الأحد 03/نوفمبر/2024

مواجهات مخيم نهر البارد

عمر نجيب

منذ انتهاء حرب ال34 يوما بين حزب الله اللبناني والقوات الإسرائيلية في صيف سنة 2006 بانكسار المخطط الصهيوأمريكي وانتكاس القوة العسكرية الإسرائيلية، عرفت بلاد الأرز هزات سياسية وأمنية خطيرة كانت في مجملها نتاج صراع بين هؤلاء الذين يريدون ان يحققوا لإسرائيل الأهداف التي فشلت في تحقيقها بالحرب وهؤلاء الذين كبدوا تل ابيب أحد أسوأ النكسات منذ زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية.

فعلى الصعيد السياسي اختارت الحكومة اللبنانية برئاسة السنيورة الانحياز للأطروحات الأمريكية خاصة ما يتعلق بنزع سلاح حزب الله وتجريد المخيمات الفلسطينية من أجهزة الدفاع عنها والعمل على عزل ما سمي بقوى الممانعة بقيادة حزب الله وإقامة المحكمة الدولية حول اغتيال الحريري في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، هذه الاختيارات وغيرها خلقت أزمة حكومية وسياسية خطيرة، وبموزاة مع ذلك نفذت عمليات اغتيال ذات خلفيات سياسية وجرت تحرشات عسكرية ضد قوى الممانعة، وتدفق السلاح على القوى اللبنانية المناهضة لحزب الله وسعت القوى الغربية وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا إلى إضعاف حزب الله عسكريا حتى لا يقوى مرة أخرى على ردع إسرائيل.

على هذه الخلفية يجب النظر إلى الأحداث الدامية التي تعرفها مدينة طرابلس في شمال لبنان حيث بدأت المواجهات المسلحة يوم السبت 19 مايو عندما استهدف فرع بنك البحر المتوسط فى أميون “الكورة” فى شمال لبنان، بعملية سلب وسطو مسلح. القوى الأمنية أكدت أن عناصر من تنظيم “فتح الإسلام” هي التي قامت بالسطو بعد ذلك تتالت الأحداث بمواجهات مسلحة أمتد لهيبها بسرعة إلى مخيم نهر البارد حيث توجد غالبية وحدات فتح الإسلام والمقدرة ب200 مسلح وسط حوالي 40 الف لاجئ فلسطيني. بعد أيام من القتال الذي ذهب ضحيته أكثر من 61 قتيلا من أفراد الجيش اللبناني وسكان المخيم تم وقف إطلاق النار واضطر آلاف الفلسطينيين إلى الرحيل، في حين بقيت الأوضاع مرشحة للانفجار في أي لحظة.

معركة نهر البارد وفرت للقوى المناهضة لحزب الله وللفلسطينيين فرصة جديدة لتنفيذ مخططاتهم، فتم توجيه الاتهامات إلى سوريا بأنها وراء الفتنة الجديدة ومعها الفصائل الفلسطينية، وجرت محاولات لإشعال معارك حول كل المخيمات التي تضم 400 ألف لاجئ فلسطيني. في نفس الوقت طرحت من جديد فكرة نقل الفلسطينيين من لبنان الى دول عربية اخرى في نطاق المخطط الأوسع لتشريد الفلسطينيين وحرمانهم من فرصة العودة الى وطنهم، وكذلك لحرمان حزب الله من سند قوي على الساحة الداخلية. الولايات المتحدة رحبت بحرب الجيش اللبناني على مخيم نهر البارد وسعى الرئيس الأمريكي بوش الى ربط سوريا بالمشكل الجديد في حين اشار ملاحظون الى ان واشنطن تستعد لطرح قرار جديد أمام مجلس الأمن بهدف وضع قوات دولية على الحدود بين سوريا ولبنان لإكمال حصار حزب الله ونزع سلاح المخيمات.

جسر جوي أمريكي وتحرك الأسطول الفرنسي

واشنطن وللعمل على تأجيج نيران الأزمة الجديدة في لبنان قامت بإقامة جسر جوي كبير لنقل السلاح الى الجيش اللبناني وفي مؤشر لدعم لافت، بدأت الإمدادات العسكرية الطارئة من الجيش الامريكي تصل الى بيروت على متن طائرات سلاح الجو بعد أن بقيت مقطوعة لسنوات طويلة.

ووصلت الجمعة طائرتان عسكريتان امريكيتان آتيتـــان من مصر وتصل تباعا طائرات أخرى من دول عربيـــة توجد فيها مستودعات للأسلحة الأمريكية أو تتوافر فيها أنواع الذخيرة التي طلبها الجيش اللبنـــاني لدى هذه الجيوش العربية مثل الأردن. وكانت قد وصلت مساء الخميس اول طائرة عسكرية امريكية من الكويت محملة بالذخائر. وعلم أن الجيش طلب تزويده بقذائف لدباباته من طراز أم 48 ومناظير ليلية بعد ادعاءات بأن عناصر فتح الإسلام يملكون مثل هذه المناظير.

فرنسا بدورها دخلت في عملية تزكية التصعيد حيث صرح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بعد لقائه وزير الدفاع اللبناني الياس المر الذي زاره في منزله واستعرض معه الوضع السياسي بنتائجه واحتمالاته وجهوزية الجيش اللبناني، “يعلم وزير الدفاع انه يمكن ان يعتمد على فرنسا، كما يعلم انه يستطيع ان يعتمد أيضا على دعم وزارتي الخارجية والدفاع الفرنسيتين، وكذلك على الحكومة الفرنسية، علما ان العلاقة مع الجيش اللبناني تعود الى زمن بعيد وهي مبنية على أساس تجهيز الجـــيش وبنائه وإعادة تأهيله وتدريبه. إنها علاقـــات وثيقة خاصة وقوية وتنسيقية دائمة، وسوف نستجيب لكل طلبات الجيش اللبناني الذي يعرف دوره ويقوم بتأديته على أكمل وجه لحفظ الأمن والنظام على كامل الأراضي اللبنانية”.

وأيد كوشنر بقوة الحل العسكري في مخيم نهر البارد وقال ليس انا وحدي وفرنسا، انما المجتمع الدولي يدعم استتباب الامن على كامل الاراضي اللبنانية وبواسطة قوات الدولة الذاتية وحدها. في الوقت الذي كان كوشنير يجتمع مع المر تحركت سفن البحرية الفرنسية من سواحل جنوب لبنان الى الشمال والوسط مقابل مدينتي طرابلس وبيروت وكثف الطيران الفرنسي طلعاته في المنطقة التي يوجد بها مئات الجنود الفرنسيين ضمن قوات الأمم المتحدة.

 حكومة السنيورة حاولت ألا تربط الإمدادات العسكرية الغربية بالوضع في شمال البلاد وقالت ان المعونات العسكرية مقررة منذ مدة غير ان هذا الكلام لم ينطل على الغالبية خاصة وأن واشنطن نفسها اعترفت ان السلاح ارسل على عجل بسبب الوضع في مدينة طرابلس.

الأمر الذي يجب تسجيله هو ان معركة النهر البارد جاءت بعد أيام من زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية ديفيد ولش إلى بيروت، واجتماعه بقيادات سياسية مختلفة، بالإضافة إلى قائد الجيش اللبنانى العماد سليمان، حيث نقل عنه تخوفه من أحداث أمنية مقبلة على لبنان بسبب تطورات إقرار المحكمة الدولية وتحذيره للبنانيين من استمرار ما اسماه تهريب السلاح من سوريا الى حزب الله وقوى أخرى في لبنان.

من جانبه ولاستكمال المؤامرة ركز فريق الأكثرية المؤيد لحكومة السنيورة، على وجود ترابط بين أحداث طرابلس ومخيم نهر البارد وبين اقتراب موعد إقرار المحكمة الدولية فى مجلس الأمن وفق الفصل السابع، وبالتالى توجيه أصابع الاتهام إلى سوريا وحزب الله والقوى المعارضة لحكومة السنيورة.

حزب الله يحدد الخطوط الحمراء

من جانبه كان حزب الله واضحا في معالجته للأزمة التي تفجرت في طرابلس، حيث أدان الهجوم على الجيش اللبناني وطالب بالتحقيق في المسؤوليات لكشف الحقائق، ولكنه رفض أسلوب المعالجة الأمنية وصرح الأمين العام للحزب نصر الله إن الجيش خط أحمر والمخيم خط أحمر ودعا الى وقف القتال وعدم توريط الجيش في هذه المعركة وحذر من أن يخوض لبنان حربا بالنيابة عن الأمريكيين الذين اتهمهم بأنهم وراء إرسال المسلحين إلى لبنان.

وحذر نصر الله من اقتحام المخيم عسكريا للقضاء على تنظيم فتح الإسلام وقال : “إن اي خطوة من هذا النوع ستكون تضحية بالجيش اللبناني والشعب الفلسطيني ولبنان “. وأضاف “إن دخول الجيش اللبناني الى المخيم سيواجه بتعقيدات شديدة “، مضيفا أنه يرفض “تغطية حرب مخيمات جديدة” محذرا مما أسماه الذهاب الى الفتنة.

وألمح نصر الله إلى أن قوى في السلطة اللبنانية أجرت اتصالات مع فتح الإسلام وربما أمدتها بالنقود، ودعا الى تشكيل لجنة تحقيق في الأحداث التي جرت منذ الأحد الماضي قائلا : “إن الكثير من الأسئلة تطرح حول هذه الأحداث”. وحذر نصر الله من “التدخل الأمريكي” في إشارة إلى المساعدات العسكرية الأمريكية إلى الجيش اللبناني ووصف هذا التدخل بـ”الخطر”. وقال “إن لبنان لا يجب أن يكون جزءا من الحرب الأمريكية ضد القاعدة”.

واعتبر أمين عام حزب الله أن أحداث الشمال يمكن أن ‏تعالج سياسيا وأمنيا وقضائيا، والحل يكون بتأليف حكومة إنقاذ وطني تتمثل فيها كل ‏الأطراف، لذلك فلنشكل حكومة طوارئ وهي تصبح طاولة الحوار الوطني الدائمة، وكل ما يقر ‏على طاولة الحوار تقوم هذه الحكومة بوضع آليات تنفيذ ثم يتم إقراره ويعمل على تنفيذه، مشير إلى أن الجيـش خـط احـمر والمخيـمات وسـكـان المخيمات الفلسطينية خط ‏احمر.

حكومة السنيورة وأنصارها وفي مقدمتهم سمير جعجع وجنبلاط يسعون لاستغلال تحفظات حزب الله والكثير من الفصائل الفلسطينية خاصة حول اجتياح المخيم لاستعداء الجيش اللبناني على حزب الله والفلسطينيين، وذلك في نطاق أوسع للتخلص من خصومهم في لبنان وإعادة رسم خريطته السياسية على القياس الأمريكي وهو الأمر الذي عجزت عنه إسرائيل في حرب ال34 يوم صيف سنة 2006.

وسط هذه العاصفة تعمل القوى الوطنية في لبنان بالتعاون مع القيادات الفلسطينية على منع تمدد رقعة الانهيار الأمني الذى يقوم على أنقاض انهيار سياسي في البلاد ناتج عن صراعات داخلية، ترتبط هي الأخرى بصراعات إقليمية ودولية تمتد من فلسطين إلى العراق وإيران وصولا إلى أفغانستان.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات