المشهد الفلسطيني.. جوهر الأزمة وسبل الخروج منها!

بحق لأي متابع لشأننا الفلسطيني الداخلي وكل مطلع على جوهر المشكلة وحقيقة الأزمة التي تعصف بساحتنا الداخلية ألا يتفاءل كثيراً بقدرة اتفاق التهدئة الأخير على إنهاء الأزمة أو حتى الحد منها وتهيئة الأجواء لإنضاج فكرة التوافق الداخلي وصولاً إلى النجاح في تشكيل حكومة وحدة وطنية.
سمعنا خلال الأيام الفائتة عدداً كبيراً من الأصوات تنادي بالوحدة وتتحدث عن ضرورة العودة إلى مائدة الحوار لاستكمال ما تم التوصل إليه من إنجازات وفاقية وللبناء على الأسس التي سبق وأن التقت عليها جميع الأطراف.
وسمعنا إدانات طالت جميع القيادات الفلسطينية دون استثناء وحملتها مسؤولية التدهور دون الأخذ بعين الاعتبار حقيقة وجود تيار تخريبي داخل فتح يتحرك وفق أجندة مشبوهة ويعمل ما بوسعه لقطع الطريق على أية فرصة للاستقرار.
وغني عن القول من هو الطرف الداخلي المستفيد من إشغال الحكومة بقضية الفلتان والفوضى وإظهارها بمظهر العاجز عن توفير الأمن للمواطن، فالفوضى الداخلية هي جزء من الاستراتيجية الأميركية التي أوكلت مهمة تنفيذها لأدواتها في المنطقة وحلفائها في كل بلد فيها، وما كانت لتجود بذلك الدعم (السخي) مالاً وسلاحاً لولا ثقتها بأن تلك الأدوات ماضية في تنفيذ التزاماتها تجاه أمريكا وإسرائيل على حد سواء.
هذه الحقيقة التي غدت أوضح من فلق الصبح تغيب عن كثير من الناظرين للمشهد الفلسطيني من كتاب وإعلاميين يتملكهم الخوف ويحول بينهم وبين طرح الأمور على حقيقتها والإشارة بوضوح للفئة الباغية والمجرمة والدافعة دائماً نحو التصعيد.
والأمر ذاته ينطبق على بعض التنظيمات الصغيرة على الساحة الفلسطينية التي اختلط عليها الأمر واستغل بعضها ما يجري لإبراز نفسه ودوره (الوحدوي) وطبيعته (المتعقلة) وللغمز من قناة حماس وتصويرها متكالبة على (الكراسي) ومتصارعة على (السلطة).
وأحسب أنه لو كلف أي منصف نفسه البحث في حقيقة ما يدور على الساحة بتجرد واطلع على خلفية مجاهدي حماس وأبنائها الذين يجري استهدافهم لرأى بوضوح أنهم ممن يشكلون قوام جناحها العسكري وقيادتها الميدانية وأن معظمهم موجودن بالأساس على قوائم الاغتيال الصهيونية، بينما لو التفتنا نحو العصابات الفتحاوية التي تمارس الخطف والاغتيال والتخريب في غزة والضفة لوجدنا أنهم من ذوي السوابق الجنائية والإجرامية ومن أرباب الانفلات الأمني قديماً وحديثاً، وأن منهم من هو مشبوه وطنياً تم تجنيده على يد بعض القيادات المتآمرة التي أوكلت لهؤلاء مهمة القيام بأعمال التصفية الممنهجة والخطف والتخريب والعمل على توتير الأجواء كلما لاحت بوادر انفراج في مجال العلاقة الداخلية، ولا يغرن أحد تلك الأسماء والصفات التي يخلعها أولئك المجرمون على أنفسهم، فالمقاوم والمطارد لا يمكن أن يظهر بسلاحه مكشوف الوجه فيختطف الأطفال في مدن الضفة ويعتدي على الرجال الأفاضل بكل خسة ونذالة، والوطني الشريف لا يمكن لأمريكا أن تجزل له العطاء فتحول له الملايين وتمده بشاحنات الأسلحة والعتاد لكي يحقق التفوق العسكري على حماس في غزة تمهيداً لشن الحرب عليها وتصفية جناحها المسلح.
قد لا تعجب هذه الحقيقة من استمرأ التعامي عن تفاصيل الواقع وآثر الوقوف على رصيف الحيادية السلبية، لكي لا يرمى بالتحزب والانحياز لطرف دون آخر، غير أن كل هؤلاء الذين يتحدثون عن تضحيات شعبنا ونضاله ويطالبون (المتناحرين) باحترام نضالات شعبنا وتاريخه يتعامون – بقصد أو بحسن نية – عن حقيقة المخطط الذي يستهدف نخبة من صناع تلك التضحيات وذلك التاريخ، وهذا المخطط يقول بوضوح: إن إسرائيل توجه أذنابها لتصفية قيادات القسام وإنهاك حماس قبل التحول لغيرها من فصائل المقاومة الشريفة تمهيداً لتصفية الحركة سياسياً والتمكين لأذناب الاحتلال.
وإسرائيل أكثر من يعلم إلى أي مدى يمكن لحماس أن تستغل التهدئة على جبهة المقاومة لتطوير وسائلها وتحسين أدواتها، والتقارير الإعلامية الصهيونية تطالعنا دائماً بالتخوف من إمكانية نجاح حماس في تحقيق إنجازات نوعية على صعيد وسائل المقاومة المختلفة، ولا شك أن عملية الوهم المتبدد النوعية وغير المسبوقة التي جاءت بعد التهدئة السابقة قد دقت جرس الإنذار عالياً داخل صفوف الجيش الصهيوني ومخابراته، فكان لا بد لإسرائيل هذه المرة ألا تسمح لحماس ولجناحها العسكري في غزة بأن تعيش أجواء هادئة تتيح لها الإبداع والتطوير وخاصة في ظل تخوف إسرائيل من إمكانية تكرار حماس لتجربة حزب الله الذي استفاد جيداً من سنوات الهدوء الست التي أعقبت الانسحاب الصهيوني من الجنوب اللبناني وظهر ذلك بجلاء حين حانت جولة صراع أخرى مع الحزب أبلى فيها الأخير بلاء فاق كل التوقعات.
ولأن إسرائيل لا تريد تكرار تجربة الفشل العسكري على جبهة أخرى بعد الجبهة اللبنانية، ولأن تجربتها مع عمليات الأنفاق القسامية في غزة التي توجت بخطف شاليط ومع تجربة صواريخ القسام أثبتت لها أن حماس ماضية في تطوير قدراتها وأنها غير قابلة للتطويع أو الاحتواء أو التشرذم، وأن المقاومة بالنسبة لها ستظل خياراً استراتيجياً لا يختلف عليه سياسي أو عسكري أو كادر عادي، لأجل ذلك كان لا بد لإسرائيل أن تضرب حماس خلال التهدئة بأدوات أخرى هي تلك العصابات المشبوهة التي يمولها قادة التيار الانقلابي المتصهين، والعمل بموازاة ذلك على تقوية حرس الرئاسة وتأهيله مادياً وعسكرياً ليكون قوة منظمة قادرة على الوقوف في مواجهة حماس وكسر شوكتها وتحطيم بنيتها التحتية والتمهيد لأية عملية اجتياح صهيونية للقطاع في المستقبل، وما حادث الاعتداء الآثم على الجامعة الإسلامية وتخريب مبانيها وحرق مكتباتها ومنشآتها ثم تبرير ذلك بكل وقاحة وادعاء وجود مختبرات لتصنيع الأسلحة يديرها خبراء إيرانيون! إلا دليل على طبيعة المخطط الذي يتحرك وفقه هؤلاء المجرمون.
بناء على ما تقدم، وطالما أن خطة الإنهاك العسكري للمقاومة ولكوادرها مستمرة في الضفة وغزة على حد سواء، إما على يد قوات الاحتلال أو على يد أذنابها من المتصهينين، فلا بد لحماس أن تبادر لإشعال جبهة المقاومة من القطاع ضد الاحتلال، وعليها أن توجه رسالة واضحة للجميع بأن ليس ثمة فرق بين خرق التهدئة على يد الاحتلال أو خرقها على يد أدواته، وأن كتائب القسام ومعها كل قوى المقاومة الشريفة قادرة على الإمساك بزمام المبادرة في كل حين وعلى إفشال أية محاولة للنيل من المقاومة بأية وسيلة كانت.
نعرف أن تصعيد المقاومة لن يتكفل بشل أيدي أذناب الاحتلال بالكامل أو بحمل الاحتلال على تغيير مواقفه ومخططاته، وندرك أن من حق مجاهدي القسام والتنفيذية الدفاع عن أنفسهم وحماية المؤسسات العامة والخاصة من خفافيش الظلام، لكن المقاومة ستربك مخططات الاحتلال وستجبر إسرائيل على أن تدفع جزءاً من ثمن التخريب الداخلي الذي تمارسه عبر مرتزقتها بدلاً من الاكتفاء بالتفرج عن بعد في الوقت الذي ينام مستوطنوها في سيدروت ملء أجفانهم.
المؤامرة على حماس حكومة ومقاومة أكبر مما نتصور، وهي تأخذ أبعاداً متعددة وتمر عبر سلسلة من الخطوات تبدأ بإغراقها في مظاهر الفوضى وإنهاك المقاومة عسكرياً على يد العصابات بغية تسهيل الانقضاض الصهيوني عليها فيما بعد وإسقاط الحكومة بعد النجاح في تحييد قسم كبير من الجمهور الفلسطيني الذي قد تنطلي عليه الخدعة فيحمل الحكومة مسؤولية تدهور الوضع الأمني ولا يبدي معارضة كبيرة حين تأتي إسرائيل وأمريكا بحكومة مفصلة على مزاجهما!
مخطئ من يظن أن إسرائيل أو أمريكا يمكن أن تتيحا لتجربة حماس السياسية أن ترى النور مع احتفاظها بخيار المقاومة، ومخطئ من ظن أن بعض الأقطار العربية المحيطة معنية بمساعدة حماس على كسر الحصار وتمكين دعائم حكمها، ومخطئ من ظن أن من رهن نفسه للشيطان من بني جلدتنا يمكن أن يحفظ ذمة أو يحترم اتفاقاً أو أن يستيقظ فيه ضمير الأخلاق والوطنية، فهؤلاء صنعوا على عين إسرائيل وأعدوا جيداً لهذه المهمة، وحتى لو عضت حماس على الجرح حتى النفس الأخير وحتى لو ضبطت نفسها حتى آخر حد فإن تلك الثلة المارقة لن يرضيها إلا أن ترى حماس مسحوقة منهكة وخارج دائرة النظام السياسي بأكمله.
ولذلك لابد لوزارة الداخلية وقوتها التنفيذية أن تضطلع بمهمة حفظ الأمن الداخلي وملاحقة المفسدين والمخربين دون الالتفات لأصوات الزيف والنفاق والتضليل التي تريد تجريدها من شرعيتها ووضعها في دائرة الاتهام ومساواتها بالعصابات المأجورة، وبموازاة ذلك أن تعود جبهة المقاومة للاشتعال لإرباك مخططات الاحتلال ومواجهتها بنفس جماعي شعبي ملتف حول المقاومة وخيارها، فإن كان بديل التهدئة مع الاحتلال أن تقوم إسرائيل بالضرب من خلال أذنابها وإغراق الساحة الفلسطيني بالفوضى وتغذية الفلتان ودعم محركيه، فلا بد للمقاومة أن توجه لها رسالة موجعة مفادها أن الاحتلال سيدفع أيضا ثمن إجرام عصاباته ولن ينجح في تأمين جبهته الداخلية على حساب الجبهة الداخلية الفلسطينية.
وكلنا ثقة بأن المقاومة قادرة على إعادة رسم المشهد الفلسطيني من جديد وإرباك المخططات الصهيونية والأمريكية طالما ظلت المقاومة الرقم الصعب في المعادلة الذي يصعب تحييده تحت أي ظرف.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

45 شهيدًا بمجازر إسرائيلية دامية في مخيم جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد 45 مواطنًا على الأقل وأصيب وفقد العشرات - فجر اليوم- في مجازر دامية ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدما...

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...