الأربعاء 14/مايو/2025

مؤتمر بوش والمسؤولية الفلسطينية

مؤتمر بوش والمسؤولية الفلسطينية

صحيفة الاتحاد الإماراتية

لا تزال الاتصالات الجارية لعقد مؤتمر “أنابوليس” أو مؤتمر بوش تدور في حلقة مفرغة. الإدارة الأميركية تدعي أنها تريد المؤتمر لإطلاق مسيرة الحل. لكنها لا تفعل شيئاً عملياً وجدياً في هذا الاتجاه. تكتفي بتوجيه الدعوة إلى الوليمة، لكن لا شيء يستحق الجلوس حولها حتى الآن، وتعتبر أنها خطت خطوة كبيرة إذا ما دعت هذا الطرف أو ذاك من الأطراف المعنية بالحل، وكأن في ذلك تكريماً له، أو كأن بإمكانها هي أن تنجز حلاً من دونه. والإدارة التي لا تجيد إدارة التفاوض ولا رؤيا لها ولا تستند إلى تجارب ناجحة، وإلى صدقية راسخة، لا تستطيع في الأساس أن تدير هكذا عملية، فكيف إذا كانت قد دخلت فيها طرفاً؟

من البداية المشكلة كانت ولا تزال أن “إسرائيل” لا تريد مؤتمراً دولياً، ولا تريد دوراً للأمم المتحدة ولأوروبا. إنها تريد أميركا فقط. لماذا؟ لأن أميركا منحازة لها بالكامل. وقدرتها على التأثير على القرار الأميركي قوية جداً بل حاسمة. وفي المقابل لم تتصرف الإدارات الأميركية المتعاقبة وخصوصاً هذه الإدارة على أساس رؤيا واضحة محددة لحل المشكلة الفلسطينية، وعندما تدخلت كانت دائماً تلعب دور الشريك مع “إسرائيل” في كل شيء، سواء في ممارسة إرهابها على الفلسطينيين أو مسارات ومحاولات التسوية. تقدم المصلحة إسرائيلية على كل مصلحة ولا تحترم شعار الشريك النزيه والعادل الذي أعلن من أميركا أكثر من مرة.

أما “إسرائيل”، فهي تتحدث عن مؤتمر فارغ من كل مضمون. هي تحاصر غزة. تمارس سياسة التعطيش والتجويع. تمنع دخول الغاز والبنزين. تفتعل أزمة تعيق حركة انتقال العمال والطلاب واستخدام الطاقة في المصانع والمستشفيات والمنازل والمؤسسات الصغيرة، وإلى جانب ذلك تجتاح وتقصف وتخطف وتنسف وتهدد وتتوعد، فأي سلام يمكن البحث عنه؟ وإذا كانت تدعي أنها تقصد بكل ذلك المنطقة التي تسيطر عليها “حماس”، فهي لم ترحم السلطة الفلسطينية المفترض أن تكون شريكتها في البحث عن آليات لتطبيق الاتفاقات الموقعة معها، وفي البحث الجدي في المراحل النهائية لإنجاز اتفاق تام!

الحكومة الإسرائيلية تمارس الإرهاب إذاً ضد كل الفلسطينيين، وتنعي المؤتمر قبل انعقاده، هي لا تلبي الحد الأدنى من مطالب أبومازن. لا تريد الالتزام بموعد زمني محدد لإنهاء الاتفاق حول المراحل النهائية. ولا تريد بحث المسائل الجوهرية. وترفض تنفيذ الاتفاقات السابقة، ترفض إخلاء مستوطنات، وإطلاق سراح الأسرى ووقف الحصار. وتكوين المناخ المؤاتي للحوار والتفاوض. كل ما تريده كسب الوقت والمناورة. تارة تتذرع بأنها غير واثقة من قدرة السلطة، وتارة تتحدث عن انقسام فلسطيني، فلا تعرف من هي الجهة التي تلتزم بالاتفاقات والقادرة على ذلك. ومرة تعود إلى “خريطة الطريق” لتعود إلى المطالبة بما يناسبها منها أي أن يوقف الفلسطينيون العمليات أو أن تواجه السلطة الإرهاب، يعني أن ينظم الفلسطينيون عملية الاقتتال الداخلي خدمة ل”إسرائيل”!

لم يقل حتى الآن أي مسؤول إسرائيلي كلمة جدية عن مؤتمر “أنابوليس”. وهو في الأساس مؤتمر بوش. وبالتالي لم تصدر كلمة جدية إيجابية مطمئنة من إدارة بوش توحي بأن ثمة إمكانية للتوصل إلى اتفاق، وقد خرج أولمرت أكثر من مرة ليقول في الأيام الماضية “المؤتمر إذا عقد فلن يشهد إعلان السلام”! إذاً ماذا سيشهد؟ وفي الأساس لماذا دعوة كل الأطراف والإصرار على دعوة السعودية وغيرها إذا كان المؤتمر لن يؤدي إلى هذه النتيجة؟ والدول العربية كلها مجمعة على المبادرة العربية التي رسمت الطريق الصحيح والوحيد للاتفاق مع “إسرائيل”؟ وقد أعلن بوضوح وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل أن “نجاح المؤتمر يعتمد على التطرق إلى القضايا الأساسية بطريقة مباشرة وواضحة، وضمن وقت محدد ومنظور “محدداً هذه القضايا” بقضية اللاجئين والحدود والقدس ضمن دولة فلسطينية قادرة على العيش بسلام وأمن جنباً إلى جنب مع “إسرائيل””! وفي المقابل تظهر مشكلة في الجانب الفلسطيني.

“حماس” يتراجع دورها، وتعيش أزمة داخلية بدأت تظهر إلى العلن. تجميد دور بعض المسؤولين، إقصاء آخرين، إعلان مسؤولين مواقف واضحة ونقدية ولأول مرة تتحدث عن الخطأ الكبير الذي ارتكبته الحركة بالسيطرة بالقوة على غزة، ووقوع مشاكل بين الحركة وعائلات أساسية في غزة وسقوط عدد من الشهداء والجرحى، اعتداءات على إعلاميين، وبالإضافة إلى الخلاف مع حركة “فتح” على كل شيء تقريباً، برز خلاف وصراع كبيران مع حركة الجهاد الإسلامي الحليف الأساسي لـ”حماس” والذي تطور إلى اشتباكات سقط نتيجتها عدد من الشهداء والجرحى أيضاً. ويرافق ذلك تشدد من البعض في “حماس” عندما يعلنون استعدادهم لتكرار تجربة غزة في الضفة وهذا احتمال وارد جداً كنا قد أشرنا إليه عندما خطت “حماس” خطواتها الأولى في غزة واعتبر كثيرون أنها ستتوقف هنا فقلنا: لا تسقطوا من الحساب سيطرة حماس على الضفة!

طبعاً هذا المناخ لا يخدم سياسة التفاوض مع “إسرائيل” ولا التعارض معها ومقاومتها. يكفي أن يكون الانقسام قائماً حتى تحاول “إسرائيل” الاستفراد بكل طرف على حدة، فكيف إذا تحول الانقسام إلى اقتتال داخلي.

من هنا يطرح السؤال: كيف يمكن لمؤتمر أن ينجح والداعي الأميركي إليه طرف منحاز ومتورط في أكثر من مكان في المنطقة وهو ضعيف يواجه حافة الانهيار؟ وكيف يقوم الطرف الإسرائيلي على حل أو سلام أو تسوية إذا سلمنا أنه يريد ذلك وهو أيضاً ضعيف مأزوم ومهزوم وقادته مطوقون بسلاسل من الفضائح والفشل؟

وكيف يكون حل وسلام والطرف الفلسطيني بحاجة إلى سلام بين مكوناته الأساسية أولاً، وبالتالي هو ضعيف في كل من غزة والضفة؟ والمؤسف في كل ذلك، هو أنه إذا كان العجز والإنجاز الأميركيان والضعف والصلف الإسرائيليان لا يساعدان على الحل والسلام، فإن الانقسام الفلسطيني وعدم وجود رؤيا يساعدان الأميركي والإسرائيلي وتلك هي مسؤولية فلسطينية كبيرة في أصعب ظرف يمر به الشعب الفلسطيني. وإذا ما استمر الواقع الفلسطيني على ما هو عليه، فإن ذلك سيكون خطيراً جداً على الفلسطينيين، ويشكل مخرجاً ل”إسرائيل” من أزماتها الكبيرة، أما تغليب المصلحة الوطنية الفلسطينية على أي أمر آخر، وعدم تحويل القضية الفلسطينية إلى مادة صراع من أجل قضايا الآخرين، وتأكيد الحقوق والثوابت الأساسية للفلسطينيين، فإن ذلك يُبقي القضية حية، ويحاصر “إسرائيل” مهما استمرت في إرهابها. وهذا ما يجب أن يكون..

الموقف الأميركي– الإسرائيلي معروف، ولا يساعد على الحل. فهل يتطور الموقف الفلسطيني ويتوحد ليقاوم نتائج الموقف الأول؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...