الأربعاء 14/مايو/2025

نجح هنية.. وبتفوق!!!

بهاء فرح

ملامحه الهادئة، وابتسامته التي لا تكاد تفارق شفتيه، وسمة التواضع التي تبدو على محياه، تكاد تكون أبرز السمات التي جعلت من دخول السيد اسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني، إلى قلوب عامة الفلسطينيين سهلا، بغض النظر عن الانتماءات السياسية، أو أي اعتبارات أخرى، فشخصية أبي العبد ربما تكون الأكثر قبولا لدى المواطن الفلسطيني، ولا تكاد تسأل أحدا من العامة عنه إلا أجاب بحبه له.

هنية القيادي الشاب الذي لم يكن معروفا لدى أوساط الكثير من الفلسطينيين، حتى أبناء حماس وأنصارها، إلى سنوات قليلة مضت، شق طريقه نحو القيادة بشكل سريع. فهو الشاب الذي بدأ يظهر للعامة بعد خروج الشهيد الشيخ أحمد ياسين من سجنه عام 97، حيث أصبح هنية مديرا لمكتبه، ثم بعد محاولة الاغتيال الأولى للشيخ ياسين، وكان أيضا برفقة هنية، إلى أن أصبح القيادي الأول في الحركة، في نظر الناس على الأقل، بعد استشهاد الشيخ ومن بعده الدكتور الرنتيسي.

وكان أبو العبد أحد المبعدين إلى مرج الزهور في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وكان في حينها شابا صغيرا كما يقول من كانوا برفقته، إلا أنه كان يتمتع بنشاط وحيوية، إضافة إلى الفكر النير له سياسيا وإداريا، صفات جعلت منه الشخصية الأولى في مكتب الشهيد ياسين، وشغل أيضا مناصب إدارية متعددة في الجامعة الإسلامية والمجمع الإسلامي، إضافة إلى عضويته في القيادة السياسية لحركة حماس، وصولا إلى رئاسة الحكومة الفلسطينية.

ولم يكن من الغريب أن يوضع اسمه على رأس قائمة حماس في الانتخابات التشريعية، فشخصيته ومكانته لدى أبناء الحركة، وعموم الشعب الفلسطيني جعله الخيار الأول لحركة حماس، في منافستها في الحملة الانتخابية، كما أن انتخابه رئيسا للوزراء لاقى قبولا واسعا لدى أبناء الحركة أيضا.

ومنذ وصوله إلى رئاسة الوزراء ظل أبو العبد مثالا للقيادي المتواضع، وقربه من الجمهور الفلسطيني في جميع المواقع، وبعده عن مظاهر الفساد، أو حتى مظاهر تمسكه بالدنيا ومغرياتها، فظل يسكن في منزله المتواضع في مخيم الشاطىء، في منطقة يصعب الوصول إليها بالسيارة.

إلا أن الحصار الذي فرضه الاحتلال ومن خلفه العالم أجمع على الشعب الفلسطيني، وانقطاع رواتب الموظفين لأشهر طويلة، جعلت مهمته تبدو صعبة، في ظل أوضاع اقتصادية لم يشهدها الفلسطينيون منذ سنوات طويلة، وفي ظل حملة شرسة سواء داخلية أو خارجية، كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى إظهار عجز حماس عن القيادة.

هنية الذي أبدا تمسك حركة حماس بخيار الشعب الفلسطيني الذي اختارها لتقوده، مع علم الشارع بالبرنامج الذي خاضت الحركة الانتخابات على أساسه، وربما توقع أيضا الحصار من الاحتلال، أبدا في هذا الوقت أيضا أنه ما زال عند الكلمة التي قالها حين تولى رئاسة الحكومة “نحن لسنا طلاب مناصب، ولسنا من عشاق الكراسي”. فها هو يعلن اليوم أنه لو خير بين رئاسة الوزراء ورفع الحصار عن شعبنا لاختار رفع الحصار، كما أثبت أيضا أنه ليس ممن يرضون بالتخلي عن الثوابت من أجل الكرسي فقال “ولو خيرت بين الحكومة وبين الثوابت، لاخترت التمسك بالثوابت”.

لم يكن يبدو على رئيس الوزراء الضعف أثناء حديثه بل إنه كان يتكلم بلغة الواثق، وبلغة من لم يتأثر بكل الحوادث التي مرت بها حكومته على مدى الشهور الماضية من عمرها، بل كانت السمة الواضحة في حديثه وملامحه تعبر عن حرصه على مصلحة الشعب الفلسطيني، وحرصه على التأكيد على أن شخصه وحركته ليسوا حريصين على مناصب، ولا يقبلون أي تفريط بأي من الثوابت الوطنية في مقابل الحصول على منصب أو سلطة أو سمعة.

