الإثنين 02/أكتوبر/2023

حرب الأكاذيب

حرب الأكاذيب

في تكذيب مهذب لوزير دفاعه (دونالد رامسفيلد) أكد الجنرال (فينسينت بروكس) الناطق الرسمي باسم القيادة المركزية الأميركية، بقاعدة السيلية في قطر يوم الاثنين الماضي أن القوات الأميركية الغازية للعراق لم تحصل على أية أجهزة أو معدات للرؤية الليلية لدى الجانب العراقي، وذلك رداً على سؤال حول اتهام وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد لسوريا بأنها ساعدت على إمداد العراق بأسلحة من بينها أجهزة رؤية ليلية، حيث أطلق رامسفيلد ومن بعده باول تهديداتهما لسوريا بناء على تلك المعلومات التي كذبها في اليوم التالي أحد جنرالاتهم.

 

ووزير الدفاع الأميركي رجل مشهور بأنه يكذب مثلما يتنفس، وكما شنت الولايات المتحدة حربها ضد فيتنام من خلال اختلاق كذبة أن الفيتناميين شنوا هجوماً على سفينة أميركية، يشنون الآن حربهم ضد العراق من خلال ترويج كذبة أن العراق يملك أسلحة دمار شامل أثبت المفتشون أن لا وجود لها، ثم يمهدون باتهامات لسوريا وإيران ومن يدرى بعد ذلك إلى من سوف توجه الاتهامات، فهؤلاء الحكام الجدد الذين يقودون العالم الآن يمارسون الكذب حتى على أنفسهم وشعوبهم بشكل مزرٍ، فرئيس الوزراء البريطاني توني بلير أعلن في لقائه مع الرئيس بوش في الأسبوع الماضي في منتجع كامب ديفيد أن العراقيين قتلوا الأسرى البريطانيين، لكن شقيقة أحد القتلى قررت مواجهة رئيس الوزراء البريطاني وإثبات أنه كاذب فأكدت أن شقيقها قد قتل في المعركة وأن قائده قد أكد لها ذلك.

 

وخرج وزير الدفاع البريطاني في اليوم التالي ليعلن اعتذار الحكومة عن تصريحات بلير غير الصحيحة، ونفس وزير الدفاع البريطاني هون يمارس الكذب كل يوم سواء أمام البرلمان أو خلال مؤتمراته الصحفية حيث أعلن في البداية أن قواته استولت على ميناء أم قصر ثم اتضح أنه حتى الآن ومع دخول الحرب أسبوعها الثالث لم يتمكن البريطانيون من السيطرة سوى على بعض قطاعات الميناء، كما أعلنوا أنهم دخلوا البصرة و أسروا قائد الفرقة 51 في البصرة فخرج الرجل على شاشة قناة الجزيرة ليؤكد كذبهم وأن البصرة حتى الآن لم تقع بأيديهم، ثم اتضح أنهم يكذبون فيما يتعلق بعدد قتلاهم وجرحاهم حتى الآن.

 

ويعانى الصحفيون المقيمون في السيلية من أنهم لا يحصلون إلا على معلومات شحيحة، أما الصحفيون المرافقون للقوات والذين يحاولون الخروج من إطار الحصار على معلوماتهم، فإنهم يتعرضون للطرد مثل (جيرالدو ريفيرا) أحد كبار المراسلين في محطة «فوكس نيوز» اليمينية التي تقوم بتغطية منحازة للأميركيين لمجرد أنه أعطى معلومات عن المكان الذي كان فيه، والأهم منه هو (بيتر أرنيت) مراسل (سي إن إن) الشهير أثناء حرب العام 1991 والذي كان يعمل حتى يوم الاثنين الماضي لمحطة (إن بي سي، وناشيونال جيوجرافيك)، لمجرد أنه أدلى بحديث للفضائية العراقية تحدث فيه عن إخفاق قوات التحالف في مخططها العسكري.

 

ورغم أن إن بي سي دافعت عن أرنيت في البداية إلا أنها تحت الضغوط فصلته، لكن صحيفة «الديلي ميرور» أبرز صحف التابلويد في بريطانيا أعلنت في اليوم التالي أن أرنيت فصل لأنه يقول الحقيقة، وقررت ديلي ميرور أن تعين أرنيت مراسلاً لها حتى يبقى الناس يعرفون الحقيقة كما ذكرت في عنوانها الرئيسي.

 

ومن يشاهد ويستمع إلى تقارير المراسلين الغربيين المرافقين للقوات الغازية يجد أن معظمها ليس سوى ترديد لصدى الأكاذيب الذي يروجه العسكريون، حتى أن هؤلاء الصحفيين المرافقين للقوات يعاملون كما يقول الصحفي البريطاني (فيليب غيبس) مثل الجنود بل ويفرض عليهم أن يلتزموا بأوامر الضباط وبعضهم منح رتباً عسكرية، مما جعل ماليزيا على سبيل المثال تقرر بعد أسبوعين من بداية الحرب أن ترسل فريقاً من ثلاثين صحفياً ليقوموا بتغطية الحرب بأنفسهم حتى يعرف الشعب الماليزي حقيقة ما يحدث من خلال صحفييه، وليس من خلال الإعلام الغربي الذي تحول إلى بوق للأكاذيب يردد ما يروجه القادة العسكريون والسياسيون الغربيون.

 

وتدار حملة الأكاذيب الأميركية من خلال مركز التأثير النفسي والخدع التابع لوزارة الدفاع الأميركية والذي سبق لوزير الدفاع الأميركي أن نفى وجوده لكن اتضح بعد ذلك أن نفيه لم يكن سوى إحدى أكاذيبه، وحينما شعر الأميركيون أن بعض وسائل الإعلام والصحفيين قد فضحوا أميركا وكذبوا مسئوليها، وجهت الإدارة الأميركية تحذيرات وتهديدات للمؤسسات والصحفيين الذين يريدون العمل بحرية حتى لا تنقل الحقيقة للناس، وكان التهديد علنيا من كريغ كويغلي نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي الذي قال إن المراسلين الذين يختارون ملاحقة الأخبار في الجانب العراقي سيكونون عرضة للقصف الأميركي.. فإذا كان هناك هدف مشروع إلى جانب مركز للتسهيلات الإعلامية فإن ذلك لن يعيق صواريخنا من الوصول للهدف المشروع بغض النظر عما قد ينتج هذا القصف.

 

وهذا ما حدث بالفعل فقد قصف مقر المراسلين في وزارة الإعلام العراقية مرتين خلال الأسبوع الماضي حتى يفر الصحفيون الغربيون منه كما قصف مقر قناة الجزيرة في البصرة.

 

إن هذه المعطيات تؤكد أننا أمام أكبر حرب أكاذيب في التاريخ حيث يمارس الكذب علناً وعلى الهواء وعلى شاشات التلفزة، ومن أراد أن يتابع هذه الأكاذيب فما عليه إلا أن يتابع وبتأمل المؤتمرات الصحفية التي يعقدها السياسيون والعسكريون الأميركيون لاسيما وزير دفاعهم رامسفيلد، ويتابع تعبيرات وجهه وحجم الأكاذيب التي يتفوه بها والتي ربما تزيد عن أنفاسه.

 

لكن المهم في النهاية ما الذي سوف يسطره التاريخ رغم كل هذه الأكاذيب؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات