الإثنين 02/أكتوبر/2023

وزارة أبو مازن .. انقلاب أبيض

وزارة أبو مازن .. انقلاب أبيض

ما حدث في مبنى المقاطعة، في رام الله، مساء الأربعاء 23/4/2003، كان انقلاب قصر، اندفع برياح معادية خارجية، وأخرى إقليمية في الاتجاه نفسه، مكنت محمود عباس من اجتياز الحواجز، على مدى خمسة أسابيع. هو انقلاب قصر لأن عباس من داخل الطبقة الحاكمة، وإن كان أكثر مهاودة للعدو الإسرائيلي من ياسر عرفات، ومن هنا الحماس الأميركي – الإسرائيلي لتولي عباس رئاسة الوزارة الفلسطينية. منذ أواخر نوفمبر 2001.

تطابق الموقف الأميركي مع نظيره الإسرائيلي في ضرورة إقصاء عرفات، وإحلال واحد من الأربعة إياهم محله «محمود عباس، أحمد قريع، محمد دحلان، وجبريل الرجوب»، لكن الأربعة اعتذروا عن عدم قبول هذا الموقع، كل على انفراد. عندها توصل الأميركيون والإسرائيليون إلى صيغة أخرى، تفضي إلى الإبقاء على عرفات رئيساً رمزياً، فيما يتولى عباس رئاسة الوزارة. لكن الأميركيين والإسرائيليين فطنوا إلى أن «القانون الأساسي» لمناطق الحكم الذاتي الفلسطيني لا يتضمن منصب رئيس الوزراء، بل إن عرفات وضع مشروع «القانون الأساسي» على الرف، بعد أن صادق عليه المجلس التشريعي، سنة 1997.

هنا طلب الأميركيون والإسرائيليون إلى عرفات الإسراع باعتماد «القانون الأساسي»، وحث المجلس التشريعي على استحداث منصب رئيس وزراء في هذا القانون. واقترن هذا الطلب بتصعيد عسكري إسرائيلي، طال – للمرة الأولى – مطار عرفات، ومروحياته، ومهابطها. وحين لم يستجب عرفات لهذا الضغط، عمدت القوات الإسرائيلية إلى شن هجمة «السور الواقي» منذ 29/3/2002 وفي سياقها ضيق المحتل الإسرائيلي الحصار على «المقاطعة»، مقر عرفات، لنحو شهر من الزمن. وإن أذعن عرفات للمطالب الإسرائيلية، المدعومة من البيت الأبيض الأميركي، وفي مقدمتها منصب رئيس الوزراء، إضافة إلى تسليم قتلة رحبعام زئيفي إلى قوة أميركية – بريطانية مشتركة، وترحيل بعض المجاهدين في كنيسة المهد، في بيت لحم، إلى أوروبا وقطاع غزة. مقابل إنهاء الحصار المضروب على «المقاطعة».

لكن عرفات ماطل في استحداث منصب رئيس الوزراء، وإن حول إلى المجلس التشريعي «القانون الأساسي»، بعد أن اعتمده. وشكل عرفات، في مدى ثلاثة أشهر، حكومتين، حجب المجلس التشريعي الثقة عن أولاهما، فيما ابتز عرفات المجلس في الحكومة الثانية، فنالت ما يشبه الإجماع.

إن كان عرفات أفلت، بطريقته، من المجلس التشريعي، فإن “إسرائيل” ظلت له بالمرصاد، وألحت على ضرورة استحداث منصب رئيس الوزراء، وتعيين عباس في هذا المنصب. وعاودت القوات الإسرائيلية محاصرة مقر عرفات، في الثلث الأخير من سبتمبر 2002، وخلال أيام الحصار عمدت قوات الاحتلال إلى تحويل كبار المسئولين الأجانب، الذين أتوا لمقابلة عرفات، إلى مقابلة عباس. مما فجر انتفاضة شعبية فلسطينية، تضامنا مع عرفات، في هذا الموقف. أصدر بعض أنصار عباس، مع رأسهم، مذكرة، وقع عليها كل من نبيل عمرو، ويحيى عاشور «حمدان»، وزهير المناصرة، ويحيى يخلف، وسرعان ما جاءهم الرد من قطاع غزة، في شكل مذكرة مضادة، حملت تواقيع: الطيب عبد الرحيم، ونبيل شعث، وصخر بسيسو وعبد العزيز شاهين، ومحمد دحلان.

انتقى عباس من بين كل الموقعين محمد دحلان، وسارع الأول إلى مهاتفة محمد رشيد، المقيم في القاهرة، يوسطه مع دحلان، وتم لقاء الثلاثة، في القاهرة، في أكتوبر الماضي، واتفق عباس مع دحلان. خاصة وأن “إسرائيل” كانت تصر على أن يسند منصب وزير الداخلية الفلسطيني إلى دحلان، بالذات، تمهيداً لاستلامه رئاسة الوزارة، بمجرد انتهاء الفترة الانتقالية في مناطق الحكم الذاتي.

في «15 فبراير» الماضي أعلن عرفات – بحضور مسئولين أوربيين كبار – من مقره في رام الله، موافقته على استحداث منصب رئيس الوزراء. وانعقد المجلس المركزي الفلسطيني لهذا الخصوص «8 مارس» وتمت الموافقة، مع تحفظ كل من «الشعبية» و«الديمقراطية»، و«التحرير العربية». في الوقت الذي أصدرت فيه الذراع العسكرية لفتح «كتائب شهداء الأقصى» بياناً، نددت فيه بعباس، وعارضت «حماس» و«الجهاد» هذا الاستحداث الذي يتم بناء على مطلب للأعداء. منذ البداية تجلت العزلة الشعبية والفصائلية لعباس، وحسب آخر استطلاع للرأي فإن عباس لم يفز بأكثر من 3 في المئة من أصوات المستطلعين!

في المجلس التشريعي خيضت معركة من أجل صلاحيات رئيس الوزراء، التي حاول عرفات أن يبقيها في أضيق حدود، بينما عمد عباس إلى محاولة توسيعها. وأخيراً تمكن عباس من نهش نسبة غير قليلة من صلاحيات عرفات. وفي 20 مارس الماضي، بعد لحظات قليلة من بدء العدوان الأميركي على العراق، كلف عرفات عباس بتشكيل الوزارة، حتى يتجنب عرفات وعيد شارون بترحيل عرفات، بمجرد اندلاع هذه الحرب.

عقدت اللجنة المركزية لفتح ثلاثة اجتماعات في «13، 14، 26 أبريل» وعرض عباس في أولها قائمة بأسماء وزرائه، فاستشاط عرفات غضباً، بمجرد أن اكتشف بأن القائمة غصت بخصوم له، بينما تم استبعاد بعض أنصاره، وتهميش الآخرين. حيث أسندت وزارة بلا حقيبة لكل من صائب عريقات، وياسر عبدربه، ووزارة البيئة لماهر المصري، فيما أقصي عزام الأحمد، وأحمد عبد الرحمن. وأتى عباس بمجموعة موالية له من الوزراء، تركزت معارضة عرفات واللجنة المركزية على العقيد محمد دحلان. ذلك أن “إسرائيل” تريد تصفية الانتفاضة، ونزع أسلحة الفصائل، ما يجعل مهمة هذه الوزارة تنحصر في ضمان أمن “إسرائيل” والإسرائيليين، اعتماداً على وزير الداخلية، المشرف على كل الأجهزة الأمنية.

في قائمة الوزراء تجاهل عباس مرشحي «فدا»، و«النضال الشعبي»: زهيرة كمال وأحمد المجدلاني، على التوالي، فيما أسند إلى مرشح «حزب الشعب»، غسان الخطيب مقعد السياحة، مما دفع حزب الشعب إلى الامتعاض من هذا المقعد، وفي القائمة النهائية أعاد مرشحي «فدا» و«النضال»، كما اختار الخطيب للعمل، كما كان!

من هو عباس؟

عرف عن عباس انتمائه المبكر إلى اليمين الفلسطيني، وهو من الدعاة المبكرين للتعايش مع “إسرائيل”، وإليه تعود جملة «فاتتنا الطائرة»! بمجرد أن أقلع الرئيس المصري السابق، أنور السادات، بطائرته إلى “إسرائيل” 19/11/1977، لوضع «مبادرته» بالصلح مع “إسرائيل” موضع التطبيق. وعباس مهندس «اتفاق أوسلو»، والموقع عليه، نيابة عن «منظمة التحرير الفلسطينية»، وهو من برر حماسه لهذا الاتفاق، أمام المجلس المركزي الفلسطيني، في حينه، بأن هذا الاتفاق إما أن يفضي إلى دولة فلسطينية، وإما أن يكرس الاحتلال الإسرائيلي لكل فلسطين. أي أنه انزلق إلى التجريب في صدد القضية الوطنية، بما يشبه المقامرة. وقد نفر من «انتفاضة الأقصى والاستقلال»، منذ يومها الأول، ودأب على معارضة «عسكريتها»، منذ نحو عام. بينما «العسكرة» تعني بأن الشعب كله مسلح، الأمر الذي لم يحدث، كما أن الإشارة إلى «عسكرة الانتفاضة» تبرئ المحتل الإسرائيلي. البعض يقول بإعطاء عباس فرصة، ويبدو أن «الفرصة» غدت نغمة في وطننا العربي. بينما ينبئنا الرسول الكريم «صلى الله عليه وسلم» بأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!

وبعد، فمن أسف أن كل الأمور تمت في غياب الشعب الفلسطيني، تماماً مثل ما أطلقوا عليه «الدستور الفلسطيني»، الذي صيغ، بليل، في القاهرة، لينقل إلى لندن، وتتم مناقشته هناك. وقد انحصرت الخلافات بين عرفات وعباس في الأمور الشخصية، أي على «الأزلام»ومدى النفوذ، دون المبادئ والبرامج. أما «خطة الطريق» فلا تتعدى «طبخة» الحصى الأميركية الجديدة، ثم ألم تنقضي سبع سنوات متصلة – بعد توقيع «اتفاق أوسلو «1993 ـ 2000» دون أن يقدم الإسرائيليون، أي تنازل بل وسعوا مساحة مستوطناتهم؟!.. وما التهموه من أراضي العرب الفلسطينيين قفز إلى ثلاثة أضعاف، ناهيك عن اعتراضات شارون الكثيرة على هذه الخطة، بينما يرى الأميركيون بأن مثل هذه الاعتراضات ينظر في شأنها، في المفاوضات اللاحقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ألم يقل الرئيس الأميركي الأسبق، بأن مشروعات الإدارة الأميركية تنطبق عليها صفة «الغموض البناء»، غامض لأعداء الولايات المتحدة، بناء للأخيرة وحلفائها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات