عاجل

الأربعاء 14/مايو/2025

حماس وأزمة المجتمع الدولي

أ.د. محمد اسحق الريفي

الأحداث المأساوية الراهنة التي تشهدها الساحة الفلسطينية تأتي في سياق سيناريو خطير تم وضعه لإنهاء القضية الفلسطينية وذلك من خلال تصفية حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، خاصة بعد أن استعصت حماس على كل محاولات ترويضها وإقصائها وأصبحت تشكل حصناً منيعاً يحول دون تمرير مشاريع التسوية في المنطقة.

لقد شكل وصول حماس إلى الحكم والسلطة مأزقاً كبيراً للاحتلال الصهيوني والدول الراعية له والأنظمة المتواطئة معه، وزاد هذا المأزق صعوبة وتعقيداً نجاح حماس في تجاوز كل محاولات جرها إلى مستنقع الاستسلام والتفريط بالثوابت والتنازل عن الحقوق، رغم الضغوط الوحشية التي يمارسها معسكر الشر والاستكبار بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على الشعب الفلسطيني وحكومته المجاهدة التي تقودها حماس.

إن ما يسمى «المجتمع الدولي»، وهو التحالف الذي يضم الدول والمنظمات والأحزاب والمؤسسات التي ترعى المشروع الصهيوني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، يواجه الآن أزمة إنسانية وأخلاقية في تعامله مع حماس والشعب الفلسطيني وحكومته الشرعية، فقد وضع هذا المجتمع الدولي الظالم حماس بين خيارين: إما الاستسلام وإما التصفية، ضارباً بعرض الحائط شرعية الحكومة الفلسطينية وما تحظى به حماس من شرعية فلسطينية وتأييد شعبي متعاظم.

ويجسد هذه الأزمة الإنسانية والأخلاقية استغلال المجتمع الدولي لمآسي شعبنا، وآلامه ومعاناته، واستخدامه وسيلة للضغط على حماس والحكومة الفلسطينية، وتوظيف بعض أبناء الشعب في توتير الساحة الفلسطينية وإرباكها ودفع الشعب الفلسطيني باتجاه فوضى عارمة واقتتال داخلي خطير.

المجتمع الدولي الذي طالما تنكر للحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني لم يكن يوماً ما مكترثاً بإعادة هذه الحقوق لشعبنا، ولم يكن يهمه سوى إدارة الصراع العربي الصهيوني لصالح المشروع الغربي الصهيوني، وانحصرت كل خططه وجهوده وإجراءاته الظالمة في البحث عن حلول لإعفاء الاحتلال من عبء السيطرة على حياة ملايين الفلسطينيين الرافضين للاحتلال والمقاومين له، دون حصولهم على حق تقرير المصير.

ولهذا، ومنذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي شكلت عبئاً ثقيلاً على الاحتلال، انصب اهتمام المجتمع الدولي على إيجاد سلطة فلسطينية للحكم الذاتي تسلم بحق اليهود والصهاينة في الأراضي الفلسطينية التي احتلوها وأجبروا سكانها على الهجرة منها، وحدد المجتمع الدولي مهام هذه السلطة في السيطرة على الفلسطينيين، مع إبقائهم تحت رحمة الاحتلال وهيمنته وإجراءاته الإجرامية.

إلا أن بروز حماس كقوة كبيرة وفاعلة في الساحة الفلسطينية، وكعامل مهم في معادلة الصراع العربي الصهيوني، عرقل المهمة الخبيثة للمجتمع الدولي، ونتيجة عن ذلك، وبسبب تعاظم قوة حماس ونفوذها والتفاف الشعب حولها، فشلت هذه السلطة في إنجاز المهام التي كلفها بها المجتمع الدولي وعلى رأسها إنهاء المقاومة الفلسطينية.

كما لم تنجح محاولات تدجين حماس وتعديل ميثاقها وتحويلها إلى حزب سياسي يلتزم بقواعد اللعبة السياسية، التي وضعها المجتمع الدولي، ويتخلي عن المقاومة ويعترف بالاتفاقيات التي أبرمتها منظمة التحرير الفلسطينية مع المجتمع الدولي وحكومات كيان الاحتلال.

وبعد الفوز الكبير الذي حققته حماس في الانتخابات ووصولها إلى الحكم والسلطة، ومع استعصائها على مؤامرات المجتمع الدولي ونجاحها في الحفاظ على شعبيتها وشرعيتها لدى الشعب الفلسطيني؛ وبسبب اقتناع الإدارة الأمريكية بحاجتها إلى تهدئة الصراع العربي الصهيوني من أجل الخروج من المستنقع العراقي وإنجاز مشروعها في المنطقة، بدأ المجتمع الدولي بتنفيذ حلقات سيناريو خطير يهدف إلى تصفية حماس.

يتضمن هذا السيناريو مجموعة من الخطوات التي تقوم على أساس أفكار وتوجيهات وضعها متخصصون فيما يسمى «مكافحة الإرهاب»، مثل بروس هوفمان الذي يعمل مستشاراً لشؤون مكافحة الإرهاب في منظمة راند الصهيونية. والمراقب للأحداث التي تمر بها فلسطين يدرك تماماً أن بعض هذه الخطوات قد بدأ بالفعل، وتتمثل هذه الخطوات فيما يلي:

أولاً: تمويل الميليشيات المناوئة لحماس، خاصة تلك التي تعمل تحت مظلة حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، ودعمها لوجستياً وتزويدها بالسلاح والعتاد العسكري والتكنولوجي، لتمكن من بسط نفوذها في المجتمع الفلسطيني والسيطرة على الشارع الفلسطيني في كل من غزة والضفة الغربية.  وتتحمل بعض الدول العربية الخليجية مسؤولية تقديم جزء من هذه الأموال.

ثانياً: تقوم هذه الميليشيات بإغراق المجتمع الفلسطيني في العنف لخلق بيئة فوضوية مواتية لتأجيج الاحتراب والاقتتال الداخلي تمهيداً لإنجاز باقي خطوات هذا السيناريو التي لا يمكن تحقيقها إلا في ظل الفوضى والعنف والفلتان.

ثالثا: إبطال شرعية قادة حماس وعدم الاكتفاء باعتقالهم أو قتلهم أو إبعادهم، وذلك من خلال الطعن في مصداقيتهم وتشويه سمعتهم والتشكيك بهم وبقدراتهم، فمن المعلوم أن قادة الحركة يتمتعون بمكانة رمزية مؤثرة يعتمد عليها بقاء الحركة واستمرارها بدرجة تفوق اعتمادها على عملية صناعة القرار.

رابعاً: استغلال الفوضى والفلتان وانعدام الأمن والاستقرار في القيام بتصفية قيادات حماس متوسطة المستوى لتعطيل قدرة حماس على السيطرة على أفرادها وأجهزتها ومؤسساتها، وللحد من قدرتها على الاتصالات والعمليات، الأمر الذي يؤدي إلى شل قدرة حماس على العمل على الأمد البعيد ويعيقها من تطوير قادة جدد.

ويبدو أن الإدارة الأمريكية، ومؤسسات الدراسات السياسية والاستراتيجية التي تقدم لها المشورة فيا يتعلق بصناعة القرار، قد اعتادت على إساءة حساباتها والوقوع في سوء تقديراتها؛ فالفوضى سلاح ذو حدين، ومن المؤكد أن تؤدي هذه الفوضى إلى إسقاط السلطة الفلسطينية، خاصة أن ميزان القوى في الساحة الفلسطينية يمل إلى كفة حماس.

كما أنه من المؤكد أن تنتقل الفوضى إلى البلاد المجاورة وتعم كل منطقة الشرق الأوسط فتندلع سلسلة طويلة من الحروب الأهلية التي لا تتوقف، فيؤدي إلى ذلك تهاوي أنظمة موالية للولايات المتحدة الأمريكية تعاني من هشاشتها وفقدان صلاحيتها وشرعيتها، خاصة إذا ما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إرسال جيوش عربية لمواجهة حماس ومساندة السلطة، وقد تعمل هذه الجيوش العربية، بطريقة أو بأخرى، على المساعدة في قيام دولة فلسطينية.

وفي حال قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال قواتها لمساندة السلطة الفلسطينية، ستجد نفسها غارقة في مستنقع جديد بالإضافة إلى مستنقعها في العراق، وربما يؤدي هذا التدخل إلى اندلاع حرب إقليمية قد تأتي بما لا تتوقعه الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن الكيان الصهيوني فشل مراراً وتكراراً في القضاء على حماس أو الحد من قوتها ونفوذها.

إن أزمة المجتمع الدولي تكمن في عدم إنسانيته وتحيزه الكامل للاحتلال وتنكره لحقوق شعبنا الفلسطيني، وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن كل الطرق ستؤدي حتماً إلى انتصار حماس وإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولذلك فعليه أن يختار الطريق الأقل خسارة وتكلفة له.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...