بيهودية الكيان، وراحوا يدرسون ذلك لمن باع أربعة أخماس فلسطين وخمسها الاخير أيضا! ألم يسمع هؤلاء بأن من يضع الحكمة في غير أهلها كان كمن قلد الدر الخنازير؟! ألا يعرف هؤلاء الكتاب والحكماء والفقهاء أي مصرف حسن آخر لأوقاتهم غير شرح المشروح وتوضيح الواضح لتجار القضية هؤلاء؟
 
لكن ليس كل ما تأتي به عصابة المقاطعة شر؛ فبعض الميت يخرج منه الحي، وبعض مشاريعهم المنتنة يقدح – ولو عن غير قصد منهم بطبيعة الحال – أفكارا طيبة وحسنة. خذوا مثلا فكرة “تبادل الأراضي”…صحيح أنها تلقى بأسلوب يؤكد المؤكد ويعرف المعرف من كون هؤلاء أبعد ما يكونون عن تمثل حالة “أم الولد”، وكون ما يربطهم بفلسطين لا يزيد عن الراتب والامتيازات التي تتيحها لهم أدوارهم في ملهاة “عملية السلام” (أنا مثلا أشعر أنها “لن تفرق” كثيرا عند هؤلاء لو أن الصهاينة منحوهم خمسين دونما في صحراء النقب أو حتى في شرم الشيخ مقابل الخمسين دونما التي يقوم عليها الحرم القدسي الشريف) لكن هذا الشر يدل على خير. ففكرة “تبديل الأراضي” توحي لي بمشروع مشابه هو مشروع “تبديل القادة”. فأنا وفلسطينيون كثر من أصدقائي وأفراد عائلتي مستعدون لعرض القيادة الفلسطينية – جملة أو بالمفرق – على موقع “اي باي” أو أي موقع دلالة مشهور وقبض الثمن نقدا أو عينا من خلال تبديلهم بأي بضاعة يقوَّمون بها. ونحن ورغم حاجتنا للإسراع في انجاز الصفقة وتفضيلنا لبيع القيادة “التاريخية” بالجملة – ليس بداعي السفر أو الهجرة ولكن بداعي “القرف” – إلا أننا مستعدون للبيع بالمفرق إن كان هذا يساعد في التعجيل في طي صفحة العار هذه . كذلك سنقوم بتصميم صفقات تحفيزية تساعد في “تنفيق” البضاعة؛ من قبيل :خذوا “نضوة” اللجنة التنفيذية واربحوا “كبير المهرجين” مجانا… أو خذوا “نضوة” اللجنة التنفيذية واربحوا العضو ذا الشارب الثخين الكثيف (هل يعرف أحد منكم اسمه؟) الذي لا يظهر إلا في الاجتماعات “الكايدة”؛ التي تحتاج القيادة الفلسطينية فيها لظهرائها في منظمة التحرير الفلسطينية (؟!؟!؟!) ليجددوا الثفة فيها عشية أية مخزاة جديدة تجترحها (مثل ذلك الاجتماع الذي عقد عشية مواصلة تأجيل عرض تقرير لجنة “غولدستون” على مجلس حقوق الانسان، أو الاجتماع الذي عقد عشية استئناف المفاوضات غير المباشرة، أو الاجتماع الذي عقد عشية اقرار المفاوضات المباشرة، وما إلى ذلك مما في قائمة سقطاتهم الطويلة واجتماعاتهم التي تعقد لتغطيتها، والتي حرص صاحب الشارب الثخين على حضورها كلها)
 
لكنني وبكل واقعية أشك في أن يكون هناك في المجتمع الدولي من هو على استعداد لمثل هذا “التبادل” ودفع أي ثمن – مهما كان بخسا- مقابل الحصول على أي عنصر من عناصر القيادة الفلسطينية، ولو كان الثمن عينينا (جلديا كان أو “بلاستيكيا”) فمن هذا المحمق الذي يتسبدل قيادة “ستوك” بأي بضاعة ولو كانت رخيصة؟ (ملاحظة: الصحيح لغة أن تقترن الباء بالشيء المتروك كما تقدم أعلاه… كذلك نسترعي انتباه القارئ إلى أن كلمة “ستوك” استعملت فقط لأن الكلمة التي على “طرف لساني” لا تصلح للكتابة والنشر!)
 
لكن بيع القادة يحتاج ثلاثة مركِّبات لا يبدو أننا نتحصل عليها في أيامنا هذه…نحتاج أولا إلا علماء بقيمة العز بن عبدالسلام لينادوا على القادة. ونحتاج ثانيا إلى جمهور ينصر العلماء والمساجد مثل القاعدة الشعبية التي استند إليها العز، واستعدت لمغادرة البلد وراءه حين خرج مغاضبا حين خرقت قواعد الشريعة. وأخيرا يحتاج بيع القادة إلى قادة أصلاء لديهم ما حققوه ولديهم ما يسعون لتحقيقه ولديهم ما يخشون عليه من مجد شخصي ووطني يستحق في النهاية أن يتنازلوا للعلماء وللجمهور من أجله حين يتهددهم الناس بالبيع. ولا أجد في صفايا الكيان الصهيوني لنا – وهي غير الصفايا من الدواب والتي كان القائد الجاهلي يختص نفسه بها من غنائم الحرب دون سائر قومه – لا أجد فيهم من يمكن أن تهزه كلمة من عالم أو حتى من جاهل!
 
ولذلك حتى تجتمع لنا هذه الثلاثة فعلينا بالمزيد من الصبر والمزيد من القبض على جمر الحال المخزية التي صرنا إليها، حتى يأتي أمر الله!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...