الأربعاء 14/مايو/2025

القضية الفلسطينية ومرحلة مصيرية جديدة

طارق حمود

شكلت القضية الفلسطينية منذ نشوئها محور وجوهر العمل السياسي في المنطقة كعنوان لا يمكن تجاوزه على المستوى الإقليمي في مختلف القضايا، ومثّل العنوان السياسي الفلسطيني دوماً مرتكزاً في التعاطي العربي مع البعض أو مع الآخر، إلا أن حضور هذا العنوان بقي مرتبطاً سلباً أو إيجاباً بالمنعطفات المفصلية والتاريخية التي مرت وتمر بها القضية الفلسطينية، وقدرة ساسة القضية على رفع سقف الطموح السياسي للشعب الفلسطيني الذي يمثل أساس الطموح العربي ككل.

ومن دون الغوص في متاهات المراحل التاريخية السابقة وما شكلت هذه المراحل من تقدم في بعض منعطفاتها أو تراجع في كثير منها، بقي اتفاق أوسلو المرحلة التاريخية الخطيرة التي أراحت السياسي العربي من أثقال استحقاق القضية الفلسطينية فضلاً عن كل ما ضيع هذا الاتفاق من حقوق بديهية، ومع كل ذلك كان الأخطر هو ما لحق بهذا الاتفاق إن على المستوى السياسي أو الميداني العسكري أو الاجتماعي أو الاقتصادي حتى، نكسة بكل مناحي القضية الفلسطينية بمفاهيمها خصوصاً، فتحول المقاوم في ليلةٍ وضحاها إلى مقاول، وغدت المقاومة بكل شعاراتها إرهاباً بعرف من قادها بالأمس، وأمور كثيرة لا مقام لذكرها في هذه العجالة.

واليوم بعد تراكمات أربعة عشر عاماً من الضياع والتضييع وبحكم وجود قوة متنامية مناهضة للخط التسووي يمثلها التيار الإسلامي الفلسطيني، والصراع المحموم على مدى سنوات طويلة كانت فيها القوى المناهضة التي تمثلها حماس تنمو ميدانياً وشعبياً في الوقت الذي انحسر فيه تيار التسوية جماهيرياً بحكم فشله، كان من الموضوعي جداً وصول القضية الفلسطينية إلى ما هي عليه الآن من وجود تيار تقوده فتح وتيار تقوده حماس ببرنامجين مختلفين تماماً إن من الناحية الفكرية أو الإستراتيجية أو التكتيكية، وقد تُفسر الحالة الآن على أن الفعل الذي أقدمت عليه حماس في غزة قد أربك الأمور وعقّد الساحة السياسية، إلا أن السبب ليس في حسم غزة عسكرياً من قبل حماس ولا في دخول حماس العملية السياسية، بل نستطيع أن نفسر الحالة ببعدها الإستراتيجي ومفهومها الموضوعي للساحة السياسية الفلسطينية على أن حالة القطيعة والعدائية الآن بين فتح وحماس هي المرحلة التي لا مهرب منها والتي كانت ستحدث بحسم غزة عسكرياً من قبل حماس أو من قبل فتح لو لم تفعل حماس أو بغير الحسم حتى، ربما عملية الحسم التي حدثت هي التي حددت ساعة الصفر لهذه الحالة التي لا يشك متابع أو مراقب أو من يعقل في عالم السياسة أنها قادمة بسبب أو بآخر، وأن ما وصلت إليه الأمور بين فتح وحماس هو قانون ثابت لا إرادة حماس ولا إرادة فتح قادرة على التهرب من استحقاقه الدموي ربما، فحالة التعايش بين البرامج السياسية عاشها الشعب الفلسطيني في فترة انتفاضة الأقصى كمرحلة ليس أكثر وهذه المرحلة انتهت الآن، كما انتهت من قبلها حالة محاولات فرض برنامج التسوية على كل الساحة الفلسطينية بقيادة فتح، واستخدمت في هذه المرحلة كل أساليب الفرض على الطرف الآخر الذي مثلته حماس وغيرها من اعتقال وإبعاد واغتيال ومصادرة وملاحقة وتفاوض وتفاهم على جزئيات في أحيان كثيرة.

وبحكم قوة تيار التسوية في بدايته (حتى شعبياً) كانت حالة الصدام المباشر مستبعدة إلى أن جاءت انتفاضة الأقصى على إثر فشل برنامج التسوية في تحقيق أدنى المطالب، حينها دخلت الساحة الفلسطينية مرحلة جديدة اتسمت بالتعايش بين البرامج السياسية بعد أن انفضت القاعدة الشعبية عن قيادة التسوية المتمثلة بفتح وصعود التيار الإسلامي المقاوم بقوة بقيادة حماس بحكم العطاء الميداني لهذه الحركة التي شكلت أكبر قاعدة جماهيرية لها منذ انطلاقتها عام 1987، وهذه المرحلة استمرت حتى فوز حماس في الانتخابات التشريعية قبل حسم غزة عسكرياً ومحاولتها أن تبدأ عملية تغيير جذرية فقدت معها حركة فتح التي احتكرت هذه الساحة لسنوات طويلة صوابها وحيويتها بفعل عدة عوامل أهمها: فقدانها للقيادة التاريخية الكاريزمية القادرة على استنهاض شيء من تاريخها لتحافظ على بقائها بوفاة الرئيس عرفات وعجز خلفه عن تغطية ولو جزء يسير من الفراغ الحاصل، فضلاً عن ظهور تراكمات واختلاطات المفاسد والمصالح الشخصية لقيادات فتح والسلطة بعد استلام حماس للحكومة العاشرة وما ظهر من أهوال الفساد الإداري.

كل هذه كانت عوامل قوية دفعت بهذه القيادات الخاسرة والتي كانت لا تزال تمسك ببعض المفاصل السلطوية أن تقرأ الفاتحة على مرحلة تعايش البرامج، وأن تبدأ المرحلة الجديدة لاسترجاع مكتسباتها السالفة بشكل أكثر حدة وعنفوانا بعد أن خسرت كل شيء وعدم خوفها من أي خسران قادم لعدم وجود شيء تخسره في هذه المرحلة أصلاً.

والذي حدث في غزة تكلم به وحلله الكثيرون ببعده الميداني الآني، فمنهم من اعتبره خطأ حماس القاتل، ومنهم من أبدى ارتياحه في القضاء على الأجهزة الأمنية، ومنهم من اعتبرها خطوة متسرعة، وكل هذه التوصيفات قد يكون لها مكان من الموضوعية لكن بمفهوم التوصيف الآني لحدث بعينه، أما استراتيجياً فلم يكن حسم غزة عسكرياً وما نتج عنه من صراع سياسي وإعلامي إلا القانون الموضوعي لما سبق عملية الحسم من تراكمات بدأت منذ أوسلو حرباً باردة وصلت إلى درجة الغليان بفوز حماس الساحق في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وما تبع هذا الفوز من تشكيل للحكومة واستلام حماس للقرار الحكومي.

أما وقد دخل الشعب الفلسطيني هذه المرحلة الحساسة والدقيقة، فلا بد من الفهم أنها ليست كالمراحل السابقة، فهذه اليوم عبارة عن مرحلة انتقالية لا يمكن أن تمر دون أن تترك أثراً تاريخياً له تداعياته المستقبلية، لأنها مرحلة تتسم بالتمايز الواضح بين البرامج، إن لم يكن بفعل سلوك أصحاب هذه البرامج على الأرض، فهي برامج واضحة التوجه بحكم تحالفاتها الإقليمية والدولية، لذا المرحلة القادمة مفتوحة على كل الاحتمالات، وقد يكون مؤتمر بوش في الخريف القادم نقطة تحول سلبية في المنطقة في حال نجاحه، ومن الممكن أن يكون نقطة تحول إيجابية في حال نجاحنا في إدارة فشله، وهذا كله متوقف على إرادة فلسطينية ليس من حماس وحسب وإنما من كل القوى السياسية الفلسطينية خصوصاً التي لم يتضح موقفها حتى الآن، لأنه من الواضح أن الساحة الفلسطينية الآن تقارب الساحة اللبنانية أواخر الحرب الأهلية من حيث اختفاء الألوان الرمادية واقتصار الساحة على الأبيض والأسود، كما أنه متوقف على قدرة عربية لبعض الممانعين في استغلال ظروف أمريكا السيئة في المنطقة لإفشال مؤتمر بوش.

* الأمين العام لتجمع العودة الفلسطيني (واجب)

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...