الإثنين 02/أكتوبر/2023

العراق.. فلسطين الثانية!

العراق.. فلسطين الثانية!

هل تتبلور فعلاً «جبهة المقاومة الوطنية» في العراق وتثبت وجودها على الأرض؟

من المبكر أن نعرف الإجابة القاطعة على هذا السؤال، ولكن هل يبقى للشعب العراقي خيار غير المقاومة بعد أن وقعت أرضه تحت احتلال قوة أجنبية استعمارية؟ ولا نعلم إن كانت «جبهة المقاومة الوطنية» قد أنشئت بالفعل كتنظيم مظلي يضم عدداً من فصائل المعارضة العراقية. كل ما نعلمه أن أحد قادة المعارضة البارزين – عبد الأمير الركابي من «التيار الوطني الديمقراطي» – أعلن عن قيام الجبهة من خلال مقابلة مع فضائية أبوظبي «لمواجهة الاحتلال الأميركي».

 

ودعا الركابي كافة القوى وجماهير الشعب العراقي إلى مقاطعة أي حكومة احتلال أو أية حكومة تقام تحت الاحتلال. وطالب الركابي أيضاً كافة المراجع الشيعية والسنية وكل الطوائف بإصدار فتاوى تحرم التعامل مع أي حكومة احتلالية. وأعرب عن اعتقاده بأن القوات الأميركية سوف تخرج من العراق بالقوة.

 

هي إذن دعوة ؟إلى كفاح شعبي مسلح.. أو معارضة داخلية للوضع الاحتلالي بكافة الأساليب بما في ذلك أسلوب الكفاح المسلح. فما هو مدى النجاح المتاح لمشروع نضالي عملاق كهذا؟

 

إن أولى الملاحظات التي يمكن إبداؤها في هذه المرحلة المبكرة هي ما إذا كان تنظيم «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» يتجاوب مع هذه الدعوة. فهذا التنظيم يمثل غالبية الشعب العراقي.. وثانياً، هو التنظيم المعارض الوحيد الذي لديه قوة ضاربة – أي أجهزة أمن مسلحة – (إذا استثنيا المعارضة الكردية في الشمال العراقي بفصيليها)، علاوة على أنه يتمتع بدعم إيراني قوي. فأي مقاومة مسلحة لا يشارك فيها هذا التنظيم بقوته الضاربة لن تستطيع الصمود لوقت طويل. فماذا يقول قادة التنظيم؟

 

في أعقاب سقوط بغداد في أيدي القوات الأميركية الغازية وصدور دعوة من المسئولين الأميركيين إلى اجتماع للمعارضة العراقية تحت إشراف أميركي، أعلن حامد البياتي أحد قادة «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» أن هذا التنظيم لن يشارك في الاجتماع المذكور، لأنه – أي الاجتماع – «جزء من خطة لتشكيل مجلس استشاري للحاكم العسكري الأميركي للعراق».

 

وأضاف: «نحن لن نكون جزءاً من ذلك المشروع على الإطلاق». ما يفهم من هذا التصريح أن «المجلس الأعلى» سوف يتخذ موقف معارضة حازمة ضد الوجود الأميركي في العراق، لكن علينا أن ننتظر لنرى خلال الأيام القلائل المقبلة ما إذا كان التنظيم سوف يلجأ أيضاً إلى العمل المسلح. في كل الأحوال فإن المنظمات العراقية التي تعارض الوجود الاحتلالي الأميركي في الأرض العراقية ستكون في سباق مع الزمن. فالسلطة الاحتلالية الأميركية التي يرأسها «الحاكم المدني» للعراق الجنرال المتقاعد (جاي غارنر) مكلفة بتنفيذ أجندة مصيرية تتكون من ثلاثة بنود أساسية هي:

 

– إلغاء تأميم صناعة النفط الوطنية العراقية تمهيداً لتسليمها بالكامل إلى كبرى شركات النفط الأميركية.

– تحويل بنية الاقتصاد الوطني العراقي بالكامل إلى نظام اقتصاد السوق.. أي تصفية هيكلة القطاع العام وإلغاء دور الدولة المهيمن على الاقتصاد.

– تحضير الظروف السياسية الملائمة لاعتراف العراق بـ”إسرائيل” وتطبيع العلاقات معها.

 

وما تحتاجه الولايات المتحدة من أجل تنفيذ هذه البنود الخطيرة هو أن يكون للحاكم الأميركي في بغداد واجهة «عراقية» مجلس وزراء صوري أو هيئة استشارية، حتى تبدو القرارات التي تصدر وتطبق وكأنها صادرة عن إرادة وطنية عراقية.

 

والذي سيدور في خلد الفصائل العراقية التي تعارض الاحتلال الأميركي هو الحيلولة دون تنفيذ هذه البنود.. مما لن يتسنى إلا بتبني نهج الكفاح المسلح في وقت مبكر قبل أن تترسخ أقدام الإدارة الاحتلالية الأجنبية وتصبح إحدى حقائق الوضع الداخلي العراقي. وإذا قام بالفعل تنظيم عراقي مظلي للدخول في مقاومة مسلحة، فإنه سوف يجد أن البيئة الإقليمية والدولية من حوله لصالحه. فبالإضافة إلى الدعم الإيراني المتوقع فإن من الشواهد المتوافرة الآن أن الغالبية العظمى للدول العربية سوف تتحرج من الاعتراف بالإدارة الاحتلالية الأميركية في بغداد. ومن ناحية أخرى فإن القوى الدولية المعارضة للحرب على العراق أصلاً والتي تعارض الآن سعي الولايات المتحدة للانفراد بحكم العراق، سوف تعارض أيضاً أي محاولة أميركية لاستصدار قرار أو قرارات من الأمم المتحدة تضفي شرعية على الإدارة الاحتلالية.

 

وإذن فإن المعركة التحررية الداخلية التي قد تخوضها فصائل من المعارضة العراقية ضد أي سيطرة سلطوية أميركية في العراق – صريحة كانت أم مغلفة – سوف تكون مدعومة بمعركة دبلوماسية على صعيد مجلس الأمن الدولي تشنها فرنسا وألمانيا وروسيا والصين على الولايات المتحدة وبريطانيا. والمعارضة العراقية ذات التوجه الوطني الخالص في سباق مع الزمن أيضاً، حتى لا يتحول العراق إلى فلسطين ثانية.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات