الخميس 03/أكتوبر/2024

حين يصبح التخريب ثقافة !!

لمى خاطر
كم هو مثير للعجب أن يرى المرء تنظيماً يسعى جاهداً وبشكل ممنهج دؤوب لكي يقلد نفسه نيشاناً في العبث والتخريب، وأن يستثمر جهود أعضائه في ابتكار فنون الزعرنة وممارسة أشكال من البلطجة يندى لها الجبين، حتى صارت الصورة النمطية لهؤلاء المنفلتين مقترنة بالحرق والسواد والتدمير !

كيف يمكن لعاقل أن يتفاءل بمستقبل قريب مشرق وبمجتمع نظيف يحكمه القانون ونحن نشاهد هذا الكم من التخريب المنظم الموجه يستبيح كل شيء ويستهدف المؤسسات العامة والخاصة والمصانع والجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية وكل ما تقع عليه أيدي المخربين الانقلابيين من مقار ومراكز وجمعيات ..؟!

إن ما يجري لا يمكن أن يصنف كردة فعل على نزول أفراد القوة التنفيذية في غزة إلى الشارع لضبط الأمن بعد يومين من الفوضى والعبث وتخريب الممتلكات وإغلاق الشوارع والاعتداء على الناس بهدف إخضاعهم لمنطق الانقلابيين الجدد الذين يريدون شل كل مظاهر الحياة الفلسطينية وزيادة الضغط على الشارع الفلسطيني أملاً في دفعه نحو ثورة شعبية على الحكومة وحماس.

ولطالما عزفت تلك الأصوات النشاز التي خرجت لتحمل حماس المسؤولية عما جرى ويجري على وتر الانفلات الأمني واتهمت الحكومة بالقصور والعجز عن وضع حد له.. وحين تحركت القوة التنفيذية لوضع حد لحالة التدهور والفوضى عادت تلك الأصوات لتلقي باللوم على حماس وتطعن الحقيقة في ظهرها.

فهؤلاء الذين يمارسون المخاتلة الإعلامية ويتعمدون تضليل الجمهور في محاولة لإبعاده عن فهم حقيقة ومسببات الأزمة.. هؤلاء شركاء في رعاية الانفلات والتشجيع عليه وتأسيس ثقافة له ومنحه غطاء رسميا !

فأفراد التنفيذية لم يطلقوا النار على أية تظاهرة سلمية ولم يمنعوا أحداً من المطالبة بحقوقه كما يزعم من فرغت جعبتهم من الصدق والنزاهة، بل لطالما كان أفراد التنفيذية يتعرضون لإطلاق النار من عصابات الحقد والإجرام في مواقع مختلفة من القطاع، وحين نزلت تلك القوة إلى الشارع لم تنزل إلا لوضع حد لشغب أولئك العابثين الذين أفحشوا في إساءاتهم المختلفة مادية ومعنوية!

لم يحدث أبداً أن قامت حماس وهي في المعارضة بإحراق مؤسسة عامة أو خاصة ، أو اقتحام وزارة أو اعتداء على المجلس التشريعي أو على نوابه، أو إصدار بيان يحث أنصار الحركة على مهاجمة مصالح فتح ومؤسساتها!
بل لم يحدث أن أطلقت النار على من كانوا يعتقلون مجاهديها ويعذبونهم، ولم يحدث أن بادرت للاقتصاص منهم حين تمكنت واشتد بأسها.

وفي المقابل كان رصاص الأجهزة الأمنية يوجه نحو صدور المجاهدين الذين يطلقون الصواريخ من غزة باتجاه المغتصبات الصهيونية، ونحو صدور من يخرجون للاحتجاج السلمي أو للتضامن مع غيرهم، وما أحداث مسجد فلسطين والجامعة الإسلامية عنا ببعيد.

وعلى مر سنوات السلطة تعززت حالة الانفلات وتراجع الأمن المجتمعي، وتحكمت بقيادات عدد من الأجهزة الأمنية نزعات شتى سيطرت على تفكيرهم وآلية عملهم وتراجعت نتيجة لذلك حالة الانضباط داخل تلك الأجهزة حتى وصلت إلى أدنى مستوياتها وباعتراف بعض قادة فتح.

غير أن الأمور منذ فوز حماس في الانتخابات باتت تأخذ مناحي تصعيدية خطيرة، وبات السلوك الفتحاوي في مجمله نهبة لنزعة انتقامية هائجة تحتكم لمنطق الإفشال والتخريب واستسهال ارتكاب كل المحرمات الوطنية دون رادع أو تحسب للعواقب أو على الأقل للانعكاسات السلبية التي تتركها تلك التصرفات في أذهان رجل الشارع غير المؤطر الذي يُفترض أن تحرص التنظيمات المختلفة على استمالته من خلال إيجابيتها في مسلكياتها على الأرض.

والسؤال الأهم الذي يبرز الآن.. من هو المسؤول عن إفراز ثقافة من هذا النوع؟ وأية تربية حزبية تلك التي أفرزت كل هذا الكم من الانفلات البشع، وتلك التي جعلت نسبة غير قليلة من أفراد الأجهزة الأمنية ومنتسبي فتح يتصرفون بمعزل عن أي إحساس بالمسؤولية ولا يجدون غضاضة في تخريب الممتلكات العامة والمؤسسات الإسلامية والاجتماعية والثقافية التي هي محل استهداف أيضاً من قبل قوات الاحتلال الصهيوني.. يا لمساوئ الصدف !!

إنها ثقافة الأنا الحزبية والتعصب المقيت التي دفعت بأولئك العابثين إلى الواجهة وعلمتهم أن فصيلهم هو قدر فلسطين الوحيد وأنه صاحب الوصاية المطلقة على مقدراتها، وعلمتهم أن ما عداه هو إما عميل أو مخرب لمشروعهم (الوطني) أو صاحب برامج مشبوهة ينبغي التخلص منه بأية وسيلة كانت، وينبغي حرمانه من التمتع بفرصة لتنفيذ برنامجه إذا ما وصل للسلطة، وأن تلك السلطة بمؤسساتها ومقدراتها هي ملك لهم يبنونها متى شاؤوا ويخربونها ويحرقون مؤسساتها المختلفة متى آلت إلى غيرهم، ولذلك لم يكن غريباً أن تكون أول ردة فعل لهؤلاء عقب فوز حماس القيام بحرق سيارات التشريعي حتى لا تستفيد حماس منها !!

إنها ثقافة الحقد الأعمى الذي شرب لقول هؤلاء عبر دوائر التوجيه المعنوي التي أرادت لهم أن يناصبوا العداء كل منافس حقيقي لهم على الساحة وأن يستسهلوا النيل منه وطعنه في الظهر ومن الأمام حتى لو كان ذلك يتم بالتزامن مع هجمة صهيونية ودولية على هذا المنافس !!

إنها ثقافة الهوس بالكم على حساب الكيف، وبتضخيم أعداد المنتسبين للتنظيم دون أدنى اعتبار لمدى أهلية بعضهم الأخلاقية والوطنية ومدى جدارتهم للانخراط في تنظيم يفترض أنه وطني ويحمل مشروعاً تحررياً..!

إنها ثقافة الجهل المركب والسفه السادر في غيه الذي أدمن العبث وتآلف مع بيئة من الفوضى وانتفى لديه حس الانضباط والنظام..!

إنها ثقافة التفرعن والتسلط والعنجهية الحزبية، بل إنها ثقافة الاطمئنان إلى عدم وجود رادع أو محاسب أو محتجٍ بصوتٍ عالٍ، فمن ذاك الذي يجرؤ على محاسبة (حماة الوطن) وأمراء الحارات والمخيمات والمدن والمتسلطين على المساكين والضعفاء من أبناء هذا الشعب ؟!
من يجرؤ على أن يحاسب قاتلاً أو لصاً أو مفسداً يحمل بطاقة عضوية في تنظيم لا يفرغ غضبه إلا في الممتلكات العامة ومؤسسات (الأغيار) ؟ ولا يتعامل مع مخالفيه ومنافسيه إلا بمنطق الرصاص والعربدة؟!

وبعد..
وأمام هذا المشهد التراجيدي ذي التفاصيل المغرقة في سوداويتها المنفرة، وفي ظل هذه الأجواء التي اختنقت بدخان الحرائق، هل سيضطلع أصحاب المسؤولية بدورهم في التصدي لهذه اللعنة التي أحاقت بنا ؟!
هل ستخرج الأصوات الشريفة الحرة لتقول كلمتها في أصحاب الأجندة المشبوهة الذين يحركون العصابات التخريبية بغية تحقيق أهداف لا تخفى على أحد؟ أم سننتظر حتى تصبح هذه الظاهرة عامة وطامة وجزءاً من تفاصيل حياتنا اليومية فيتم تشريبها لأبنائنا ليأتي علينا يوم نغدو فيه محكومين بالكامل لمن يملك السلاح المشبوه فيسيّر الوطن وفق هواه ومزاجه المريض؟

فما عاد الوضع يحتمل إدارة الظهر واللامبالاة وطي تلك الصفحات السوداء وكأن شيئاً لم يكن !
وإن لم تجد تلك العصابات ما يردعها ويوقفها عند حدها فلا أقل من أن تنظم الحملات الشعبية المختلفة لإدانتها وعزلها وتعريتها وإثارة الرأي العام ضدها تمهيداً لنبذها وتجريمها ومحاسبتها.

أما رهاننا الأخير فهو المقاومة، وما زلنا نأمل أن تنهض الأجنحة المسلحة الشريفة في مدن الضفة من جديد بعد الضربات الموجعة التي تعرضت لها من قبل الاحتلال على مدار السنوات السابقة، فتستانف دورها المقاوم ضد الاحتلال وتعيد البوصلة إلى مسارها الصحيح.
وحينها فقط ستختفي أسراب الجراد وستندثر الطفيليات إلى غير رجعة وستغيب كل خفافيش الظلام ليعلو وحده صوت الأسود.. !

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات