الإثنين 02/أكتوبر/2023

وهم الهدوء

وهم الهدوء

(المضمون: سياسة الضرب المتدرج لحماس قوتها وزادت من شعبيتها. أما في اسرائيل فلا توجد بعد حواجز الجيش والمخابرات أي خطوط دفاع تحمي المواطنين – المصدر).

قريبا من جسد المخرب الانتحاري – طالب كمبيوتر ابن عائلة القواسمي، احدى العائلات الأكثر احتراما في مدينة الخليل – انتظرت المحققين مفاجأة.

فقد اتضح ان الرجل حمل معه مادة دعائية تعنى بالارهاب الاسلامي الدولي. وتذكر فيها العملية في البرجين التوأمين وعدة “انجازات” اخرى للارهاب الاسلامي الدولي من مدرسة ابن لادن وأمثاله. وعشية الحرب في الخليج فان مادة من هذا النوع يجب ان تشدد لنا الاحساس بأنه قد تنضج في الميدان مخططات ارهابية ترضع من ينابيع غريبة؟.

بشكل عام يحمل انتحاريو حماس معهم، مواد دعائية “محلية”، تعنى بالمواجهة الاسرائيلية – الفلسطينية، والانتحاري في حيفا أمس ذكرنا بأن حركة حماس هي جزء من حركة متشعبة، تحوط العالم، “للاخوان المسلمين”، والتي تتحدث عن ثورة عالمية. ونحن لسنا سوى محطة واحدة على طريقهم.

ولكن قبل ان ننقض على “أهداف حماس” ونضربها مثلما فعلنا على مدى الشهر الاخير في قطاع غزة، يجدر بنا ان نجري حساب نفس قصير مع أنفسنا. تقنية الضرب المتدرج هذه ساهمت أكثر من أي شيء آخر في تعاظم شعبية حماس في الشارع الفلسطيني بشكل عام وفي غزة بشكل خاص. واذا ما واظبنا في هذا العمل، فان سؤال هل حماس هي الجهة المسيطرة في الشارع الفلسطيني في قطاع غزة – لن يعود يطرح. فسنجد أنفسنا نتصدى لمنظمة ترى نفسها جزء من الحركة الاسلامية الدولية – وليس كمنظمة ارهاب محلية – تقود الجمهور الفلسطيني في حرب مع اسرائيل في اطار الثورة الاسلامية العالمية.

 

لقد سبق لاسرائيل ان ارتكبت خطأ ذات مرة عندما “خلقت” هذه المنظمة كرد على م.ت.ف   – وها هي الآن “تنميها” بواسطة سياسة عسكرية تضرب ليس فقط حماس، بل والسكان المدنيين ايضا – دون تدقيق في تمييز لا داعي له. وحماس “تجتذب” اسرائيل نحو العنف كي ترد هي بشكل وحشي في المناطق، فتحظى بالنقاط. واذا ما اجتذبت اسرائيل هذه المرة الى خطوة عسكرية واسعة، وغير مركزة، فانها ستعطي في هذه الفرصة ايضا السلم لعرفات للنزول عن فكرة تعيين رئيس وزراء.

درس آخر من عملية الأمس في حيفا: في اللحظة التي لم تكتشفه المخابرات ولم يقع في “شبكة الصيد” للجيش الاسرائيلي – خطة الحصار العسكري للمدن الفلسطينية – فانه يصبح مثابة الصاروخ المنطلق، فلا توجد اجهزة دفاع. الا اذا اصطدم بالخطأ بمتطوعة من الحرس المدني في منطقة جفعات عيدا، تنتبه الى وجود شيء غريب هنا.

 

عن وتيرة بناء جدار الفصل صار من الخسارة اضاعة الكلمات. فدولة اسرائيل – على مدى السنتين والنصف الاخيرة من الانتفاضة – لم تنجح ايضا في تثبيت حقيقة ان حماية المواصلات العامة هي هدف وطني. وذلك رغم ان معظم المواطنين الاسرائيليين الذين قتلوا في الانتفاضة قد أصيبوا في المواصلات العامة في سياق نحو أربعين هجوما على الباصات، والتي نفذت معظمها من انتحاريين. وحدة حراسة الباصات في وزارة المواصلات ليست مهنية بما فيه الكفاية. وقبل الانتخابات عرض وزير الدفاع خطة لحراسة المواصلات العامة. وتقررت ميزانية بـ 70 مليون شيكل لتجنيد ألف حارس آخر. وقد جرى الحديث عن شراء الكلاب للشم. وخصصت أموال لاربعين سيارة دورية خاصة لحراسة المواصلات العامة. فهل خرج أي شيء من هذه المخططات الى حيز التنفيذ؟.

 

هذه الخطة لحراسة المواصلات العامة تحققت كما تحقق موضوع آخر عالجه وزير الدفاع بمصادقة رئيس الوزراء: إدخال وسائل تحصين للطائرات ضد مضادات الطائرات. تحدثوا عن ذلك بعد العملية في مومباسا. فهل فعلوا شيئا منذئذ؟ حُمى.

 

في الخطط وفي الكلام هزمنا العدو. ولكن وحدة حراسة مهنية وجدية للباصات بحجم مناسب    – لا تزال غير موجودة. جدار الفصل – الذي ينشغلون بأمره منذ أشهر طويلة – لا يزال لا يرى ولا يسمع. ويخيل انه لم يتبق سوى الاعتماد على حزام الحراسة لشرطة اسرائيل. ولكن هنا ايضا يتضح انه على محور مركزي في حيفا لم يكن أمس حتى ولو جهة واحدة – بوليسية أو غيرها – تعنى بهذا الشكل أو ذاك بحراسة المواصلات العامة. وتتباهى شرطة اسرائيل بأن لديها 75 ألف متطوع. أما أمس، على المحور في حيفا، فلم يكن هناك متطوع واحد يُعنى بالحراسة. في سياق الانتفاضة كان للشرطة انجازات غير قليلة، وقد حظيت – عن حق – بالكثير من الثناء. ولكن يخيل ان رياح القمم شوشت أحاسيسها بعض الشيء. وربما وزير جديد يعيد اليقظة اليها من جديد.

 

في جهاز الأمن لا يوجد أي ريب في انه كان للمخرب الانتحاري شركاء يعرفون حيفا جيدا وعرفوا كيف يقودونه الى خط باص مركزي ومليء. وليس بالصدفة انه وصل الى هناك. فهل يوجد لدينا مرة اخرى “أعشاب ضارة” تحمل هويات زرقاء؟.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات