الجمعة 19/أبريل/2024

جدار الفصل العنصري يدفع بالمزيد من الفلسطينيين إلى الرحيل

جدار الفصل العنصري يدفع بالمزيد من الفلسطينيين إلى الرحيل

“نحن لاجئون من نوع خاص؛ لقد أصبحنا لاجئين على مراحل، ودون ان يلتفت الينا احد، فأرضنا أخذها الإسرائيليون على مراحل، ولكنهم لم يكتفوا بذلك، فما إن شرعوا بإقامة جدار الفصل العنصري، حتى وضعوا يدهم على ما تبقى لنا”، قالت الحاجة مريم حسين (51 عاما) من قرية بدرس غرب رام الله، ملخصة ما تعرضت له وقريتها (1300 نسمة) من قبل سلطات الاحتلال. وباتت هذه الحاجة وأسرتها، لا تملك شيئا يذكر من الأرض، بعدما عمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى الاستيلاء على غالبية أرضها على مدار السنوات الخمسين الماضية، تاركة إياها وزوجها الحاج طه (55 عاما)، رهنا لأوضاع اقتصادية لا تحسد عليها. وقد بدأت فصول معاناة هذه العائلة العام 1948، فحينها نهبت سلطات الاحتلال مئات الدونمات التي تملكها، ومع حلول العام 1967، امتدت “المخالب الإسرائيلية” لتنهش 40 دونما جديدة، مبقية لها مساحة محدودة من الأرض لا تتعدى بضع دونمات.

ومع الشروع في إقامة مقاطع من جدار الفصل العنصري في بدرس قبل نحو عامين، وجدت هذه العائلة نفسها كما أسر أخرى في بدرس، محاصرة فيما تبقى لها من أرض، خاصة اثر استيلاء سلطات الاحتلال على أربعة دونمات من أرضها، كانت مزروعة بالعشرات من أشجار الزيتون،مما حرمها من مصدر دخل رئيس بالنسبة إليها. ومن وجهة نظر الحاجة مريم، فإن فقدان قطعة الأرض هذه، يتخذ أهمية من نوع خاص، لا سيما وأن زوجها انضم إلى قائمة المتعطلين عن العمل كما هو حال معظم رجال بدرس، الذين انقطعت بهم السبل، جراء قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعيد اندلاع الانتفاضة الأخيرة، بمنعهم من مزاولة العمل داخل الخط الأخضر، لتصبح أشجار الزيتون ونتاجها من الزيت، موئل رزق هذه العائلة الأساسي، علما بأن هذه العائلة تتكون من 10 أبناء، أربعة منهم يعانون من الشلل، يضاف إليهم اثنان من أشقاء الزوج يعيشون معها في نفس الدار. وبضياع مورد الرزق الرئيس، لا تعلم الحاجة كيف ستدبر أمورها، خاصة وأنه لا يعمل من بين أفراد هذه الأسرة سوى البنت الكبرى، وهي معلمة. ولا تعكس معاناة هذه الأسرة سوى جانب يبدو بسيطا مما يقاسيه أهالي بدرس بسبب الجدار، والذي يتجلى على هيئة شقوق في الصخر، وأسلاك شائكة يتوسطها شارع، وبجانبها أبراج مراقبة، تمتد لتحيط بالقرية من كافة الجهات باستثناء الشرق، الأمر الذي يمنح المشاهد إحساسا وكأنه في سجن.

معاناة متواصلة

يقدر مجلس قروي بدرس مساحة الأرض المصادرة لإقامة الجدار، بنحو 700 دونم، يضاف إليها مساحة مماثلة باتت خلف الجدار، عدا عن المساحات الشاسعة من الأرض التي التهمتها أعمال النهب الإسرائيلية قطعة فقطعة خلال العقود الماضية. وضمن هذا المنحى، يؤكد محمد خليفة، عضو المجلس القروي، أن الأراضي التي صادرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي من أجل الجدار، اقتلع منها ما يزيد عن 6000 شجرة زيتون، فيما أصبح عدد مماثل لها خلف الجدار. ويقول خليفة: إن وجود الجدار يهدد بخنق أهل بدرس، فلن تكون هناك خسارة زراعية فقط، بل إنه سيقضي على المجال الرعوي، والذي يعتمد عليه قسم كبير من أهالي القرية، وبالتالي فإن الكثيرين سيجدون أنفسهم مع مضي الوقت غير قادرين على البقاء هنا”.

قبية تشهد مذبحة جديدة

وغير بعيد عن بدرس، تبرز قرية قبية، والتي يقطنها زهاء 5000 نسمة، حيث خسرت على مدار سني الاحتلال مساحات كبيرة من أراضيها، وجاء الجدار لينهش في أرضها المعروفة بخصوبتها عموما. وعن ذلك يقول حسن غالب، رئيس المجلس القروي: 70% من أرضنا التي تقدر مساحتها الأصلية بـ 52 ألف دونم، صادرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بدءا من العام 1948، وبحلول العام 1979، صادرت عدة آلاف أخرى من أجل توسيع معسكر معد لتدريب الجيش يقع إلى الغرب من القرية. وفي الأعوام الثلاثة الماضية استولت سلطات الاحتلال على 400 دونم أخرى لإقامة الجدار، ليتبقى للقرية 16 ألف دونم حاليا. ويتابع غالب: الخسارة المتأتية عن السرقة الجديدة للأرض، لا تقتصر على فقدان 250 شجرة من الزيتون المثمر، بعضها اقتلع، و قسم آخر بات خلف الجدار، بل يتعداه إلى حرمان 40 -50 عائلة من المراعي حيث كانت ترعى في المنطقة المقام عليها الجدار.

ويعتبر هذا المواطن ذاته أحد ضحايا إقامة الجدار،  حيث فقد وعائلته مساحات كبيرة من أراضيهم على مدار السنوات الماضية. وبخصوص ذلك يقول: كانت لوالدي وأسرتي عموما مئات الدونمات قبل العام 1948، ولكن ذهب معظمها ليتبقى لنا 50 دونما، صادر الإسرائيليون معظمها العام 1979، والآن ومن أجل إقامة الجدار لم يبق شيء. وهو يرى أن إقامة الجدار لا يعدو كونه محاولة لتهجير أهالي القرية الذين فقد معظمهم عمله داخل الخط الأخضر مع اندلاع الانتفاضة. ويختم غالب قائلا: حياتنا كانت على الدوام شقاء وعذاب، والآن يريد الإسرائيليون قطع كافة سبل الحياة عنا.

مصادرات بالجملة

إضافة إلى بدرس وقبية، فإن الجدار يهدد قرى أخرى مثل بلعين (5000 نسمة)، حيث سيلتهم الجدار 8000 دونما من أصل الـ (16 ألف) دونما كانت قد بقيت لها بعد سلسلة أعمال المصادرة الإسرائيلية التي تواصلت منذ سنوات طويلة. والمشهد لا يختلف كثيرا في القرى الأخرى؛ فذات الشيء ينطبق على المدية، ودير قديس التي يهدد الجدار بابتلاع 2000 دونم من أرضها، أما المدية فإن 79% من أراضيها ستضحي خلف الجدار أي 21 ألف دونم، كما تؤكد مصادر مجلسها القروي.

وفي بلدة بيتونيا القريبة من رام الله، ويقدر عدد أهلها بـ 20 ألف نسمة، فإن الجدار قد التهم منذ بداية العمل به على جهتها الجنوبية- الغربية قبل عامين ونيف، زهاء 1559 دونما من أراضيها التي كان قد صودر جانب كبير منها خلال العقود الماضية، ليبقى لها 25 ألف دونم. وفي هذا الإطار، لا يزال المواطن الأربعيني رباح حسين، يتذكر تفاصيل سرقة أرضه، وعنها يقول: عندما أبلغتنا البلدية بقرار المصادرة الصادر عن سلطات الاحتلال، طلبت منا إبراز بعض الوثائق للاعتراض، وتحديدا إخراج قيد، وحصر إرث، لكن هذه لم تكن متوفرة، وبالتالي كان من المفترض أن نسارع إلى استصدارها، بيد أن هذا لم يكن ممكنا خلال فترة المهلة التي منحنا إياها الإسرائيليون، وهكذا أتى الجدار على 5ر13 دونما من أرضنا، ذهبت أمام أعيننا دون أن نستطيع أن نحرك ساكنا. وإذا كان هذا حال عدد من البلدات والقرى في محافظة رام الله والبيرة، فإنه في سائر محافظات الضفة لا يبدو الوضع أفضل.

لقد ألحق الجدار، الذي سيمتد وفق التصريحات الإسرائيلية نحو 730 كيلو مترا، بدءا من جنين، مرورا بقلقيلية، وطولكرم، وانتهاء بالقدس والمناطق المحيطة بها، أضرارا بالغة في سائر القطاعات لا سيما على صعيد القطاع الزراعي.

خسائر فادحة

وحسب وزارة الزراعة، فإن الجدار، أسهم في مصادرة آلاف الدونمات الزراعية الخصبة، وقلع وقطع آلاف الأشجار المثمرة،لا سيما من الحمضيات، وتجريف أراض واسعة. كما انعكس تأثير الجدار في هدم وتدمير الكثير من الآبار الارتوازية، وحرمان المزارعين من ري مزروعاتهم. وتقدر الآبار التي ستدخل في سياق الجدار بنحو 30 بئرا، تبلغ طاقتها الإنتاجية 4 ملايين متر مكعب سنويا، وتقع فيما يعرف بـ “الحوض المائي الغربي”، مما سيفقد الفلسطينيين السيطرة على 18% من حصتهم في هذا الحوض. ففي محافظة جنين، عمدت سلطات الاحتلال إلى عزل مناطق تبلغ مساحتها 44 ألف دونم، وتشمل قرى زبوبة، رمانة، الطيبة، عانين، أم الريحان، برطعة الشرقية، وظهر العبد داخل الجدار، المر الذي ترى فيه الجهات الفلسطينية محاولة لدفع أهالي هذه القرى، إلى الرحيل. ولا يقتصر ضم الجدار للقرى في جنين، بل يمتد إلى طولكرم ليشمل باقة الشرقية، نزلة عيسى، نزلة أبو نار، وقرية جبارة. وترتب على إقامة الجدار في طولكرم، وفق وزارة الزراعة، ضم 9 آبار زراعية، وتدمير 10 آلاف متر من خطوط توزيع المياه، و400 دونم من الأحراج.

وفي قلقيلية،  يحجز الجدار 18 ألف دونم من أراضيها، كما تمت على خلفيته مصادرة وتجريف ما يزيد على 2000 دونم، واقتلع بسببه عدد هائل من الأشجار. ويعتبر وضع مدينة قلقيلية، والتي يحيط بها الجدار من مختلف الجهات، ولا يمكن لأهلها الدخول أو الخروج منها إلا عبر بوابة، نموذجا صارخا على الآثار الخطيرة المترتبة على إقامة الجدار.

مخطط للتهجير

بحسب جمال جمعة، منسق الحملة الشعبية لمقاومة جدار الفصل العنصري، والذي يعتقد بأن الجدار يقام في إطار السياسة الإسرائيلية القائمة على الاحتفاظ بأكبر قدر من الأرض مع ضمان وجود أقل عدد من الفلسطينيين، فإن مثال قلقيلية يعكس النوايا الإسرائيلية الحقيقية من وراء إقامة الجدار، والتي لا علاقة لها بالأمن كما يدعي الإسرائيليون. ويقول جمعة: عقب إقامة الجدار بات 70% من أهالي مدينة قلقيلية يعتمدون على المساعدات الإنسانية، بينما اضطر 600 صاحب محل من أصل 1200 إلى إغلاقها، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية.

وفي السياق نفسه، ولكن في القدس وبيت لحم، أدت إقامة الجدار إلى التهام وتضرر ما مساحته 919 دونما من الأراضي الزراعية، تمتد من شمال القدس، مرورا بقرية رافات، وبلدة الرام، وحتى جبع، إلى جانب تدمير المئات من أشجار الزيتون المثمرة الواقعة على أطراف بيت لحم. وحسب مصادر مطلعة، فإن مباشرة سلطات الاحتلال إقامة الجدار بطول 15 كيلو مترا في بيت لحم، تهدد بحجز 15 ألف دونم من أراضيها، معظمها مزروع بالزيتون المثمر. وفي القدس، وتحديدا في أبو ديس، والرام وضاحية البريد المجاورة، تقدم مقاطع الجدار الجاثمة على أراضيها صورة جلية عما يعانيه المواطنون الفلسطينيون.

تهويد القدس

في أبو ديس، يخترق الجدار والذي يرتفع على هيئة كتلة إسمنتية ضخمة دونمات كثيرة، وصولا إلى حرم جامعة القدس، والتي يلتصق الجدار بها بشكل مباشر، حارما إياها من مساحات شاسعة. وتقدر مصادر في الجامعة، مساحة أراضي الجامعة المقتطعة من أجل الجدار بنحو 15 دونما، علما بأن المخطط الإسرائيلي الأصلي كان يهدف إلى مصادرة 70 دونما، الأمر الذي حال دونه تحرك أسرة الجامعة على أكثر من صعيد.

أما في الرام وضاحية البريد، فإن الجدار المحاذي لها، ويقع في منتصف الشارع الرئيس الذي كان يربطها برام الله، فقد أدى الجدار إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية لأعداد كبيرة من الشركات والمحال التجارية، مما دفع أصحابها إلى إغلاقها، والرحيل عنها. وتعتبر قصة المواطن بلال حمدي، صاحب محلات “كل شيء شهي”، إحدى النماذج البارزة في هذا المجال، حيث اضطر بعد التدهور الاقتصادي الكبير الذي لاقاه محله نتيجة إقامة الجدار، إلى إغلاقه، والانتقال إلى رام الله مؤخرا. ويقول حمدي، وهو من

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات