الخميس 25/أبريل/2024

جبال وتلال وكهوف تستذكر يحيى عياش .. في ذكرى التألق الاستشهادي

جبال وتلال وكهوف تستذكر يحيى عياش .. في ذكرى التألق الاستشهادي

جبال محافظة سلفيت الفلسطينية بالضفة الغربية، وتلالها وكهوفها، لم تنسَ الشهيد البطل المهندس يحيى عياش في ذكرى استشهاده الحادية عشرة. وتخليداً لذكراه العطرة والطيبة؛ أخذت المحافظة يُتعارف عليها بـ “محافظة العياش”. ولم ينشأ هذا من فراغ؛ فعلاوة على ارتباطه بها؛ لا يكاد المرء يجد مغارة أو كهفاً أو جبلاً وتلاً فيها، إلاّ و”المهندس” قد حلّ عليه ضيفاً طيباً مباركاً، بمروره أو جلوسه أو رقاده فيه. ومن أكثر الأماكن التي كان القيادي المقاوم الكبير يحلّ ضيفاً عليها عزبة “أبو حسن الشعب”، والتي يطلق عليها المزارعون شعب غناطس.

عياش والعزبة

تقول أم حسن بلاسمة، والدة الشهيد محمد بلاسمة التلميذ السادس ليحيى عياش بحسب ما وصفته به صحافة الاحتلال؛ أنّ المهندس كان يأتي إلى العزبة هو والمطارد عبد الفتاح معالي وعدنان مرعي وعلي عاصي، علاوة على الاستشهادي ساهر تمام الذي قتل وجرح العشرات من الصهاينة في عملية “محولا” في الغور، وكان يأتي أحياناً معهم بعض المطاردين الآخرين، فمنهم من نال الشهادة ومنهم من أُسر ومنهم من غادر الوطن ليعود إليه.

وتضيف الأم الفلسطينية أنّ الأسير البطل زاهر جبارين ومؤسس “القسام” في الضفة كان يقوم على راحتهم ومتابعتهم وقيادتهم، وقد كان يحيى عياش الأكثر صمتاً وتفكيراً، بينما كانت دولة الاحتلال بكل جبروتها وأجهزتها الأمنية تبحث عنه، أما هو فكان مرتاحاً بتخطيطه للعمليات، حيث كان الأمان في العزبة أكثر من غيرها. وفي إحدى المرات فاجأتهم طائرة مروحية الساعة الثانية صباحاً تقوم باستكشاف المنطقة؛ فما كان منهم إلّا أن أخذوا الارض، ولم يقوموا بأي حركة إلى أن رحلت الطائرة.

وتضيف أم حسن بلاسمة أنّ المهندس يحيى عياش كانت أمنيته الشهادة، وهمه الأكبر هو رفع ظلم الاحتلال عن شعبه وكنسه لمزابل التاريخ، وكان يتألم كثيراً كلما قتل الاحتلال أي فرد من شعبه، وقد دأب على القول إنّ الظلم لا يدوم وإنّ القوي لن يبقى قوياً.

ذكريات الجبال والكهوف

ولم يكن يحيى عياش يبيت في العزبة كثيرا أو يقضي كل وقته فيها؛ بل كان يتجول في جبال محافظة الزيتون (سلفيت)، فيبيت في كهف أحياناً، وينام تحت شجرة زيتون أحياناً أخرى. بل كان يصلي بين الحين والآخر في مسجد سلفيت الكبير دون أن يعرفه أحد، إذ كان يغيِّر من ملامحه ببراعة، وكان يحفر أحيانا مغارة يبيت فيها بحيث يمرّ عنها أي شخص دون أن يلحظ شيئاً.

خلال تلك المسيرة المفعمة بالملاحقات الصهيونية الضارية له؛ أخذت والدة المطارد عبد الفتاح معالي، والتي استُشهدت بعد صراع مع إصابتها من أثر ضربة ببندقية “إم 16” من أحد الجنود الصهاينة على صدرها في إحدى الاقتحامات لمنزلها،

؛ تؤمِّن لهذه الكوكبة من المجاهدين الطعام والشراب والمراقبة في واد الشاعر وواد الدلبي والنجارة، وكان المهندس يقلص دائرة معارفه بشكل كبير، بحيث أنّ ذوي المطاردين هم من كانوا يحوزون على ثقته ، وكان أن تحوّل من مجاهد يطارده الاحتلال إلى مجاهد يطارد الاحتلال بعملياته النوعية التي لم يألفها الاحتلال منذ انطلاق المقاومة.

ومما يذكر أنّ استشهاد والدة المطارد عبد الفتاح معالي، جرى في يوم الثأر العظيم لاستشهاد المهندس يحيى عياش الذي وافق الأحد 3 آذار (مارس) 1996.

محافظة سلفيت ثكنة عسكرية

ومن أكثر المحطات بروزاً في حياة الشهيد القائد عياش؛ “رمات أفعال” باعتبارها أول عملية أدارها، حيث جهّز عياش سيارة مفخخة وتم اكتشاف أمرها قبل لحظات من نجاح العملية. واعتقل إذ ذاك الأسيران عماد فاتوني ورائد حسان، وحُكم على كلٍّ منهما بثلاثين سنة سجناً قضوا منها حتى الآن 16 سنة. وقد أفلت حينها عبد الفتاح معالي من الأسر، وتحوّلت محافظة سلفيت الى ثكنة عسكرية حيث نصبت الحواجز الصهيونية في كل مفرق وكل طريق، وتم اقتحام منازل كثيرة وتفتيشها بحثاً عن المجاهد الثالث، بينما صار يحيى عياش مطلوباً وقتها منذ شهر تشرين الثاني (نوفمبر) لسنة 1992، وذلك بعد انكشاف أمر السيارة المفخخة.

ويرحل الجسد وتبقى الروح

وعبر سنوات ضارية من العمل المقاوم ذي المواصفات النوعية؛ يُستشهد القائد يحيى عياش في الخامس من كانون الثاني (يناير) 1996 وذلك عبر تفخيخ هاتفه النقال من قبل الاحتلال وأعوانه في عملية معقدة، ولتبكيه جبال “محافظة العياش” وروابيها وكهوفها، وليسير في جنازته المهيبة كل أطياف الشعب الفلسطيني، وليبقَ أسطورة شامخة في وجه الاحتلال الظالم.

رحل القائد ولكنه ترك خلفه تلاميذ كثر أنجبوا تلاميذ آخرين، منهم في محافظة سلفيت الشهيد البطل محمد بلاسمة، والشهيد البطل سامر دواهقة، أما قافلة الشهداء فتسير حتى يتحقق النصر.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات