الإثنين 02/أكتوبر/2023

تعلموا من حماس

تعلموا من حماس

صحيفة النهار اللبنانية

حلت الشجاعة بالجامعة العربية، وقرر أعضاؤها الكسر الفوري للحصار المفروض على الفلسطينيين رداً على الفيتو الأميركي ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدين المجازر الإسرائيلية في بيت حانون ويطالب بالتحقيق فيها .

يا لها من حمية مفاجئة تستحق التصفيق ورفع القبعات: رد عربي جماعي على قرار أميركي. إنها المرة الأولى منذ سنوات طويلة يحصل فيها مثل هذا الرد. فما عدا مما بدا .

ولكن لن تذهب بنا النيات الخبيثة إلى القول إن قرار كسر الحصار يعني أن العرب كانوا مشاركين فعلاً لا قولاً في هذا الإجراء العقابي الذي خنق الفلسطينيين وما بقي من أمل باقتصادهم وكاد أن يودي بهم إلى شفير الحرب الأهلية. لا لشيء، سوى لأن سلطة اختارها الناس ممثلاً شرعياً لهم قررت أن تنتهج في الحكم ما يتلاءم وبرنامجها السياسي الذي على أساسه نالت غالبية أصوات الفلسطينيين.

ولكننا نسأل: هل هذا القرار هو رد على “الفيتو”، أم لأن الحرم الأميركي الذي “كان مفروضاً على الفلسطينيين قد سقط بعد الأنباء “السارة” عن تخلي “حماس” عن تفردها الذي مارسته بموجب القانون والأكثرية النيابية التي نالتها في صناديق الاقتراع؟

وهل هذا القرار العربي هو رد على مجزرة إسرائيلية واحدة في سلسلة لا تنتهي، أم أنه تسهيل لقيام حكومة وحدة وطنية فلسطينية تخرج السياسيين وتدخل الكفايات المهنية التي لا لون لها ولا طعم ولا رائحة إرضاء لواشنطن والمجتمع الدولي و”المعتدلين” العرب؟ وتالياً هل القرار يمثل انتفاضة عربية على السياسة الأميركية أم أنه مرة أخرى يأتي استجابة لرغبة واشنطن بعدما تحقق لها ما أرادت فلسطينياً؟

ما حصل يعبّر عن “شجاعة” لكن الشجاع الفعلي هو حركة “حماس” التي فضلت مصلحة الشعب الفلسطيني على مصلحتها الذاتية بعدما بات أمامها خياران لا ثالث لهما: التمسك بوحدانية القرار حتى إجراء الانتخابات المقبلة، أو إدخال الفلسطينيين في متاهات الصراعات الداخلية وصولاً إلى حد الاقتتال والحرب الأهلية؟

لا شك في أن وصول “حماس” إلى السلطة في هذه الظروف أوقعها في إشكالية سياسية عميقة بين ما تتوق إليه في شعاراتها وعقيدتها، وما يفرضه الواقع من تنازلات. لكن الحركة نالت السلطة شرعياً في انتخابات كانت واشنطن والمجتمع الدولي يصران على إجرائها أكثر مما يصر عليها الفلسطينيون أنفسهم. وتالياً كان من حق الحركة أن تتمسك بهذا المكسب ما دامت تضمن الغالبية الشعبية والنيابية، وأنها لم تنقلب على الديموقراطية التي حملتها إلى رأس السلطة. كذلك كان من حقها أن تدير شؤون الحكم بالطريقة التي تراها مناسبة، وأن تكون الانتخابات المقبلة هي الفيصل. من هنا كان يمكن “حماس” أن تتصلب في موقفها وأن ترفض مطالب “الأقلية” التي تمثلها حركة “فتح” وتتعامل مع تحركها السياسي والنقابي والأمني المضاد على أنه “محاولة انقلابية” على السلطة الشرعية. وكان يمكن أيضاً أن تعتبر قصر المساعدات الأميركية والأوروبية على الرئاسة وأجهزتها الأمنية دون غيرها من المؤسسات الرسمية، “تعاملاً مع الخارج” وادخالاً للفلسطينيين في “محاور” و”أحلاف” خارجية تضر بالمصلحة الوطنية. كذلك كان يمكن أن تعتبر مشاركة الدول العربية في الحصار المالي والسياسي مبرراً لها لتعميق تحالفها مع طهران والقوى الأخرى المسماة متطرفة .

لكن “حماس” تدرك أيضاً أن المناخات الإقليمية والدولية الحالية لا تتلاءم كثيراً وشعاراتها المرفوعة، وأن الانقسام في الشارع الفلسطيني بلغ حد الخط الأحمر ويكاد يدفع بالجميع إلى متاهات الحرب الأهلية وتالياً إعادة الفلسطينيين عشرات السنين إلى الوراء وجعل أملهم بدولة مستقلة حلماً لن يتحقق .

لذا وبدلاً من إصرارها على التصلب المتاح، اختارت “حماس”، وهي السياسية بامتياز، التنازل لمصلحة “كفايات” لا لون سياسياً لها ولا طعم، وقبلت بأن تشارك هي و”الأقلية” في صنع القرار. وبدلاً من أن يتوجه وزير خارجيتها إلى طهران لطلب دعمها في مواجهة الفتحاويين، انضم إلى نظرائه العرب في القاهرة ممثلاً للرئيس عباس لإضفاء شرعية عربية على التغيير في الموقف الفلسطيني .

في الماضي، تعلم لبنانيون من الفلسطينيين فنون القتال والمناورة السياسية، فهل نتعلم منهم هذه المرة فنون التنازل والتسوية عندما يبلغ حد السكين رقبة الوطن؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات