الخميس 28/مارس/2024

الأنظمة العربية و تكرار الأخطاء الإستراتيجية

م. بدر الدين حمدي مدوخ

 

منذ نعومة أظفارنا ووعينا على الوضع السياسي العربي، ونحن نشهد و نعي الإنقسام الحاد بين المواطن العربي و قيادته السياسية، فالمواطن كان وما زال يستغرب القرارات الرسمية في القضايا المصيرية للأمة العربية و التي كانت تبرر بمبررات عدة من قبل القادة، وهذه المبررات كانت تجد العديد من المسوّقين و المصفقين لها.

فما هي هذه المبررات و هل باتت موجودة؟ أم هي سذاجة البعض، واستهتار القيادة الرسمية العربية بوعي الجمهور العربي!

لقد كان هناك مبرران رئيسيان لهذه الأنظمة –بجانب مبررات أخرى عديدة- مرتبط كل واحد منهما بالآخر، الأول الواقعية السياسية المبنية على الإستهتار بالعقل العربي الغير رسمي. المبرر الثاني عدم توازن القوى في المنطقة و في العالم، فهي دائماً – من وجهة النظام الرسمي- ليس في صالح الدول العربية و الأمة العربية! ويبدو أنها لن تكون أبداً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

الغريب أن المنطقة العربية مرت بحروب عديدة، و الحروب عادةً تُنشأ قوىً جديدة، أو تُضعف قوىً و تُقوي أخرى، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، لكن دائماً كان الساسة الرسميون العرب يعرفون نتيجة كل حرب مسبقاً، قبل بدءها، وهي بطبيعة الحال الهزيمة المحتمة للأمة العربية، لأن القوى العظمى – على حد منطقهم العقلاني- لن تسمح بغير ذلك، وعليه فلا فائدة من أي شيء سوى تلبية أمر هذه الدول و رؤية المصلحة العربية من خلال مصلحة هذه الدول العظمى!

قد كان بإمكاننا إيجاد مبرر- ولو تجاوزاً- لهؤلاء القادة و تلك الزعامات لو لم تقم الشعوب العربية، وبدون مساندة قادتها و زعمائها أو حتى المساس بهم، بتغيير هذه المعادلة، لتثبت لهم خطأ تقديراتهم و منطلقاتهم.

فإنجازات المقاومة في كل بلد عربي و من ثم إسلامي، كان وحده كفيلا لتغيير الكثير من الأفكار و القناعات لدى هؤلاء، لو كانوا فعلاً عقلانيين كما يزعمون، أو حتى للتاريخ قارئين.

لكن يبدو أن هذه العقول العقلانية لم تنضج بعد لتستوعب حركة الشعوب و قدراتها و إمكاناتها، ولذلك تعمل دائماً على تهميش الإنجازات البطولية و الإبداعات في كافة المجالات.

 لقد اتضح ذلك جلياً، بعد إنجازات المقاومة في فلسطين في الإنتفاضة المباركة الأولى، فنتج عنها كيان مشوه و هزيل يتناسب مع العقول الهزيلة و المشوهة، وهو ما يُسمى بالسلطة الوطنية، ثم جاءت إنتفاضة الأقصى و إنجازاتها لتحاك المؤامرة مرة أخرى لتحويل الإنسحاب الصهيوني من القطاع إلى إنجاز للعدو الهارب بدلاً من الإنطلاق منه لإنجازات مرحلية واستراتيجية، ونفس العقلية هي نفسها التي هاجمت وما زالت تهاجم إبداعات المقاومة و إنجازاتها وتسوقها للشعوب على أنها المشكلة لا العقول الإنهزامية!

ثم بالنظر للقضية اللبنانية، وإنجازات المقاومة هناك، نرى أنه بدلاً من استغلال إنجازاتها لتغيير الواقع المحلي و العربي، إذا بالعقول المنهزمة المسيطرة على السياسة الرسمية تبدأ مؤامراتها لتفريغ هذه الإنجازات من محتواها و التنظير على أنها عبء على الدولة و المجتمع.

وكذلك إنجازات المقاومة في العراق و أفغانستان، وتمرد بعض الدول على القوى الظالمة حتى الغير عربية و الغير إسلامية ، لم يتم استغلالها بل على العكس، يتم مناهضتها و محاربتها و التآمر عليها.

لقد أضاعت الأنظمة- وما زلت تمضي في هذا الدرب- فرصاً عديدة للخروج من سيطرة الآخرين، كان آخرها صمود المقاومة الفلسطينية و إنجازاتها الأسطورية، وما تلا ذلك من إنجازات للمقاومة اللبنانية في صمودها لأكثر من ثلاثة وثلاثين يوماً بعد عملية الأسر لجنود العدو، وما صاحب ذلك من قصف لعمق الكيان الصهيوني و إصابته إصابات مباشرة و تحطيم كبريائه العسكري.

فالعقلاء من الزعامات العربية يكررون خطأهم بجلوسهم مع وزيرة الخارجية للولايات المتحدة في القاهرة، لتحاصر القوى المقاومة “أي المتطرفة” بمنطق العقلانية و عدم توازن القوى المزعوم.    

لقد كان بإمكان هذه الزعامات باستغلال هذه الإنجازات لتعلن تحول استراتيجي في سياستها مع الدول العظمى لتنتزع منها الحقوق العربية انتزاعاً، وتفرض أضعف الإيمان مكاسب للقضية الفلسطينية و رفع الحصار عن الشعوب العربية و البدء لتأسيس قواعد جديدة تحاكي إنجازات الأمة و طموحها، حيث لم تعد مبررات الزعامات العربية الرسمية لها مكان حتى بين عقول السذج من هذه الأمة.

وبهذا يتضح لنا و بجلاء أن القوى المقاومة يجب عليها المضي في درب المقاومة و عدم الإكتراث بالساسة الرسميين، لأن كل إنجازٍ للمقاومة هو محاصرة للعقلية الإنهزامية العربية الرسمية، وهو بالتالي محاصرةً لمشروع العدو الصهيوني و الأمريكي، ثم على هذه القوى المقاومة أن تستعد لجولات و جولات مع أعدائها و الإستعداد لذلك جيدا، فبالمقاومة والصمود تتحقق أهداف الأمة الإستراتيجية، المتمثلة بالتحرر والعزة و الكرامة و البناء و الإستقلال، مع قناعتنا المتواضعة أن الأنظمة الرسمية العربية شطبت هذه المصطلحات من قاموسها. 
 
 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عباس يصدق على تشكيلة حكومة محمد مصطفى

عباس يصدق على تشكيلة حكومة محمد مصطفى

رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام صدق رئيس السلطة محمود عباس على منح الثقة لحكومة محمد مصطفى، وسط استمرار تجاهل موقف الفصائل الفلسطينية التي...