الإثنين 02/أكتوبر/2023

قبل الصهيونية وما بعدها

قبل الصهيونية وما بعدها

 

خيري منصور

منذ سنوات، راجت مصطلحات مثل “ما بعد الصهيونية” و”المؤرخون الجدد” في الخطاب الذي يتبنى منهجاً عقلانياً في معالجة الصراع العربي – الصهيوني، وأفرط البعض في التفاؤل حتى كانت الصدمة أكبر من قدرتهم على استيعابها، وغالباً ما يقترن طرح المؤرخين الجدد بما اكتشفه أكاديمي يهودي شاب وهو مذبحة الطنطورة شبه المنسية والدّارِسة.

لكن الصهيونية التقليدية أقوى من كل محاولات تغييرها أو تدجينها سياسياً في دولة، لهذا أمرت وزيرة التعليم في حكومة شارون “ليمور ليفانت” بإحراق كل النسخ من كتاب مدرسي يتناول التاريخ من مقترب علمي مغاير للمقترب الصهيوني، وبدأت المواجهة بقوة بين راديكاليين صهاينة يمثلون الفلسفة المؤدلجة وليبراليين يعتقدون بأن الصهيونية التقليدية أوشكت على فقدان صلاحيتها ولا بد من تجديدها.

وبطبيعة الحال يبقى هذا السجال يهودياً وداخلياً، لكن بعض العرب يشتد تفاؤلهم أحياناً بحيث يرون الحبة قبة، والعصفور فيلاً أو حماراً، تماماً كما حدث لليسار العربي الذي راهن على يسار يهودي قد يكون أقرب إليه من اليمين العربي، وانتهى المشهد إلى ما انتهى إليه، بحيث علق أحد الساخرين قائلاً، إن اليسار واليمين في دولة عرقية واستيطانية هما كفردتي حذاء عسكري، ويثير مصطلح ما بعد الصهيونية جملة من التساؤلات حول كل ما صُنّف تاريخياً تحت عنوان ما بعد، سواء كان ما بعد الاستعمار أو ما بعد الحداثة أو ما بعد الرأسمالية.

نعرف أن هناك إشكالية يصعب حلها ميدانياً وعلى نحو بالغ الوضوح، هي تمرد بعض اليهود على الحركة الصهيونية، ودعوتهم لقبول الآخر، والتعايش معه، لكنهم لا يتخلون عن شرط أساسي في اطروحاتهم، التي تبدو معتدلة قياساً إلى المتطرفين، هذا الشرط هو استمرارية الكيان الصهيوني ورفض حق اللاجئين في العودة، إضافة إلى تهويد القدس وتأبيدها عاصمة للدولة اليهودية.

إن ما أثار هذا الموضوع مجدداً هو صدور عدة كتب ودراسات تتناول ما يسمى ما بعد الصهيونية، فهي أولاً متناقضة إلى حد يجعل المصطلح ملتبساً وشديد الغموض، كما أنها تستقي أدبياتها من الجذور، أي من الصهيونية الكلاسيكية، لهذا فالاعتدال هنا يصبح ذا معنى مغاير، ولا بد من إعادة تعريفه كي يبدو مفهوماً.

ما يغيب عنا أحياناً هو أن الصراعات في الدولة العبرية ذات سياقات ودوافع وحيثيات متعلقة باليهود أولاً وأخيراً، وحين يأتي ذكر الآخر وهو على الأغلب العربي – الفلسطيني، فإن حصته من هذا السجال شحيحة، لأنه أصلاً موضوع وليس طرفاً، وهذا بحد ذاته تناول استشراقي جديد بعد أن أضيفت إليه شحنة استيطانية.

إن من يتابع هذه القضية وما يكتب حولها يجد أن العرب، أو بعضهم على الأقل، يفهمونها حسب رغائبهم، وعبر اسقاطات نفسية تتيح لهم هذا القدر الكبير من التفاؤل السطحي بانقضاض يهود على يهود، أو بتحول الاختلاف الفكري إلى حرب أهلية باردة بين صهيوني قديم وآخر حديث، لقد سبق أن راهن هؤلاء المتفائلون على صراع جذري بين الاشكناز أو يهود الغرب والسفرديم أو يهود الشرق، وكتب الكثير حول هذا الصراع لكن بمعزل عن أهم الشروط، وهو شرط الاشتراك في جريمة الاحتلال وما أعقبها من استيطان وتهجير قسري، ولكي لا تبقى لعبة المصطلحات أشبه بشطرنج، يتلهى به من يتمتعون بفائض الفراغ، علينا أن نقرأ المشهد العبري الآن، من اليسار إلى اليمين أو العكس.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات