عاجل

الجمعة 27/سبتمبر/2024

أم محمد أبو خليفة بنت شهيد وأم لشهيد وأربعة أسرى في سجون الاحتلال

أم محمد أبو خليفة بنت شهيد وأم لشهيد وأربعة أسرى في سجون الاحتلال
“استشهد والدي وأنا بنت سنة واحدة”.. بهذه الكلمات استهلت “أم محمد أبو خليفة” الحديث عن المعاناة التي لازمتها منذ طفولتها وحتى الآن، إذ عاشت يتيمة الأب الذي استشهد إبان “ثورة 1936″، ولا زالت تعاني من ويلات الاحتلال، رغم تقدم سنها، فهي أم لشهيد (محمود)، ولأربعة أسرى، يقبعون في سجون الاحتلال، بعد أن اغتال الصهاينة أحلام مستقبلهم الجميل، وهم في مقتبل العمر، وحرمهم من أبنائهم الصغار وزوجاتهم، وقبل ذلك وبعده حرمهم من حقهم في العيش بحرية وكرامة.

“أم محمد” التي أنجبت خمسة ذكور وبنت واحدة، تتلفت حولها فلا تجد أحدا من فلذات كبدها، وهي أحوج ما تكون إليهم، بعد أن تقدم بها العمر، وأورثتها المعاناة مع الاحتلال جملة من الأمراض، منها “ضغط الدم” الذي أتلف شبكية عينها.

                                                   مداهمة واقتحام

من بيتها في “مخيم جنين”، شمالي الضفة الغربية، حكت لنا قصة معاناتها ومعاناة عائلتها، التي لا تزال فصولها متواصلة، بقولها: منذ سنوات الانتفاضة الأولى، وتحديدا منذ عام 1992 والأسرة تتعرض لجرائم الاحتلال البغيض، واحدة تلوى الأخرى، فمن مداهمة واقتحام المنزل وتفتيشه أكثر من مرة، إلى تدميره بالطائرات أيام الاجتياح العسكري الصهيوني للمخيم، إلى القيام بتخريبه، ومصادرة بعض محتوياته أثناء عمليات المداهمة.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد إذ قام جنود الاحتلال باختطاف ابنها البكر “محمد”، ولم يتجاوز عمره آنذاك ثلاثة عشر عاما، أثناء مشاركته في تصعيد جماهيري احتجاجي قادته حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، عندما كانت “انتفاضة الحجارة” في أوج نشاطها كما قالت، مشيرة إلى أن الجنود الصهاينة قاموا بإطلاق الأعيرة النارية عليه، دون أن يصيبوه، ولكنهم استطاعوا القبض عليه، واقتادوه إلى “مركز جنين العسكري”.

وتتابع “أم محمد” وهي تتذكر ما عانتها طويلا مع الاحتلال بالقول: عندما علمت بالخبر أصبت بارتفاع ضغط كبير في الدم، أدى إلى إتلاف شبكية عيني، وقد بقي “محمد” عندهم حتى مساء ذلك اليوم، ثم أفرجوا عنه لصغر سنه، ولكنهم قالوا له عندما تحصل على “الهوية الشخصية” سنقوم باعتقالك.

                                               اعتقالات متوالية

وتنفيذا لأوامر الاحتلال تم اعتقال “محمد” بالفعل، بعد حصوله على الهوية بيومين، إذ كان في السادسة عشر من العمر، وهنا تبدأ معاناة “أم محمد” باعتقال أبنائها واحدا بعد الآخر، وهي معاناة لم تنته بعد كما تقول، فقد أمضى “محمد” في السجن 10 شهور ثم أفرج عنه، واعتقل مرة أخرى في سن السابعة عشر مع شقيقه الأصغر أحمد (16عاما)، فتم الحكم عليه بعشر سنوات، كان ذلك قبل عرسه بيوم واحد، إذ أردنا تزويجه في عمر مبكر.

وتواصل أم محمد سرد فصول المعاناة قائلة: بعد الاستئناف الذي تقدم به محاموه، تم تخفيض الحكم الصادر بحقه إلى ست سنوات.، أما شقيقه أحمد فتم الحكم عليه بتسعة  شهور ثم أفرج عنه.

بعد الإفراج عن “محمد” قامت أسرته بتزويجه، إلا أن قوات الاحتلال لم تعطه الفرصة ليفرح بزواجه، فاعتقلته هو وشقيقه “أحمد” مرة أخرى في العام 2000، عندما كانا ذاهبين للمشاركة في حفلة زواج أحد أصدقائهما، في إحدى قرى جنين، فتم الحكم عليه بست سنوات، وعلى شقيقه أحمد بثلاث سنوات. وقد أمضى محمد خمس سنوات من مدة محكوميته، وأفرج عنه في عملية تبادل بين “حزب الله” وسلطات الاحتلال في عام 2004، أما أحمد فأمضى محكوميته كاملة حتى تم الإفراج عنه.

وتتواصل معاناة “أم محمد أبو خليفة” وتستمر الاعتقالات، وتشتد المعاناة، وتدخل في مرحلة أخرى أشد وطأة، خاصة بعد زواج الأبناء، وازدياد حجم المسئولية، فبعد أن كان كل واحد منهم مسؤول عن نفسه، صار لكل شخص منهم زوجة وأبناء، يتقاسمون المعاناة مع الأم، التي لا زالت تثقل كاهلها هموم تعاظمت وكبرت حتى أرقتها.

وتوثق “أم محمد” لاعتقال أولادها باليوم والشهر والسنة، وتستحضر من ذاكرتها أماكن احتجازهم بقولها: رجب (23 عاما) اعتقل في 1/7/2003م أي بعد 39 يوما من زواجه، وقد حكم عليه بالسجن 10 سنوات، ويقبع حاليا في سجن “بئر السبع”. أما المعتقل إبراهيم (25 عاما) فهو غير متزوج، وقد اعتقلته قوات الاحتلال في تاريخ 21/11/2003م، وحولته المخابرات الصهيونية إلى الاعتقال الإداري لمدة 6 شهور، ومن ثم جددت له 4 شهور أخرى، وإمعانا في العقاب تم تحويل ملفه الإداري إلى قضية، فحكم عليه بالسجن 7 سنوات ونصف السنة، ويقبع حاليا في سجن “الدامون”.

وفيما يتعلق بأحمد (30 عاما) فقد اعتقل بتاريخ 31/10/2006م بعد أن استشهد شقيقه، وكان قبل اعتقاله على قائمة المطلوبين لقوات الاحتلال، ويقبع حاليا في سجن “مجدو”، ولم يتم الحكم عليه بعد، وقد ولد له طفل وهو في السجن، وأخيرا اعتقل الابن البكر محمد (31 عاما) مرة أخرى بتاريخ 22/2/2007م، وهو الآن يقبع في زنازين التحقيق في سجن “الجلمة”، وقد اعتقلته قوات الاحتلال أثناء مداهمة منزله في المخيم، حيث اقتادته إلى السجن حافي القدمين.

                                                     الابن الشهيد

وتنتقل أم محمد من حديثها عن أبنائها المعتقلين إلى الحديث عن ابنها الشهيد محمود اسعد أبو خليفة ( 24 عاما)، فتحكي قصته والدموع تنساب على وجنتيها قائلة: لقد مزقت الصواريخ جسده الطاهر، في عملية نفذتها طائرات الاحتلال، عندما اغتالته بالقرب من بلدية جنين بتاريخ 13/9/2004. وتضيف بحزن وألم مشوبين بفخر “لم يكن ابني من طلاب الدنيا، ولكنه كان يطمع بالشهادة في سبيل الله والجنة، ويمني نفسه بالحور العين التي تنتظره، وكانت وصيته لي بأن أضع المصحف الشريف تحت رأسه، وأن أزغرد عند سماعي نبأ استشهاده”.

ورغم صعوبة تلك اللحظات، وما يحيط بها من حزن وألم، فقد نفذت “أم محمد” وصية ابنها الشهيد، وأطلقت زغرودة في يوم وداعه الأخير، وكان مشهدا يعجز اللسان عن وصف تفاصيله المؤلمة. 

                                                   منع الزيارات

منذ اعتقال أبنائها و”أم محمد” ممنوعة من زيارتهم، ولم يسمح لها بذلك إلا في الشهر الماضي. ورغم آلامها ومرضها إلا أن ذلك لم يعقها عن تحمل عنت الزيارات، التي تتعمد سلطات سجون الاحتلال الإمعان فيها، إذلالا للسجناء وأسرهم.

وتقول “أم محمد” إن الزيارة تشكل الهاجس الأكبر بالنسبة لأهل المعتقلين، الذي يمضون أوقاتا طويلة للوصول إلى السجون، إضافة إلى ما يلاقونه من إذلال، أثناء عمليات التفتيش المتكررة، وبالأخص بالنسبة للنساء، اللاتي يجبرن على خلع جلابيبهن، أثناء التفتيش أمام الجنود والزوار.

وتقول “حاول جنود العدو إجباري على خلع جلبابي، ولكني رفضت ذلك بشدة، دون أن يكون ذلك مثار استغراب أحد الضباط الصهاينة عندما علم أني من عائلة “أبو خليفة”. وأوضحت أن ما يزعج الأهل وأبناءهم الأسرى على حد سواء تعمد إدارة السجون إعادة الأغراض، التي يطلبها الأسرى ويحتاجونها، مما يساهم في زيادة الضغوط النفسية عليهم.

                                                    أمل ومناشدة

ولم تخف “أم محمد” شوقها إلى أبنائها الأسرى، معربة عن الأمل في تحقق أمانيها بالإفراج القريب عنهم وعن كل المعتقلين الفلسطينيين، لتفرح كل أم بمعانقة أبنائها، الذين حرمها الاحتلال من تكحيل عيونها برؤيتهم. ودعت أمهات الأسرى إلى التحلي بالصبر حتى يفرج الله كربهم، ويفك أسر أبنائهم، وناشدت كل الضمائر الحية الوقوف إلى جانب المحتجزين في السجون الصهيونية، والاهتمام بملفهم، والعمل الجاد للإفراج عنهم، وتفقد أحوالهم، لأن ذلك مما يشعرهم بالأمل.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات