الجمعة 19/أبريل/2024

العرب وتحدي الأقصى

العرب وتحدي الأقصى
صحيفة الدستور الأردنية
 
إذا كانت القدس مهوى أفئدة المؤمنين كافة..فإنها وحرمها القدسي تشكل محوراً ارتكازياً في التكوين الروحي الإيماني للمسلمين بمنطوق القرآن الكريم .إذ ارتبط الأقصى بمعجزة الإسراء غير المسبوقة وتعهد خليفة رسول الله بحماية أهلها والحفاظ على مقدساتهم في عهدة عمرية خالدة على مدى الأيام،، ولكن الأقصى و منذ سقوط القدس في براثن اليهود في عام 1967 بات في دائرة الاستهداف العدواني المكثف .. منذ اليوم الثالث للحرب (7 ـ 6 ـ 1967) قام الجنرال”موردخاي غور” بالاستيلاء على الحرم الشريف ..وصادرت السلطات الصهيونية مفاتيح باب المغاربة ولم تعدها حتى اليوم.. وفي التاسع من ذات شهر النكبة عطلت صلاة الجمعة في الحرم ، فكانت تلك أول مرة تتعطل فيها شعائر الصلاة منذ تحرير صلاح الدين للقدس من الصليبيين في عام 1187 ميلادي ، وتكررت حالات تعطيل الصلاة بعد ذلك .. ومنذ الاحتلال تتواصل الاعتداءات على القدس والمسجد الأقصى وتتنوع أساليبها ووسائلها الشيطانية وبوتيرة متصاعدة يوماً بعد يوم.. وكلها عمليات تستهدف إضعاف الوجود الإسلامي في القدس والقضاء على هويتها الإسلامية.. فكان الحريق من بين هذه الوسائل.

وجاءت جريمة إحراق المسجد الأقصى (في 21 آب 1969 ) أولى تلك المحاولات: فبلغت مساحة الجزء المحترق منه ( 1500 متر مربع ) من أصل المساحة الإجمالية البالغة ( 4400 متر مربع ) (أي ثلث مساحة المسجد الأقصى تقريباً).. ناهيك عن احتراق منبر صلاح الدين بالكامل،،
وتكررت محاولات نسف المسجد الأقصى التي بدأها الإرهابي الهالك الحاخام “مئير كاهانا في عام 1980. .. كما تكررت الاقتحامات المسلحة التي يقوم بها جنود الاحتلال ..يقتحمون الحرم فيطلقون النار على المصلين.. ويرتكبون المجازر بحقهم.. ولعل أبرزها المجزرة التي ارتكبتها القوات الصهيونية في ساحة الأقصى في (8 أكتوبر 1990) وأسفرت عن استشهاد أكثر من 20 شخصاً وجرح 115 آخرين. هذا بالإضافة إلى التخريب المنهجي للحرم القدسي المتمثل بعمليات الهدم والحفر التي بدأتها في أواخر عام 1967 .. ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.. وإزالة المباني الإسلامية والقصور الأموية المحاذية له.. يتم في النهاية الاستيلاء على المسجد الأقصى وإزالته وإنشاء الهيكل المزعوم مكانه،، فضلاً عن القيام بتصرفات استفزازية ومشينة لا تتناسب وقدسية المسجد الأقصى كمكان عبادة كلصق صورة القدس يتوسطها المسجد الأقصى وقبة الصخرة على زجاجات النبيذ… وإلقاء رأس خنزير في ساحاته .. واحتساء الخمر وتكسير الزجاجات داخل ساحاته .. واستغلال قبة الصخرة في حملة دعائية للسياحة في إسرائيل في إعلان نشرته وزارة السياحة الإسرائيلية،،

مقابل ذلك التخريب كله فإن سلطات الاحتلال فرضت حظراً على أعمال البناء والترميم في المسجد الأقصى.. وبينما يحث حاخامات اليهود الشباب على الصلاة في المسجد الأقصى ..تمنع سلطات الاحتلال بالمقابل الشبان العرب الذين تقل أعمارهم عن “35” سنة من الوصول إليه للصلاة.،، على هذا النهج التدميري نشطت الجماعات والمنظمات الإرهابية حتى بلغ عددها أربعا وعشرين منظمة .. جميعها تضم في صفوفها عناصر مؤهلة ومدربة على مختلف أنواع الأسلحة ومنها :غوش ايمونيم ، وأمناء الهيكل ، وحركة كاخ ، وبيتار ، وتسوميت ، وإلى ما هنالك.

