أول مقبرة إسلامية في فيينا تفتح أبوابها في احتفالية كبيرة

افتتحت في العاصمة النمساوية فيينا، في فعالية احتفالية كبيرة، أول مقبرة إسلامية في تاريخ المدينة، بعد مفاوضات سياسية وإدارية شاقة، وتحضيرات طويلة استغرقت قرابة عقدين من الزمن.

فقد أقيمت مساء الجمعة (3/10)، احتفالية كبرى في فيينا، افتُتحت خلالها المقبرة الإسلامية، الأولى من نوعها في العاصمة النمساوية، والتي تبلغ مساحتها 3.4 هكتارات، وذلك بمشاركة عمدة فيينا ميخائيل هويبل، وشخصيات إدارية نمساوية، علاوة ممثلي السلك والدبلوماسي، وحشد من قيادات المسلمين بالنمسا.

وبيّن أنس الشقفة، رئيس الهيئة الدينية الإسلامية بالنمسا، الممثلة للمسلمين رسمياً، أهمية هذا الحدث بالنسبة للوجود المسلم في البلد الواقع في وسط أوروبا. وأعرب المسؤول المسلم عن امتنانه لتبرّع دولة قطر بنصف مليون يورو لتغطية جانب من نفقات تجهيز المقبرة وإقامة منشآتها، كما شكر الشقفة “صندوق الأوبك للتنمية الدولية”، ومقرّه فيينا، وكذلك المملكة العربية السعودية، على التبرعات المقدمة منهما للمشروع ذاته الذي تبلغ طاقته الاستيعابية أربعة آلاف جثمان.

كما اختص أنس الشقفة، بلدية فيينا بالشكر كونها قامت بإهداء قطعة الأرض المخصّصة للمقبرة إلى المسلمين، ليحصل المشروع الذي استغرقت المشاورات بشأنه خمس عشرة سنة على الموافقة، قبل أن يستغرق نحو خمس سنوات إضافية من التحضيرات والإنشاءات أعقبت الموافقة الرسمية على قيام المشروع الذي بلغت تكلفته نحو المليون يورو، خلافاً لقيمة الأرض المهداة من البلدية. ووصف الشقفة، مهندس المشروع، النمساوي هربرت شولر، بأنه “مهندسنا المعماري النجم”، ممتدحاً التصاميم والمخططات التي أعدّها لمنشآت المقبرة ومرافقها.

ومن جانبه؛ أعرب ميخائيل هويبل، عمدة فيينا، في الكلمة التي ألقاها في منشآت المقبرة بهذه المناسبة، عن تقديره لأهمية هذا المشروع الذي اعتبره مؤشراً على انفتاح المدينة على طوائفها، واحتراماً منها للخصوصيات الدينية لهذه الطوائف. ولفت هويبل الاهتمام إلى وجود مقابر خاصة بالكاثوليك والبروتستانت (الإنجيليين) وكذلك اليهود، “فلماذا لا يكون للمسلمين مقبرة خاصة بهم؟” كما قال.

وبدوره؛ نبّه السياسي المسلم عمر الراوي، عضو البرلمان المحلي بفيينا، إلى خصوصية هذه المقبرة التي تمت فيها مراعاة العديد من الخصائص، منها الجوانب البيئية، وأكد أنّ المقبرة مفتوحة للجمهور ولن تغلق أبوابها في وجه الزائرين غير المسلمين.

ورأى المتحدثون خلال الاحتفالية، أنّ افتتاح المقبرة الإسلامية يمثل تتويجاً لجهود اندماج المسلمين في المجتمع النمساوي، واحترام خصوصياتهم الدينية ضمن فضاء مجتمع تعدّدي.

وتوقّع المشرفون على مشروع المقبرة، في حديثهم لـ”قدس برس”، أن يتمكّن هذا المشروع من خدمة الجالية المسلمة في فيينا لزهاء عشرين عاماً مقبلة، قبل أن تستنفذ طاقتها الاستيعابية بالنسبة لجالية يقارب تعدادها في العاصمة النمساوية حالياً ربع مليون شخص، معظمهم في الوقت الراهن من شرائح عمرية متوسطة علاوة على شريحتي الشباب والطفولة.

ويأمل هؤلاء أن يحدّ افتتاح أول مقبرة خاصة للمسلمين من ظاهرة “النعوش الطائرة”، التي يتم بموجبها ترحيل جثامين بعض المسلمين المتوفين في النمسا إلى بلدان العالم الإسلامي عبر الطائرات، حسب وصاياهم. وحتى ميعاد افتتاح المقبرة، مساء الجمعة، كان يجري دفن مسلمي العاصمة النمساوية بعيْد وفاتهم، في قطعة مجتزأة للمسلمين من مقبرة فيينا المركزية، التي تُعدّ من أكبر مقابر أوروبا، والتي تضمّ كذلك أضرحة مشاهير في حقول الأدب والموسيقى من بينهم الموسيقار البارز فولفغانغ فان بيتهوفين.

وكان مشروع إنشاء المقبرة الإسلامية بفيينا قد عكّرت صفوه حملة اعتداءات بشعارات عنصرية رُسمت على جدرانها قبل نحو سنتين، توعّدت بتفجير منشآت المقبرة. بينما عمد عنصريون آخرون إلى الاعتداء قبل نحو أسبوع على مدافن المسلمين بمنطقة تراوْن، الواقعة في مقاطعة النمسا العليا (أوبر أوسترايخ)، في اعتداء ليس الأول من نوعه.

وفي ختام وقائع الافتتاح قام المشاركون في الاحتفالية والحاضرون فيها، بمعاينة منشآتها التي تضم مصلى وموقع لصلاة الجنازة ومكاتب إدارية، كما قام هؤلاء بجولة في مسطحاتها الخضراء، التي لم تضمّ بعد أي جثمان. وقد عبّر مشاركون مسلمون في فعالية الافتتاح عن شعورهم بالرضى والارتياح إزاء ما اعتبروه “إنجازاً طويلاً وشاقاً”، لأنهم وجدوا أخيراً مساحة خاصة بهم في فيينا سيؤولون إليها عند الوفاة، بشكل كريم ويحترم خصوصيتهم الدينية.