الأربعاء 14/مايو/2025

حماس بين الاستقلالية والصمود

أحمد الفلو

تشتد في الآونة الأخيرة حملات محمومة تستهدف حركة حماس والطعن في مبدأ استقلاليتها واعتبارها تابعا ملحقاً بالسياسة الإيرانية والسورية علماً بأن من يروجون لهذه الأفكار هم إما من المحسوبين على التيار الانقلابي في حركة فتح أو من الدوائر الأمريكية والإسرائيلية على حد  سواء وبئس ما يدّعي أولئك وما يفعل هؤلاء .

إن أهم دعائم الاستقلالية التي تتمتع بها حماس هو ذلك الفوز الشعبي الكاسح في الانتخابات التشريعية والتي كانت من أنزه الانتخابات على الصعيد العالمي والتشكيك بذلك لن يكون طعناً في الناحية الإجرائية لتلك الانتخابات بل هو تشكيك في بلوغ الشعب الفلسطيني سن الرشد السياسي واتهاماً للفلسطينيين بالجهل الجماعي وهذا ما لا يمكن الجهر به أو حتى إسراره  .

ويمكننا القول بكل بساطة إن هناك إصراراً شعبياً عارماً في فلسطين المحتلة على عدم العودة إلى عهد السلطة البائد حتى لو كان الموت جوعاً هو الخيار الوحيد وهذا ما تعبر عنه كل يوم الجماهير الفلسطينية في التفافها حول حماس ومن خلال مسيراتها الشعبية بأعدادها الكبيرة بل وعلى العكس فإن الأكثرية الساحقة للفلسطينيين لديها تصور واقعي مغاير تماماً لما يروج له المرجفون حيث يعتبر الشعب أن السلطة ممثلةً برئيسها والمجموعة الملتفة حوله ما هي إلاّ أداة مرتهنة هدفها استرضاء إسرائيل وخطب ود الولايات المتحدة على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .

وإذا كان البعض يعتبر أن الموقف الذي تتمسك به حركة حماس برفضها الاعتراف بإسرائيل هو مجرد إملاءات إيرانية أو سورية فإن هذا الموقف المبدئي يعبر عن رفض خمسة ملايين لاجئ لذلك الإعتراف . وفي الوقت نفسه يثير الشبهات حول محمود عباس الذي يقف ضد طموحات شعبه ويدافع عن حقوق مزعومة لقاتلي الشعب الفلسطيني .

إن الولايات المتحدة ومعها إسرائيل تحاولان إلصاق تهمة العشق الإيراني والتبعية لسورية ولكن القيادة السياسية لحركة حماس وبكل دهاء استطاعت إفهام الإيرانيين أن بيتها ومحضنها هم أخوتها في السعودية والكويت والأردن والمغرب، وما رمانا عليكم سوى ظلم الأشقاء وتجاهلهم لنا، وربما لاحظ الجميع كيف أن إسماعيل هنية كان في الصف الأول في الصلاة في مسجد طهران ولكنه كان وحيداً بين ملالي طهران لم يقلدهم ولم يصلي مثلهم ولم يقتدي بالإمام الشيعي كما أن إسماعيل هنية أرسل العديد من الرسائل للرئيس العراقي طلباني يناشده فيها حماية الفلسطينيين المقيمين في العراق من هجمات أجهزة أمن مقتدى الصدر ومستنكراً جرائم الأخير علماً أن الصدر حليف لطهران . أما ما يقوله هؤلاء عن مكوث خالد مشعل في دمشق فلا أعتقد أن العواصم العربية مفتوحة أمام الرجل فهل يذهب إلى المريخ مثلاً كي يمنحه هؤلاء المنتقدون شهادة حسن وطنية  ؟؟ أم إن محاولة اغتياله أكثر من ثلاث مرات على أيدي الموساد غير كافية لإثبات انتمائه الفلسطيني أمام الدحلانيين الجدد؟؟

إن المحاولات الأمريكية الخبيثة التي تريد إفهام العالم أن هناك تحالفاً قائما بين الدول الإسلامية السنية من اندونيسيا وحتى المغرب و بين الولايات المتحدة وإسرائيل وذلك في مقابل الحلف الشيعي الصفوي الذي تقوده إيران وأتباعها ولطالما كانت هذه الكذبة الأمريكية تهدف إلى إظهار أهل السنة على أنهم عملاء إسرائيليون وأن الصفويون الشيعة هم أعداء إسرائيل . وقد يبدو الأمر كذلك بنظرة سطحية سريعة خاصة عندما نرى مشاركة النظام الأردني والمصري بتفاهم مع إنقلابيي فتح وبدعم إسرائيلي لتصفية حركة حماس وإفشالها و وكذلك بالنظر إلى اصطدام حزب الله الشيعي ومعه حركة أمل في مواجهة السنيورة السني وحلفائه المجرمين جعجع والجميل ولكن ما أن يتنبه المرء إلى أنه ينظر إلى المشهد بالمقلوب أو كما يريد  أن يريدنا أن نراه إإيوت أبرامز المستشار المساعد في مجلس الأمن الأمريكي، الذي وصفت مجلة نيوزويك مؤخرا تحركاته بأنها “آخر المواقف الاحتيالية عندما قال بأن ((من واجب الولايات المتحدة مد يد المساعدة إلى فتح المنافس المباشر القوي لحماس، من خلال تزويد الحركة بالمسدسات، والذخيرة، والتدريب، حتى تتمكن من مجابهة حركة حماس النشطة، والسيطرة على الحكومة الفلسطينية.)) وبينما شحنت كل من مصر والأردن الأسلحة إلى محمود عباس تحت برنامج أبرامز (Abrams Programmes)، أرسلت مصر مؤخرا 1900 بندقية إلى غزة والضفة الغربية، تأسيا بالأردنيين الذين أرسلوا 3000 بندقية، فإن كلا من الملك عبد الله ملك الأردن والرئيس المصري حسني مبارك، لا يعتقدان بأن البرنامج سيعمل أو قد يؤدي إلى نتائج مرضية في الميدان، وهما حاليا يناوران لإيجاد مخرج منه، وبأقل الأضرار.

ولكن نظرة دقيقة للوضع تثبت فداحة الخطأ الذي وقع فيه إبرامز فمثلاً هو يتناسى أن قيادات الأحزاب الشيعية الصفوية في العراق يحملون عمالة وتبعية للإيرانيين والأمريكيين في آنٍ معاً كما أن إزدواجية المواقف داخل المعسكر الشيعي الصفوي قد أدّت إلى انحسار المد الصفوي الإيراني فبينما يطل علينا حسن نصر الله في لبنان معلناً الحرب على أمريكا فإن مقتدى الصدر وعزيز الحكيم والجعفري والسيستاني هم أزلام أمريكا في العراق وبينما الأهداف عند المقاومة الإسلامية في العراق وفي فلسطين واضحة ومفهومة وهي طرد المحتل الغاصب من العراق وفلسطين فإن الأهداف الحقيقية لتحركات حزب الله غامضة الأهداف ولعل الذي حصل أخيراً  في المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي حين رفض حزب الله توجيه تحية من المؤتمر للمقاومة العراقية فكيف تكون أمريكا عدواً في لبنان بينما هي صديق في العراق؟؟

وبعد كل الذي ذكرناه آنفاً يمكننا القول وبمنتهى الجرأة أن الموقف الإسلامي الحقيقي في المنطقة هو الموقف الذي تتبناه حماس والمقاومة العراقية  وهو منهج ثابت وواضح وهو ضد الإحتلال الإسرائيلي وضد العملاء وفي ذات الوقت فهو الوجه الإسلامي السني المشرف وليس أولئك الذين يقفون مع إسرائيل بحجة مواجهة المد الإيراني ولا هي من أولئك الذين يقفون مع الصفويين بينما هم ينفذون سياسات إسرائيل على حساب العروبة والإسلام .

ثم إن حماس لم تكن ولن تكون سوى حركة جهادية سنية و هي بدون شك خارج المخطط الصفوي الإيراني بل ستثبت الأيام أنها بالفعل الجدار الأصلب والأعلى في وجه المخطط الصفوي الذي يهاجم العرب والمسلمين ولم تكن تلك العلاقة المؤقتة بين حماس وبين إيران سوى استغلال سياسي ذكي من قِبَل قيادة حماس يتفهم حاجة إيران في أن يكون لها دور في قضية فلسطين وعلى مبدأ الآية الكريمة ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)) و في ذات الوقت عدم رغبة إيران في منح أموالها إلى سلطة عباس  التي تعج باللصوص الفاسدين  وكل هذا يتم دونما التمكين لإيران من التغلغل داخل الوسط الفلسطيني ويبدو أن خلو الشعب الفلسطيني من أتباع المذهب الصفوي دليل كاف على انعدام التبعية السياسية أو المذهبية لإيران . لكن بفضل انتشار الوعي الديني في فلسطين وفي مناطق اللجوء بسبب وجود حماس ربما  شكََل ذلك الوعي حصناً منيعاً ضد انتشار التشيع الصفوي بين الفلسطينيين و ضد أي نفوذ سياسي لإيران ، وما نلاحظه الآن من تقارب سياسي حمساوي إيراني  ما هو إلاّ التقاء مصالح آنية تمثل فيه حماس الوجه الحقيقي للإسلام وهذا ما لم تستطيع الأنظمة العربية  التي تدعي حماية السنة القيام به.
 
* كاتب فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...