الأربعاء 14/مايو/2025

أسر جنود الاحتلال .. السبيل الأمثل لتخليص الأحرار من قبضة سجانيهم

أسر جنود الاحتلال .. السبيل الأمثل لتخليص الأحرار من قبضة سجانيهم
“ليس أمام الاحتلال من سبيل لإطلاق سراح الجندي (الصهيوني جلعاد) شاليط، سوى الاستجابة لمطالب شعبنا المتمثلة بإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين” هذا ما ورد في سياق تصريح صحفي لقيادي بارز في حركة “حماس”، متزامنا مع فعاليات التضامن مع الأسرى التي ما زالت متواصلة، ومؤكداً بكل ثقة على السبيل الوحيد المتاح أمام الكيان الصهيوني لاستعادة جنديه، مع رفض أية خيارات أخرى.

ومن الواضح أنّ فعاليات التضامن التي يكرسها الفلسطينيون من أجل حرية الأسرى الذين يقبعون وراء قضبان سجون الاحتلال، والذين يقدر عددهم بحوالي أحد عشر ألف أسير، ونصرة قضيتهم العادلة؛ جاءت هذا العام مختلفة عن أعوام خلت، لا سيما في عيون المعتقلين وأسرهم وذويهم، مع تواتر الأنباء عن حصول تقدم على مسار المفاوضات، ودخولها مراحل متقدمة من النقاش والبحث وصلت حد وصول القوائم التي قدمتها فصائل المقاومة بأسماء الأسرى التي تريد الإفراج عنهم إلى الكيان الصهيوني، عن طريق الوسيط المصري، مقابل إطلاق سراح شاليط.

                                    انتصار تاريخي للمقاومة

لقد اعتُبر أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط انتصاراً تاريخياً للمقاومة، فهي المرة الأولى التي تنجح فيها عملية من هذا النوع داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، ويتم فيها الحفاظ على هذا المكسب بعد مضي حوالي عشرة أشهر على الأسر، ويُجبَر الكيان الصهيوني كنتيجة لها على الدخول في عملية تفاوضية لإطلاق سراح المحتجزين الفلسطينيين في سجونه، رغم رفضه لذلك في بداية الأمر.

ولا شكّ أنّ قضية الأسرى هي مسألة مركزية في صلب الحياة السياسية الفلسطينية والعربية، وهي جزء من إفرازات عملية النضال في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وحتى الآن. وطالما أنّ هناك فعلاً مقاوماً للاحتلال، سواء كان سياسياً أم عسكرياً؛ فإنّ الاعتقال على يد الاحتلال كان عبر أكثر من خمسة عقود خلت وإلى الآن له بالمرصاد، عقوبة للناشطين في هذا المجال، ومحاولة لردع الآخرين عن الاقتراب من هذه المساحة “المحظورة” من وجهة نظر الصهاينة. من هنا كان من واجب السلطة والحكومة الفلسطينيتين، والحكومات العربية والإسلامية، وفصائل المقاومة، وكل المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية والأممية في العالم، طرق جميع الأبواب، وبذل كل الجهود، من أجل تحريرهم، والضغط بكافة السبل على الحكومة الصهيونية لإطلاق سراحهم، كما يرى الفلسطينيون المنشغلون بملف الأسرى.

                                   ضغوط الجمهور الصهيوني

لأكثر من سبب؛ كانت الجهود العربية والدولية، الرسمية أو الشعبية، أو مطالبات المنظمات الحقوقية والإنسانية، على المستويات الإقليمية والأممية، المتعلقة بالدفاع عن شريحة المعتقلين الفلسطينيين تاريخياً؛ ضعيفة التأثير، محدودة الجدوى، لم تستطع ممارسة ضغوط فعلية على الكيان الصهيوني لتغيير طريقة تعامله اللا إنسانية، والمخالفة للاتفاقيات والقوانين الدولية، ووقف ممارساته اللا أخلاقية ضد الأسرى، من تعذيب وقمع وإهانة وعزل، فضلاً عن إطلاق سراحهم، طالما أنهم يمارسون مقاومة مشروعة ضد الاحتلال. وقد تبيّن أنّ الطريقة الأكثر نجاعة وتأثيرا، هي طريقة أسر جنود صهاينة، ومبادلتهم بمعتقلين فلسطينيين، عبر وساطات عربية ودولية (طرف ثالث)، والتي أبدعت فيها المقاومة الفلسطينية واللبنانية (حزب الله ومن قبل الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة).

وبعد أن تمّ أسر شاليط؛ توعد القادة الأمنيون والعسكريون الصهاينة بأنه سيتم إجبار حركات المقاومة على إطلاق سراحه بالقوة، وقاموا بشن العملية العسكرية التي أطلق عليها “أمطار الصيف”، والتي سقط فيها المئات من المقاومين والمدنيين، وجرح فيها الآلاف وتم تدمير المنازل، ثم قاموا باختطاف العشرات من النواب والوزراء. وقد كان الحصاد المرّ الذي آل إليه القادة الصهاينة أنهم اكتشفوا أنّ هذه العمليات لم تساهم إلاّ في تعقيد أمور الإفراج عن جنديهم المأسور، ثم جرّبوا استعادته عن طريق الضغوط (الفلسطينية والعربية والدولية)، إلى أن اقتنعوا في نهاية المطاف بأنّ شاليط لن يُطلق سراحه إلاّ ضمن المسار السياسي الذي ينتهي بعقد صفقة تبادل أسرى.

وقد سبق ذلك الاستنتاج المتأخر لدى قادة الاحتلال؛ ضغوط الشارع الصهيوني على حكومته من خلال المسيرات والمظاهرات ومقالات الكتاب والصحفيين، التي شدّدت في مجموعها على أنّ أي استثمار تقوم به الحكومة الصهيونية في العمليات العسكرية هو تضييع للوقت ويهدد حياة الجندي الأسير.

                                التنازلات التدريجية للاحتلال

وعلى هذا الأساس بدت الفصائل الفلسطينية المقاوِمة التي تأسر شاليط مطمئنة إلى أنّ عنصر الزمن يعمل لصالحها، وأكدت أنها لن تطلقه ما لم تستجب الحكومة الصهيونية لمطالبها. وفي السياق ذاته؛ قلّلت المقاومة الفلسطينية من الرفض الصهيوني لقائمة الأسرى المطلوب الإفراج عنهم، كشرط لا بد منه لإطلاق شاليط.
وفي هذا الصدد؛ لفتت حركة “حماس” على لسان عضو مكتبها السياسي عزت الرشق، الانتباه إلى أنّ “الحكومة الصهيونية في أعقاب عملية الأسر كانت ترفض رفضاً قاطعاً مبدأ المبادلة، ثم بدأت بالتنازل تدريجياً عن موقفها هذا، نتيجة لصمود شعبنا والتفافه حول المطالب العادلة بالإفراج عن الأسرى والمعتقلين”. 

ورغم الضريبة التي دفعها الشعب الفلسطيني بعد أسر الجندي الصهيوني شاليط وتحديدا في عملية “أمطار الصيف” ضمن سياسة عقابية منهجية اتبعتها حكومة الاحتلال وقواتها الحربية؛ فقد أيدت استطلاعات الرأي في الضفة والقطاع، وبأغلبية كبيرة، عمليات أسر جنود صهاينة. ويُستدلّ من تلك الاستطلاعات أنّ الفلسطينيين يعتبرون تل العمليات إسهاماً كبيراً يستحق التقدير ويخدم المصلحة الوطنية، وذلك لأنها استطاعت ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي على أقل تقدير، فرض أجندة جديدة على الصراع مع الصهاينة، وأعادت الاعتبار للأسير الفلسطيني ولقيمته الإنسانية، كما عرت المفاوض السياسي الضعيف أمام الدولة العبرية بسبب استجداء “أوسلو” أو يسمى باتفاقيات التسوية الهزيلة.

                                   ورطـة الاحتــلال

ورغم اضطرار الكيان الصهيوني للقبول بالتفاوض، لإطلاق سراح جنوده الأسرى، فإنه يشعر بثقل وطأة العمليات العسكرية التي تنفذها الفصائل المقاومة، على هيبته المزعومة.
 
وينبع ذلك العبء الثقيل على كاهل القادة الصهاينة من حقيقة أنّ عمليات الأسر تفتح نافذة الأمل للأسرى، لاسيما أصحاب المؤبدات والأحكام الكبيرة، ولذويهم، بإمكانية الإفراج عنهم، خاصة وأنّ المقاومة تستطيع إملاء الإفراج عن شخصيات قيادية ورموز معينة بأسمائها، وتصر عليها كشرط لإطلاق المحتجز أو المحتجزين لديها.

ويلحق بذلك بُعد آخر، فإذا كانت ضريبة العمل المقاوم للفلسطينيين قد تكون الاعتقال والسجن، على يد قوات الاحتلال؛ فإنّ السلاح نفسه (أسر جنود صهاينة) قد يكون أكثر الأساليب نجاعة، لاستعادة حرية هؤلاء الأسرى رغم أنف العدو الصهيوني.

ولا شكّ أيضاً أنّ هذه العمليات تمنح الشباب الفلسطيني دافعية لخوض غمار مقاومة المحتل، طالما أنّ هناك من يخلصه من الأسر، فيما لو وقع في قبضة المحتل.

وفوق ذلك؛ فإنّ حكومة الاحتلال تجد نفسها مضطرة كرهاً للرضوخ لفصائل المقاومة، والتعاطي مع مطالبها، والتفاوض معها، وإن من خلال طرف ثالث. ويدرك القادة الصهاينة أنّ مثل ذلك يرفع من رصيد الفصائل المقاومة الآسرة لجنودهم، ويزيد من شعبيتها لدى الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم، ويؤثر سلباً على سمعة الكيان الصهيوني وصورة جيشه ومخابراته.

وفي كل الأحوال؛ تشعر المؤسسة الاحتلالية أنها في ورطة حقيقية، لأنّ استجابتها لشروط الفصائل الآسرة يعني ضمناً تشجيعها على تكرار مثل هذه العمليات، لتحقيق مزيد من مكاسبها الوطنية، لكنّ الاحتلال لا يملك في الواقع سوى الرضوخ صاغراً.

                              رسالة تحذيرية من “حمـاس”

حتى لو ماطل العدو الصهيوني في تنفيذ صفقات تبادل الأسرى مع المقاومة، ومارس الخداع لبعض الوقت أمام العالم؛ فإنّ زمام المبادرة يظل بيد المقاومة لا بيده، من خلال تنفيذ مزيد من عمليات الأسر من جنود الاحتلال، وعندها سيجد الصهاينة أنه لا مناص من القبول بشروط المقاومة، المتسلحة بأوراق تضغط على اليد التي تؤلم، وهو بالتحديد ما دعت إليه حركة “حماس” واستنفرت من أجله مجدداً جميع فصائل المقاومة، بهدف الإفراج عن الأسرى، بعد أن وصلت الأساليب الدبلوماسية والاتفاقات الهزيلة في الإفراج عنهم، إلى طريق مسدود.

ويرى مراقبون أنّ هذه الرسالة التحذيرية من “حماس” ستُؤخَذ على محمل الجدّ من طرف الصهاينة، الذين يُفترَض أن يراجعوا مماطلتهم في الاستجابة لمطالب المقاومة، لأنها قد تفتح عليهم باباً أوسع لعمليات أسر أخرى، قد تجهز على ما تبقى من الشعبية المتدنية لحكومة الاحتلال بزعامة إيهود أولمرت.

وبالتالي؛ فإنّ رضوخ الاحتلال للإفراج عن دفعة مهمة من السجناء الفلسطينيين، في سجون الاحتلال، في فترة ليست ببعيدة؛ تظلّ فرصتها برأي المراقبين كبيرة على الأرجح، ومسألة وقت ليس إلا، وتبقى تلك أجمل بشرى يمكن أن تزف للمعتقلين المصابرين وأسرهم الممتدة على مساحات الوطن المحتل.  

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...