الإثنين 02/أكتوبر/2023

المقاومة حق والمقاومة واجب

المقاومة حق والمقاومة واجب

رئيس اتحاد الكتاب والأدباء العرب

الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق أصبح واقعاً يرحب به بعض العراقيين ويتعاملون معه تحت اسم التحرير، ويرفضه آخرون منهم بشدة ويلوحون بمقاومته بوصفه احتلالاً لأرض العراق، ذلك واقع علينا أن ندرك أبعاده ونحن نصحو من صدمة سقوط بغداد، وإباحة المنشآت العامة العراقية، ونلمس ما خلفته الفوضى المدبَّرة من سلب ونهب وتدمير شمل الآثار والمكتبات العامة والمؤسسات والوثائق ومقومات الذاكرة والوجدان، وترك تأثيراً سلبياً عميقاً في النفوس، حيث قدم صورة لا يرضاها أحد من أهل العراق لنفسه ولا يرضاها أحد للعراق وأهله.

والتهديد الأميركي المباشر لبلدان عربية وإسلامية أخرى، على رأسها سوريا وإيران، صار معلناً لا تنقصه الذرائع القديمة الجديدة المتجددة، ولا يخفي أهدافه والمطالب والمصالح الأميركية الصهيونية التي يريد تحقيقها.

وصوت الأمْرَكة والمتأمركين، والصهينة والمتصهينين في وطن العرب يصم الآذان بضجيجه ويعشي الرؤية بعجيجه، ويقدم بضائع وكلائه ويروج لها مطالباً من بقي من العرب على شيء من تماسك ومبدأ وقيم وهوية وانتماء ورؤية سليمة، بالتخلي سريعاً عما لديه وتغيير طريقه ليتلاءم مع خريطة الطريق الجديدة التي ستبدأ بفلسطين ولن تتوقف عند حدود.. حتى بعد اختراق ما تبقى من عواصم العرب من دون اختراق واحدة بعد أخرى.

سلام صهيوني هو الاستسلام العربي، وعهد أميركي هو الاحتلال لوطن العرب، وباعة «متحضرون متمرنون متنقلون» يروِّجون للاستعمار والاستسلام واليأس، ويقدمون الهزيمة نهاية طريق ومنطقاً واقعياً، والخيانة خياراً واعياً للنخبة، والتجسس لمصلحة العدو شراكة في التحرير وبناء لديموقراطية تأتي على ظهور الدبابات، وتدمير الشخصية والهوية العربيتين ومقومات العقيدة الإسلامية وقيمها تطوراً وتقدماً وانسجاماً مع منطق العصر الأميركي الصهيوني وتخلصاً من التخلف والجهل و«الإرهاب» الذي يتهم به من يواجهون جيش الغزو بدمائهم وأجسادهم بعد أن عز السلاح ولا سلاح؟!

تفاقم الإحباط

وقائع الفتك اليومي بالأمة العربية في كل مجال، مادياً وروحياً، تزداد وتوظَّف نتائجها لتحقيق مزيد من الفتك بها، والإحباط تفاقِمُه الخيانةُ وأشكال التزوير والعجز المترامي الأطراف.. وعدو الأمة الذي يتربع على مساحات جديدة من الأرض والقرار وينتشي وهو يعلن اعتماد سياسة « فرق تسد» للتحكم بالمصائر والرقاب.. فتنتشي لنشوته رؤوس ورقاب تمرِّغ وجوهها تحت قدميه وتصرخ طالبة المزيد من الدم والفتك بالأخوة الذين ما زالت بعض المسامير تربط خشب مراكبهم لكي يغرقوا في محيط الاحتلال الأميركي الصهيوني الذي يُراد له أن يكتسح أرض العرب؟!

نحن أمام واقع جديد فيه العجز والاستعداء والتشفي والحقد والمقت سيد، وأمام مرحلة جديدة من انتشار الداء في جسد الأمة بعد أن غزا دوائر الإرادة منها وتغلغل في الروح. ولن يشفع لنا أن نعرف.. كما لن يشفع لنا أن نذكر ما نعرف ونذكِّر به، كأنما يكتفي الواحد منا بالقول لتبرئة الذمة أو ليصعِّر خده للناس ويقول: ألم أقل لكم؟!

نحن أمام مواجهة المحنة والامتحان، ولن ينقذنا مما نحن فيه سوى أنفسنا وقوة نملكها ونحسِن استخدامها وإيمان بالله والوطن والحق يجعلنا أقدر على التضحية من أجل نصرة الدين والوطن والحق.

برنامج العدو واضح ودقيق وبرنامجنا غائم إن لم نقل غائب، وبرنامج من يتعرض للاحتلال والتهديد والغزو أن يقاوم الاحتلال والغزو ويتهيأ لمواجهة التهديد، ولكننا لم نفعل ذلك ولم نتوجه التوجه الصحيح بعد.

وحين نقاوم لا نعتدي على أحد، ولا نكون «إرهابيين» كما يقول العدو ويردد بيننا بعض أتباعه وأعوانه والمتحالفين معه، نحن لم نذهب إلى ديار الآخرين قاطعين آلاف الأميال حاملين راية شر وعدوان وإنما قدم الشر والعدوان بجندهما وراياتهما وأسلحتهما إلى ديارنا وقتلا من قتلا من أهلنا ودمرا ما دمرا في وطننا وهما ينذران بالمزيد .. ولا نلمح في الفضاء فسحة أمل بأن يقف العدوان عند حدود ويرتدع الشر بلا رادع.. وعندما يغير المحتل لهجته قليلاً، بين احتلال واحتلال، فإنما يفعل ذلك ليكسب وقتاً وليدبِّر مكيدة أخرى.. ولسنا بحاجة إلى إثبات ما هو ثابت وتجريب ما هو مجرب لنعرف ذلك ونتأكد منه، كما أننا لسنا بحاجة للتغاضي عن خيوط المؤامرة حتى نظهر أبرياء ممن يقولون بوجود المؤامرة..