الصهاينة ماضون في تدمير المسجد الأقصى : على أنه تتخلل هذه المسيرة جمله من المفارقات ربما من المفيد الإشارة إلى بعضها : “زعمت السلطات الصهيونية بأن الإرهابي “مايكل روهان” الذي أضرم النار في المسجد الأقصى في ( آب 1969 ـ ) مختل عقلياً ..في حين أن بلدية القدس قطعت الماء عن الحرم الشريف في ذلك اليوم حتى لا يستعمل في إطفاء الحريق: “كثيراً ما تتذرع السلطات الإسرائيلية بأن من يقومون بمحاولات نسف الأقصى لا يعدون بضعة أفراد من المهووسين والمختلين …في حين أن جميع المتفجرات التي كشفها حراس الحرم كانت من الأنواع المستخدمة في الجيش الإسرائيلي ، كما أن عدد ممن يلقى القبض عليهم هم من عناصر الجيش،،”

تتذرع إسرائيل بعدم ترخيص المباني والبيوت العربية لتهدمها .. في حين أنها تقوم بإزالة مبان أثرية قديمة تعود لعصور بعيدة في التاريخ وتقع تحت مظله اليونسكو في حماية التراث الإنساني،،
وفي الوقت الذي يحظر فيه على أي سلطة الاستيلاء على أوقاف أي طائفة دينية فإن إسرائيل لا تتورع عن الاستيلاء على أوقاف المسلمين مثل قيامها بالاستيلاء على منطقة “جبل أبي غنيم” الذي أوقفه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) للصحابي عياض بن غنيم فسمي الجبل بأبي غنيم نسبة إليه ، وما زال يحمل هذا الاسم.

ولعل من المفارقات المؤذية للتوازن النفسي الإنساني أنه في الوقت الذي تصرف فيه إسرائيل المليارات من الدولارات على تهويد مدينة القدس وباقي المناطق المحتلة.. يحاصر الشعب الفلسطيني ويجوع وتمنع عنه حتى المساعدات الإنسانية ،،

قامت السلطات الإسرائيلية بضرب واعتقال عدد من المحتجين على الحفريات الجارية في باب المغاربة (وفي مقدمتهم الشيخ رائد صلاح وعدد من زملائه من رموز الحركة الإسلامية في فلسطين) .. في الوقت نفسه قامت بعض السلطات الرسمية العربية باعتقال عدد من المحتجين على ذات الجريمة كذلك،،

وماذا بعد؟؟ ها هي إسرائيل ماضية في تقويض الأقصى .. والعرب – بارك الله فيهم – مستاؤون (جداً جداً ) ..أما الرئيس الفلسطيني فيرى بأن عمليات الهدم تمثل “تعسفاً لسلطات الاحتلال” ..(مما يعني أنها لم تصل إلى مرتبة “الحقيرة”)،، فهل نصدق التنديد الرسمي العربي ؟؟

فإذا كان النظام الرسمي العربي جاداً في غضبته .. فما عليه إلا أن يحترم موقف شعوب هذه الأمة المصابة بالمهانة والإحباط والإتيان بعمل جاد يتجاوز التنديد والشجب.. وإحباط هذه المؤامرة الصهيونية الدنيئة .. وهذا يعني أولاً وقبل كل شيء المسارعة إلى رفع كافة أشكال الحصار عن الشعب الفلسطيني وإسناد مقاومته بكافة وسائل الإسناد المادي والمعنوي والسياسي والإعلامي .. فالمقاومة الفلسطينية إنما تخوض معركة الدفاع عن شرف الأمة وعقيدتها.

ولعل أضعف حالات الإيمان في احترام مشاعر الأمة وإرادتها يتطلب”قطع جميع العلاقات مع إسرائيل وطرد سفرائها من الدول العربية والإسلامية ومنها الأردن .. فإن ما تقوم به إسرائيل يمثل خرقاً لما يسمى “معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية”.. كما أنه لمن الظلم أن تستمر هذه الأمة بإقامة العلاقات الحرام مع كيان يؤكد في كل لحظة عدوانيته وشذوذه ونشوزه،،

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات