هزيمة الكيان الصهيوني الأخلاقية

صحيفة الخليج الإماراتية
انتفاضة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في “مؤتمر دافوس” بوجه رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز هي تعبير حي عن الهزيمة الأخلاقية لهذا الكيان جراء حربه الهمجية على غزة.
أدان أردوغان بيريز، وأدان الذين صفقوا له وهو يتحدث عن انجازات دولته الوحشية على المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ. وجه للنخبة المجتمعة في “دافوس” صفعة قوية لأنها تماهت مع موقف بيريز متجاهلة ولو من منظور إنساني أن أكبر آلة دمار في الشرق الأوسط خاضت حرباً تدميرية على شعب محاصر وأعزل ويخترع صواريخ بدائية لكي يقاوم الغطرسة الصهيونية ولكي يزعجها في أمنها.
في واقع الأمر لم يتمالك جمهور “دافوس” نفسه إلاّ أن يصفق للكلمة الحارة الموجزة التي رد فيها أردوغان على بيريز. لقد كان أردوغان مميزاً حين ذكّر بيريز بقصف الطائرات لعائلة فلسطينية على الشاطئ قبل سنة من حرب غزّة وتلك المشاهد التي كانت فيها “إسرائيل” تدمر مؤسسات إنسانية وحتى تلك التابعة للأمم المتحدة.
شهامة أردوغان ليست ردة فعل معزولة، فقد كانت تركيا أول من أدان الحرب “الإسرائيلية” حكومة وشعباً وشكلت التظاهرات في تركيا إحدى العلائم الأساسية في استنكار الرأي العام العالمي للعدوان “الإسرائيلي” كما تظاهر عشرات الآلاف من الأتراك تأييداً لموقف أردوغان وعبروا عن انفعال قوي ضد هذه الثقافة الصهيونية واستذكروا تاريخ تركيا العثماني وعلاقته بشعوب المنطقة.
لقد استنفرت تركيا الدولة البعيدة نسبياً عن حدود الكيان الصهيوني خطر قيام دولة بحرب تطهيرية عرقية ودينية في المنطقة، لأن من شأن ذلك فعلاً أن يهدد استقرار الشرق الأوسط كله. هناك قيادات لديها القدرة على التصرف كرجال دولة تستشرف الأخطار وتواجهها، رغم العلاقات التاريخية التي نشأت وتعززت بين تركيا والكيان الصهيوني، والسعي التركي إلى إيجاد تسوية لنزاعات المنطقة وتوسطها في هذا المجال مع سوريا. لقد تجاوز أردوغان كل ذلك ليوجه إلى بيريز رسالة حارة جداً حول الانتهاكات التي ارتكبتها دولته في العدوان على غزة بل هو أدار ظهره “لمؤتمر دافوس” وانسحب من المؤتمر بعد أن حاول مدير الجلسة منعه من الكلام وحاول حماية بيريز من هذا الفضح السياسي لموقفه المتعجرف.
ولقد كان مخيباً للآمال موقف أمين عام جامعة الدول العربية الذي تمالك نفسه كل ذاك الوقت ولم يتحرك للرد على بيريز أو للتضامن مع أردوغان بذريعة أنه سيقول كلاماً في نفس المضمون في خطابه. والحقيقة هي أن رد الفعل العربي الرسمي عموماً على مجازر غزّة كان دون مستوى رد الفعل التركي وكذلك الفنزويلّي أو البوليفي مثلاً. هناك مستوى معين من التصرف الإنساني والأخلاقي يجب ألاّ يخضع لحسابات سياسية. فبمعزل عن أن قضية فلسطين عربية وإسلامية بالدرجة الأولى فإن على الجوار العربي أن يخشى على مستقبله من تصرفات الكيان الصهيوني وتحرره من أية اعتبارات في القانون الدولي وحقوق الإنسان ومن استخدامه آلة القتل والدمار ووسائلها المحرّمة دولياً دون رادع من قانون أو ضمير.
في واقع الأمر ما يشجع هذا الكيان على التصرف من دون حسابات سياسية هو المجتمع الدولي نفسه ومجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة التي تهيمن على قرارها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب. هذا الكيان هو الوحيد في العالم الذي لا يخضع للقرارات الدولية ولا يحترمها، وقد قام على انتهاك حق الشعب الفلسطيني أصلاً ومارس أبشع الجرائم لفرض سلطته وإقامة دولته وهو من كان ولا يزال يشكل محمية غربية.
لكن حسابات الشعوب مختلفة عن حسابات نخبها المسيطرة ودولها. إن الكيان الصهيوني يشعر بالضيق الشديد من استخدام ثقافة حقوق الإنسان بالغرب والمرجعية القانونية والقضائية لملاحقته بتلك الجرائم.
من حسن الحظ أن هذه الجرائم موثقة بوسائل الإعلام وهناك رجال قانون عرب وأجانب قد صنفوا تلك الجرائم ووصفوها ويعملون على تحويلها إلى دعاوى ضد الطاقم السياسي والعسكري المسؤول عن تلك الحرب. كان يجب على جامعة الدول العربية نفسها أن تكوّن ملفاً شاملاً لعرضه على الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل محاصرة هذا الكيان وإسقاط عضويته من المنظمة الدولية بوصفه منتهكاً خطيراً لحقوق الإنسان ولميثاق الأمم المتحدة. لقد تم إسقاط تهمة العنصرية عن الصهيونية سابقاً مع بداية مساعي السلام في المنطقة، لكن هذه التهمة يجب إعادة التداول بها مجدداً في المنتديات والمحافل الدولية.
إن المعركة مع هذا الكيان لم تنتهِ بعد، بل هو يهدد ويتوعد ويستأنف بعض الهجمات على قطاع غزّة المنكوب ويحظى ببعض التأييد الواسع خاصة لدى حكومات الغرب بذريعة حماية نفسه من سلاح المقاومة.
إن الحصار الإنساني لغزّة يجب ألا يغطي عليه الحديث عن “تهريب السلاح”. من المعيب أن يقبل العرب هذه المقايضة بين فك الحصار وبين ضمان عدم تهريب السلاح. إن المقاومة حق مشروع والسلاح الذي يهرّب يكاد لا يشكل وسيلة إزعاج ل “إسرائيل” وهو لعب أطفال أمام آلة الدمار “الإسرائيلية”. إن هذا المنطق يجب رفضه وخوض المواجهة على مستوى العالم كله معه. إن المطلوب الآن أن يصحح العرب نظرتهم مجدداً لهذا الكيان الصهيوني، فقد كان يطمح أن يبدّد وجود الشعب الفلسطيني ويلقيه مجدداً على دول الجوار كما فعل منذ عام 1948.
علينا الآن أن نستثمر بقوة هذه الهزيمة الأخلاقية لهذا الكيان وفضح جرائمه ومحاصرته أمام الرأي العام العالمي لوقف طموحاته في إنهاء القضية الفلسطينية من خلال جرائم الإبادة والتهجير وتغيير الوقائع الديمغرافية والجغرافية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

45 شهيدًا بمجازر إسرائيلية دامية في مخيم جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد 45 مواطنًا على الأقل وأصيب وفقد العشرات - فجر اليوم- في مجازر دامية ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدما...

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...