الجمعة 29/مارس/2024

أهالي بلدة قفين يشترون الزيت بعد أن كانوا من كبار منتجيه

أهالي بلدة قفين يشترون الزيت بعد أن كانوا من كبار منتجيه

 

بلدة قفين شمال الضفة الغربية والتي تتبع محافظة طولكرم، تقف الآن على حافة الهاوية التي سببها الاحتلال مرتين، فكانت نكبتها الأولى باحتلال ومصادرة معظم أراضيها عام 48، حيث فقدت ما يقارب 18 ألف دونما من أرضها التي كانت تصل إلى حدود البحر الأبيض المتوسط غربا، والذي يبعد عنها حوالي 15 كيلومترا، الأمر الذي جعل أهلها يذوقون مرارة الفقر والحرمان أعواما عديدة، حتى أتيحت لهم الفرصة للعمل في الداخل و ذلك بعد العام 67، ولم يواسيهم إلا ما تبقى من أرضهم التي عمروها من جديد بعد ما ضاع من أرضهم في النكبة الأولى.

 وتكررت المأساة مرة أخرى عام 2002 حين بدأ الاحتلال بإقامة جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية والذي يحيط ببلدة قفين من ثلاثةجهات، ليلتهم ما تبقى لهم من ارض، حيث فقد المواطنون ما يزيد عن 5500 دونما منها 5000 خلف الجدار، فكانت نكبتهم الثانية هذه المرة أدهى وأمر، ويظهر حجم مأساة سكان قفين بالنظر إلى خصوصية البلدة، حيث يعتمد غالبية سكانها البالغ عددهم 9000 نسمة على العمل في الداخل وعلى موسم الزيتون، فكانت الفاجعة حين حرم الجدار العازل ما يزيد عن 2000 عامل من التوجه إلى عملهم وصادر وعزل أكثر من ثلاثة أرباع الأرض المزروعة بالزيتون، مع العلم أن مسطح البلدة يقام على الربع المتبقي.

حرق ممنهج للزيتون

 و حسب مصادر بلدية قفين والجمعية الزراعية في البلدة فان الأراضي الواقعة خلف الجدار تعرضت لحرق ممنهج لخمس مرات، في العام 2005 التهمت فيها النيران على التوالي أكثر من 4000 دونما،وكانت النار تحرق اجزاء كبيرة من الارض قبل ان يسمح لعربات الإطفاء الفلسطينية بالدخول مع العلم أن إمكانياتها محدودة، ويروي أصحاب الأراضي المارين عبر البوابة، أن تلك الحرائق ما كانت لتحدث في الأصل لو سمح لهمالدخول إلى أراضيهم وتنظيفها من الحشائش والأوساخ، وأن بعض هذه الحرائق حدثت بسبب سقوط قنابل الإنارة التي يطلقها جيش الاحتلال خلال الليل، ويؤكد أهالي البلدة ان تلك الحرائق قام بها الاحتلال بشكل مقصود سواء مباشرة او من خلال عملائهم، وذلك من اجل تدمير الأرض وإنهاء مظاهر الحياة فيها، لكي يبتعد عنها اصحابها تدريجيا، وذلك هو دأب اليهود منذ أن احتلوا بلادنا.

 وفي لقاء مع شريف كتانه “أبو عمر”، الذي فقد 30 دونما خلف الجدار وأتت النار على معظمها، يقول: لم يبقى لي سوى بعض الدنمات خارج الجدار، مع أني كنت أعتمد اعتماد كلي على الزراعة وعلى موسم الزيتون بالذات، وأضاف: أننا لم نتعود أن نرى حرائق في أراضي بلدنا، ويتساءل لماذا نراها بهذه الفترة بالذات، وبهذه الكثافة والتكرار، ويروي كيف رافق الاطفائية الفلسطينية التي دخلت لإخماد احد الحرائق بعد عناء وجهد طويل من التنسيق مع الارتباط الصهيوني، والذي كان يعود إلى قيادة الجيش في جنين باعتبارها الجهة المسئولة عن البوابة المقامة في ارض قفين، ورأى بعينه احد المزارعين اليهود في المنطقة كان يعمل على ان لا تصل النار إلى مناطقهم، قام بإضرام النار في طريق يفصل ارض البلد عن الأراضي التي يقيمون عليا كبوتس ميسر، مما ساعد على زيادة حجم النيران، وأن الاطفائية الفلسطينية لم تستطع عمل شيء بفعل الإمكانيات المحدودة وقوة النار واتساعها.

خسائر بالملاين

تيسير هرشه رئيس البلدية قال أن خسائر البلدة وصلت 20 مليون دولار سنويا، موزعة على النحو التالي: 18 مليون تقريبا متوسط دخل عمال البلدة ممن كانوا يعملون في الداخل، والبالغ عددهم 2000 عامل بمتوسط 25 دولار للعامل يوميا، و2 مليون خسائر زراعية حسب أقل التقديرات، حيث صادرت قوات الاحتلال أكثر من 5500 دونما بمتوسط 20 شجرة للدونم، وحسب تقديرات مهندسي وزارة الزراعة فان متوسط إنتاج شجرة الزيتون في منطقة طولكرم يصل الى5 كيلو زيت، مما يعني أن الخسارة السنوية من 1.5 ال 2 مليون دولار نتيجة فقدان البلدة لأراضي الزيتون والتي تعود إلى ما يزيد عن 600 أسرة، أي ما يقرب 40% من سكان البلدة.

حرمان الأهالي من العناية بالأرض

ويضيف رئيس البلدية: “حتى ما تبقى من زيتون خلف الجدار يحرم أهالي البلدة من العناية به أو حتى الوصول إليه، ولم تسمح سلطات الاحتلال هذا العام إلا بدخول 400 مواطن للأراضي غربي الجدار وذلك لعدة أسابيع فقط من اجل قطف محصول الزيتون، وهي فترة لا تكفي لجني المحصول، وبالتالي لا تتيح للمزارعين العناية بالأرض وإصلاحها، مع العلم أن هذا العدد لا يصل إلى سدس مالكي الأراضي خلف الجدار”.

رئيس البلدية تلقى اتصالا من قوات الاحتلال تبلغه نيتها إغلاق البوابة الوحيدة التي تتيح للمزارعين الدخول إلى أراضيهم، على الرغم من أن الكثير منهم لم ينهي جني محصوله، وزيادة على المعاناة فان البوابة العسكري الوحيدة تدار من قبل قوات الاحتلال في جنين كما أسلفنا وليس في طولكرم، مما يجعل إمكانية الحصول على تصاريح أكثر صعوبة من باقي المناطق، وفي ظل هذا الوضع ازداد حجم المأساة في هذه البلدة المنكوبة، التي أصبحت الحياة فيها مشلولة بشكل شبة كامل، لاعتمادها على العمال، وهناك عدد قليل جدا من الموظفين، ومعظمهم يقيمون في مناطق خارج البلدة.

أبو نهاد يشتري الزيت بعد أن كان أكثر المنتجين

 ومن وسط هذه المعاناة توجهنا إلى الحاج وجيه صباح أبو نهاد الذي فقد أكثر 90% من أرضه البالغة 140 دونما، حيث بادرنا بتنهيدة عميقة عند فتح الموضوع، وقال ماذا أقول؟ لقد ضاعت الأرض وضاع كل شيء، وعند سؤاله لماذا يذهب وحدة عبر تلك البوابة، وبشكل متقطع رغم كبر مساحة أرضه خلف الجدار، قال: أية أراضي و قد حرق أكثر من 70 دونما منها ولم يحصل احد غيري من الأسرة على تصريح.

 وراح أبو نهاد يروي قصتهم منذ كان في السادسة حيث كان يعمل مع والده في أرضهم المسماة الدبة والتي أقيم عليها المطار الانجليزي المسمى عين شيمر، وعن أراضيهم المحيطة بها في ال48 وعن ذلك اليهودي الذي كان له بيارة بمحاذاة أرضهم والذي سأل والد أبو نهاد عن عدم غناه رغم اتساع أرضه وعرض علية 50 ألف جنيه فلسطيني مقابل قطعة ارض قريبة من بيارته مساحتها حوالي 50 دونما، فما كان من والده إلا أن حمل حفنة من تراب أرضه وقال أن نقوده لا تساوي ثمن تلك الحفنة.

 وفي حديثه عن المصيبة الأخيرة قال أبو نهاد: راجعت الارتباط أكثر من عشر مرات العام الماضي من اجل الحصول على تصريح دخول إلى ارضي خلف الجدار، ولم يستجيبوا لي إلا بعد أن أنهى الناس موسمهم وقارب إغلاق البوابة، حيث ذهبت أنا وزوجتي فقط الحاصلين على تصاريح لعدة أيام ولم نستطيع قطف إلا القليل مما تبقى من زيتون، حيث بقي الزيتون على شجره، وقد قدر خسارته العام الماضي لأكثر من 60 تنكة زيت.

 و يتابع أبو نهاد: ذهبت هذا العام فقط لأتابع الذين قاموا بقطف الزيتون المتبقي على نسبة ثلثين لهم وثلث لي، وقال إن ما يأتي من منتوج لا يسد حاجتنا وقد أصبحنا نشتري الزيت بعد أن كنا نبيع أكثر من 200 تنكه، وأن هذا حال كل بلدنا قفين بعد أن كانت مصدرة للزيتون أصبحت مستوردة له إذ تشتري معظم الأسر الزيت لتسد حاجتها، بعد أن كان اعتماد معظم هذه الأسر على موسم الزيتون، وأضاف لقد علمت كل أولادي تعليم عالي من مواسم الزيتون و الآن لا نجد (مونتنا) منه جراء هذا الجدار الظالم.

ويحلم بالعودة ..

وجعلنا أبو نهاد نحلق بخيالنا مرة أخرى وهو يقول كم آلمني ذلك الموقف قبل يومين حيث كنت أقف بجانب شجرة زيتون محروقة في ارضي غرب الجدار وأنا انظر إلى القرية التي كنت أصلها خلال 10 دقائق بعد أن أصلي المغرب وأحيانا العشاء في الأرض والآن أنا بحاجة إلى أكثر من ساعة أو ساعتين وحسب مزاج البواب.

 وقال والدموع تنهمر من عينيه، كم تمنيت أن يعود التاريخ إلى تلك اللحظات، وختم وهو يقول لن يستطيع احد أن يحس بذلك المرار الذي نعيشه إذ تربينا مع هذه الأرض وكبرنا مع شجرها، فهي حياتنا، وقد مات الكثير من أصحاب الأراضي المصادرة في هذه الأعوام كمدا وحزنا على أرضهم، ولن يستطيع احد أن يصور المشهد على حقيقته، فلن يغير حالنا إلا رجوع أرضنا المغتصبة.

وحال أبو نهاد مثل عشرات بل مئات من أهالي قفين الذين غير الجدار مجرى حياتهم وتركهم يجولون بخيالهم عبر التاريخ ليستذكروا كل ما هو جميل عن أرضهم بعد ما سد الجدار أفقهم وحرمهم من أن تتجاوز نظراتهم أبعد من بيوتهم، لتكمل النكسة الجديدة ما تبقى من أرضهم، وليبتعدوا عن التفكير بما آل إليه حالهم وأوضاعهم الاقتصادية بعد أن كانوا بأحسن حال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

36 شهيداً في عدوان إسرائيلي على ريف حلب

36 شهيداً في عدوان إسرائيلي على ريف حلب

حلب - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام سورية بارتقاء 36 شهيداً في غارات إسرائيلية استهدفت أهداف في ريف مدينة حلب منتصف الليلة الماضية....