صمود أبي العبد في الشهور الماضية، حتى في ظل التهديد الإسرائيلي باغتياله، وفي ظل مساعدة الدول العربية في حصار حكومته، كان يهدف بالدرجة الأولى إلى إيصال رسالة مفادها أن هذا الشعب قال كلمته في الانتخابات، وأنه لا يحق لأي كان أن يتدخل في خيار الشعب الفلسطيني وإرادته، ولا يمكن التسليم لأي كان، أو القبول بالمساومة على أي من ثوابت الحركة التاريخية.

إلا أن التعاطي المتزايد مع التشهير برئيس الوزراء واتهامه بالتمسك بالسلطة على حساب مصلحة الشعب الفلسطيني، وأن هنية يرضى بتجويع الشعب مقابل بقاء حماس في الحكم، دفعه إلى أن يعيد الناس إلى رشدها، ويبقي مقولته راسخة “لسنا طلاب مناصب”.

فها هو وفي ذروة التأييد الشعبي له، ولا أدل على ذلك من المهرجان الذي شهده ملعب اليرموك، ها هو يعلن اليوم أنه على استعداد للتخلي عن رئاسة الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية دون أن يكون عضوا فيها، مقابل أن يفك الحصار عن الشعب الفلسطيني.

تعودنا فيما مضى أن الزعماء يستغلون أي تأييد من الشارع مهما كان حجم هذا التأييد، ليعلنوا أنهم خيار الشعب، ويعطوا أنفسهم الشرعية المطلقة للتشدق بالحكم، إلا أن ما شهدناه من هنية يثبت أنه جدير بحب الشعب له، وأنه جدير بأن تنحني له رؤوس الساسة الكبار احتراما لموقفه المشرف، وأن اسمه يستحق أن يكتب في صفحات العظماء، كزعيم اختار شعبه وثوابته على منصبه، اختار أن يعود إلى الشارع وخياره لا أن يتنازل عن ثوابته من أجل تعزيز مركزه.

كان باستطاعة هنية أن يمد يده للاحتلال وللعالم أجمع، كان بإمكانه أن يقدم تنازلات كما قدمها كثيرون قبله، كان بإمكانه أن يختار التسوية مع الاحتلال، كل هذه الخيارات كانت ستبقي على وجوده في الحكم، بل تزيد من قوته ودعم العالم له، وحتى الدعم العربي المرهون بمواقف خارجية، وستفتح له أبواب العالم بأسره، وستتدفق الأموال على الفلسطينيين من كل اتجاه. إلا أنه في نفس الوقت كان سيخسر قاعدته الجماهيرية في حركة حماس، وكان سيكتب اسمه مع المتخاذلين والبائعين.

إلا أنه باع الجاه والمنصب، وعاد إلى شعبه وقاعدته وأثبت، وعلى عكس ما ردد الكثيرون من خصومه، بأنه ليس من طلاب السطة والجاه، بل إنه قبل هذا المنصب للحفاظ على ثوابت شعبه، وليبقي ظهر المقاومة محميا من الطعنات التي طالما أثخنته. وحينما جاء الوقت ليختار شعبه أو كرسيه، كان عند حسن ظن أنصاره وشعبه به، دائما بين الجماهير، واختار أن يظل زعيما شعبيا على أن يكون رئيسا متنازلا.

هنية اليوم يترك كرسيه، لكنه يترك إرثا ثقيلا لمن سيأتي بعده، فيا ترى ما الخيار الذي سيختاره خلف هنية إن وضع في نفس الامتحان؟، وهل بريق السلطة سيعمي عينيه أم أن نور الإيمان بالله وحق الشعب في استرداد حقوقه سيبقيه على نفس الطريق؟، وما مصير هذا النهج الذي خطه أبو العبد كطريق لاسترداد حقوق الشعب الفلسطيني؟.

 أسئلة ربما لن تجد إجابة الآن، وربما تكون الإجابة عليها صعبة جدا لنا ولمن سيخلف هنية، لكن الإجابة اليوم واضحة للدنيا بأسرها، من واجه صواريخ الاحتلال ولم يخف، ومن كان الموت على بعد خطوات منه دون أن يتراجع، لن يعمي عينيه بريق السلطة، ولن يحرف بوصلته حب السلطة والنفوذ.
 
* المنسق الإعلامي لرئيس المجلس التشريعي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...