وإذا كنا سنضحك على أنفسنا بعد الذي جرى وننكر وجود المؤامرة والاحتلال والمخطط التدميري الواسع الذي يستهدف الأمة ومصالحها وثقافتها وعقيدتها ومستقبلها، فإننا نسقط في فخ الاستغفال والوهم، ونساهم في إنجاح المؤامرة التي تستهدفنا.

جبهة ثقافية

الاحتلال المباشر في أرضنا، وشعبنا الواقع تحت الاستعمار لن يتخلص مما هو فيه إلا بالمقاومة المسلحة بالإيمان والوعي والعلم والسلاح، والمقاومة حق يفرضه علينا مبدأ الدفاع عن النفس والحق والوطن، وواجب يستدعيه العدوان والغزو والاحتلال، وليس لنا إلا أنفسنا في هذا الميدان. الاستسلام مرفوض والإقرار بخسارة معركة واجب تبدأ منه القراءة الصحيحة ليبدأ العمل المنقذ. والقراءة الصحيحة تستدعي معرفة عدونا وأهدافه وقوته بدقة، ومعرفة واقعنا من الداخل بعمق. نحن في أوضاع سياسة عربية ترفض معها معظم الأنظمة العربية، إن لم نقل كلها، السماح بمقاومة أو بالاستعداد البعيد لأي نوع من أنواع المقاومة ضد الأميركيين والصهاينة، لأن ما يشغل الحاكم في بلداننا مختلف عما يشغل المحكوم فيها، ولأن ما يخسره المحكوم في المواجهات التي تتم فوق أرضنا يختلف عما يخسره الحاكم فوقها، الأول قد يخسر ما يملك وحياته وحياة أهله وبنيه أيضاً والثاني لا يُهَدَّد في حياته ولا في ما يملك وقد يجني الكثير من الربح في المواجهات.

من هنا كان المهدد بالخسارة الكبرى مدعواً للدفاع عن نفسه وعما يملك وعما يشكله له الوطن الذي تكون فيه الحياة ويكون فيه الملك والأمن من جوع وخوف.

لذا فإنني أدعو إلى الاستعداد لمقاومة المحتل، ومشاريع التصفية والتيئيس التي ينشرها ويعمل على غرسها في النفوس ساسة من كل نوع و«مثقفون» من نوع معين، كما أدعو المؤمنين بمستقبل للأمة العربية والإسلام إلى العمل المنظم الدؤوب وصولاً إلى مقاومة شديدة ومديدة للمحتل، ومقاومة للاستسلام والهزيمة. وأتوجه إلى أصحاب الرأي والموقف والمبدأ.. إلى مثقفين يؤمنون بمستقبل الأمة العربية ودورها الحضاري وبقدرتها على أن تنهض وتتقدم متمسكة بهويتها وعقيدتها وخصوصيتها، وأن تحقق نصراً واستقلالاً تامين، أدعوهم إلى جبهة ثقافية عريضة يجمعها المشترك العظيم فيما بين أفرادها وأطرافها، والإرث العظيم الذي للأمتين العربية والإسلامية خلال التاريخ، لكي نؤسس لعمل منقذ.. لتحرير صحيح وعميق ودائم.. يبني فيه شعبنا استقلاله التام وحريته بيده ولا يسمح بأن ينتزع ذلك منه مستعمر أو طامع ممن هم خطر على الحرية والشعوب والقيم والحضارة.

إن الوطن يحتاج إلى من يدافع عنه بالكلمة والحكمة والموقف والسلاح، وإن التهديد مستمر لوطننا ومصالحنا، وسوف يتصاعد وينتشر ليشمل الأمة في وجودها وعمق تكوينها الثقافي والحضاري والديني، وإن المسؤولية في جزء كبير منها على الأقل تقع على عاتق من يدركون أبعاد التهديد ومرامي الاحتلال من جهة، ومعطيات الواقع ومتطلبات المواجهة وضرورتها من جهة أخرى.

إننا مدعوون للدفاع عن النفس والأرض، عن الذاكرة والوجدان، عن التاريخ والجغرافية، عن الهوية والدين، عن القيم والبعد الإنساني لحضارتنا وعقيدتنا.. مدعوون للدفاع عن الروح في فضائها المتسامي ضد مادية محدودة الرؤية والفضاء، عن الحضارة التي ورثناها وأسسنا لها ونسأل عن المحافظة عليها وإغنائها.

نحن في عصر منظري الحقد الصهيوني العنصري الذي يتسربل بدم الأطفال والشيوخ والنساء ويندلق موتاً ودماراً ضد الشعوب، وسوف يقود هذا النفر القاصر الفكر قوة عمياء تحرق العالم كله بنارها..

فلنتحمل مسئوليتنا في قرع ناقوس الخطر من جهة وفي الدفاع عن أنفسنا وعقيدتنا والحضارة والبشر من جهة أخرى.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات