مؤتمر أنابوليس.. تجسيد لسياسة فاشلة

صحيفة الوطن القطرية
التشاؤم الذي أبدته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في إفادتها أمام لجنة استماع في مجلس النواب الأميركي بشأن «حل الدولتين» وتحذيرها من أنه يمر في حالة الخطر وأنه لا يوجد سوى نافذة قليلة من الأمل (التفاؤل) لدفع الإسرائيليين والفلسطينيين للتوصل إلى «اتفاق سلام»، وأن مؤتمر أنابوليس في ولاية ميرلاند يهدف إلى إعطاء الأمل للقوى الفلسطينية المعتدلة وهو ما يتناغم مع ما ذهب إليه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي إيهود أولمرت أثناء اجتماعه بقادة منظمة البوندز الأميركية اليهودية في القدس الغربية إن «مؤتمر أنابوليس لن يجلب اتفاق سلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين وإنما هو نقطة على طريق عملية السلام».
وعدم إشارتها إلى المتسبب في هذا الخطر يشكل أحد أسباب الوصول إلى هذه المرحلة من الخطر وتجمد ما يطلق عليه «عملية السلام» المزعومة والتي يتجلى إلغاء وجودها بالأساس في ما تقترفه الدولة العبرية من جرائم يومية بحق الإنسان الفلسطيني المحروم من أبسط مقومات الحياة الطبيعية وهي الانتقال بأمان ودون إذلال من مكان إلى آخر داخل القرية أو البلدة أو المخيم أو المدينة في الضفة الغربية المحتلة، أو أن يجد أبناء غزة أنفسهم على اتصال بالعالم الذي يتفرج على مأساتهم التي تكشف عن الوجه الحقيقي للمجتمع الدولي، وعن مفهومه للوصول إلى ما يزعم أنه السلام المنشود القائم على مصادرة إرادة الشعب الفلسطيني.
وعندما يصل الأمر برايس إلى هذا الحد من التشاؤم والاعتراف، واستنجادها بالدول العربية لإضفاء الشرعية على ما وصفته بـ «التنازلات اللازمة» فإنها تعري الدور الأميركي من جانب وتكشف عن حقيقة الهدف من مؤتمر أنابوليس فضلاً عن دورها في إحداث الفتنة بين الفلسطينيين والانقسام الحالي بين قطاع غزة الذي يتعرض لحرب تجويع حقيقة تنذر بمجاعة قاتلة والضفة الغربية، عندما كشفت في اعترافاتها «أن الهدف هو إقامة دولة فلسطينية ليست إرهابية كما هو الوضع لو كانت قد ولدت في أوقات سابقة.. دولة قادرة على الوفاء بالتزاماتها الأمنية.. دولة ديمقراطية تمثل شعبها».
وواضح أن الدولة الفلسطينية التي تريدها رايس وهي لسان حال الدولة العبرية أن تكون حارساً لأمن المستوطنين اليهود والأمن الإسرائيلي بشكل عام والتصدي للمقاومة الفلسطينية بالقتل والاعتقالات وهو ما نصت عليه المرحلة الأولى من خريطة الطريق التي أعيدت لها الحياة فجأة بينما تبقى القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة مثل القرار 242 و338 و194 وغيرها من عشرات القرارات التي تتناول الحقوق الفلسطينية في حدها الأدنى والذي يقبل به الفلسطينيون منطلقاً للسلام، بما في ذلك من تنازل ليس مؤلماً فحسب بل ومغايراً لحقائق التاريخ والجغرافيا العربية والفلسطينية.
ورايس باستنجادها بالدول العربية لتغطية تنازلات محتملة من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إنما تعترف بالجذور العربية للقضية الفلسطينية، وإنها ليست فلسطينية فقط وإنما هي عربية مهما كانت المحاولات المحمومة بفصل القضية الفلسطينية عن بيتها العربي، وربما مؤتمر أنابوليس دليل على واحدة من هذه المحاولات المحمومة في إطار السياسة الاستعمارية الهادفة إلى تكريس فصل المسارات (الفلسطيني، السوري، اللبناني) ليسهل على الإسرائيليين الاصطياد.
وتكشف تصريحات رايس عن أن الجانب الإسرائيلي متمترس خلف ثوابت لم تتغير ولم يتزحزح عنها قيد أنملة بل وزادها صلابة وتعنتاً، فهو يرفض الانسحاب من القدس والتي بدونها لا يمكن لدولة فلسطينية أن تقوم، ولا لسلام أن يحل بالمنطقة بل تتضاعف فرص الحروب وتتقلص بصورة أكبر فرص التسوية إن لم تنعدم، والسبب في ذلك كله تبني الإدارة الأميركية للأطماع الإسرائيلية ومواصلة الضغط على الجانب الفلسطيني والعربي لتقديم تنازلات وراء تنازلات لا تقبل بها الأجيال القادمة وتضع كل ما يمكن الوصول إليه تحت الضغوط الأميركية والغطرسة والاستغلال الإسرائيلي للظروف الدولية إلى قنبلة موقوته لابد وأن تنفجر بوجه صانعيها في الظروف الدولية الطبيعية.
وترتكب الإدارة الأميركية خطأ استراتيجياً إن واصلت السير والاعتماد على الضغوط على الجانب العربي وتجاهل ثمن السلام الواجب على الدولة العبرية أن تدفعه ليس للعرب والفلسطينيين وإنما للسلام والأمن العالميين، وإلزامها بدفعه على الفور، فنجاح أو فشل مؤتمر أنابوليس سببه الأول والأخير السياسة الأميركية المنحازة إلى جانب الأطماع الإسرائيلية، بل إن الإدارة الأميركية تتحمل مسؤولية غياب السلام أو التسوية طوال السنوات الماضية لاتخاذها سياسة الدفاع والحماية لكافة الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين أو بحق السلام الدولي أو بحق الأمم المتحدة وقراراتها التي أبقاها الانحياز الأميركي وسياسة المكيالين أقل ثمناً من الحبر الذي كتبت به بنودها.
لقد كان من الطبيعي أن تصل رايس إلى هذه النقطة أو المرحلة من التشاؤم، فالفلسطينيون قدموا كل ما يمكن تقديمه من تنازلات بمعنى أنهم أدوا أكثر من متطلبات السلام، وبقي أمر التسوية أو السلام منوطاً بتنفيذ الدولة العبرية التزاماتها برفع الاحتلال والوصاية عن الشعب الفلسطيني والانسحاب من أرضه لإقامة دولته كاملة السيادة والاستقلال وعاصمتها القدس الشريف والاعتراف بحق اللاجئين بالعودة والتعويض إنفاذاً للقرار الدولي 194.
وإذا أرادت إدارة بوش فعلاً انجاز عمل ما يذكره التاريخ في أواخر ولايتها الثانية وهو ما تسعى إلى تحقيقه لتغطية الفشل والهزيمة التي تكمل حلقاتها الآن المقاومة العراقية الباسلة، فلا تتوقع هذه الإدارة التي تتماهى في مواقفها مع الدولة العبرية مثل هذا العمل ما لم تفك ارتباطها العضوي بالمواقف الإسرائيلية التي ترفض التصالح مع الحقائق ومع متطلبات الأمن والسلام والتعايش المشترك، تضغط بكل جدية وأن تتخلى عن الانحياز التام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وان تكشف على الملأ عن الطرف الذي يقول لا للسلام ولا للأمن المشترك المتبادل والمتزامن بالتساوي.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

45 شهيدًا بمجازر إسرائيلية دامية في مخيم جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد 45 مواطنًا على الأقل وأصيب وفقد العشرات - فجر اليوم- في مجازر دامية ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدما...

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...