الخميس 25/أبريل/2024

ثمن الاعتراف بشرعية الاحتلال الإسرائيلي

بقلم: أحمد الحيلة

تطالب الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة الفلسطينية (حماس) الاعتراف بشروط الرباعية الثلاث (الاعتراف بالاحتلال، الاعتراف بالاتفاقيات المبرمة معه، وقف المقاومة ومصادرة السلاح).
كما تطالب دولاً عربية وخاصة مصر، السعودية، الأردن.. الحكومة الفلسطينية بتبني المبادرة العربية (سعودية المنشأ، والمعتمدة في قمة بيروت عام 2002). تلك المبادرة التي تمنح الاحتلال شرعية على الأراضي المحتلة عام 1948، وتجعل من ملف اللاجئين وعودتهم مجرد مسألة قابلة للبحث بين الأطراف للوصول إلى حلٍ “عادل”، دون الإشارة إلى ما هي معيار العدل المطلوب!
 
تلك الدعوات الصادرة من واشنطن وبعض العواصم الغربية، مفهوم دوافعها وأهدافها لارتباطها التاريخي بالمشروع الاستيطاني الصهيوني منذ مطلع القرن الماضي.
لكن ما يثير الغرابة والاستهجان، ما يصدر عن بعض العواصم العربية التي تمارس ضغطاً متواصلاً على الفلسطينيين لدفعهم للاعتراف بشرعية الاحتلال، أملاً في تحقيق مكاسب سياسية طالما تحدث عنها العرب منذ اعتمدوا إستراتيجية “السلام” اليتيم.
 
ما يزيد الأسف والعجب، أن بعض الفلسطينيين، وخاصة حركة “فتح” التي حملت مشعل المقاومة والتحرير، وتصدرت مسيرة الثورة لعشرات السنين، انقلبت على مواقفها التاريخية والنضالية، وتنكرت لدماء آلاف الشهداء الذي ضحوا لأجل فلسطين..، وتحولت إلى أداة ذاتية وموضوعية للضغط على حركة حماس للاعتراف بشرعية الاحتلال!! فيا ليتها اقتصرت في الأمر على موقفها السياسي الذي ارتضته لنفسها، والذي لم يؤد بها إلا إلى الانحسار، والتمزق، والإفلاس السياسي نتيجة حصاد أوسلو، والثقة في واشنطن، و”كرم” و”إنسانية” الاحتلال..
لقد حول البعض وخاصة المستوزرين منهم بقيادة الرئيس محمود عباس حركة فتح إلى عرّاب ومندوب لترويج فكرة الاعتراف بشرعية الاحتلال التي طالما سعى لها وحلم بها الصهاينة.
 
السؤال: ماذا يعني اعتراف حماس بالاحتلال، وما الثمن الذي سيجنيه الفلسطينيون؟؟
 
إصرار الاحتلال الإسرائيلي وواشنطن والغرب عموماً على مسألة اعتراف حماس والفلسطينيون بشرعية الاحتلال كشرط لازم، دليل في حد ذاتية على أهمية وخطورة الموضوع.
فالاحتلال رغم قوته وجبروته المادي، واحتلاله وسيطرته على كل الأراضي الفلسطينية وجزء من الأراضي العربية، واعتراف معظم دول العالم بوجوده، إلا أنه يفقد شهادة الميلاد الطبيعية، لأنه يدرك في قرارة نفسه وعقله الجمعي أنه كيان غريب وطارئ على نسيج الجغرافيا والتاريخ والهوية الشرق أوسطية، ويدرك في ذات الوقت أن السبيل الوحيد لنيل شهادة الميلاد “الطبيعية”، ومن ثم تحوله إلى كيان قادر على الحياة في هذه المنطقة ـ رغم عدم أصالته ـ يتمثل في اعتراف الفلسطينيين بحقه في ملكية هذه الأرض، أي تنازل صريح وواضح من المالك الأصلي عن حقه، ودون ذلك سيبقى عدم اليقين هو سيد الموقف.
 
لذلك المسألة جد خطيرة، وليست كما يروج لها البعض بأنها حسن نوايا، ومد لجسور “الثقة”، بل هي تنازل عن حق ووجود أمة فلسطينية عمرها يزيد عن خمسة آلاف سنة على أرض فلسطين، وهي مصادرة لحق الأجيال القادمة، وتهديد لهويتهم الوطنية، ومستقبلهم على تلك الأرض، وتحويلهم إلى أقليات ومتسولين داخل الوطن وخارجه.
 
أما بالنسبة للثمن المرجو حصاده، فوزير الحرب الصهيوني عمير بيريتس يجيب على ذلك بالقول: “إذا اعترفت حماس بإسرائيل واحترمت الاتفاقات الموقعة” فإنه سيوصي حكومته بالتفاوض المباشر مع حكومة حماس، ويضيف: “إذا لم تعلن حكومة الوحدة إعادة الجندي الإسرائيلي جلعاد شليت بشكل فوري لن نتمكن من الاعتراف بها (الحكومة)”.
وزيرة الخارجية تسبي ليفني أعلنت أيضاً من نيويورك أثناء انعقاد الجمعية العامة بأن إسرائيل لن تنسحب من كل الأراضي المحتلة عام 67 وأن أي تفاوض سيجري حول مدى الانسحاب الإسرائيلي من تلك الأراضي.
 
أي أن اعتراف الحكومة الفلسطينية وحماس بشرعية الاحتلال وشروط الرباعية سيفضي بأحسن الأحوال إلى الاعتراف بحماس كطرف مقبول للتفاوض ومجرد التفاوض، ومن ثم عودة الفلسطينيين إلى دائرة المفاوضات المغلقة، في وقت لا يملك فيه الاحتلال برنامجاً سياسياً واضحاً للحل إثر هزيمته في جنوب لبنان.
 
أما فيما يتعلق بالحصار فإن الاعتراف بالاحتلال وبشروط الرباعية كفيل بتخفيف الحصار، وليس رفعه كلية حتى يبقى وسيلة ابتزاز سياسي، وسيفاً مسلطاً على رقاب الفلسطينيين.
 
بمعنى أخر تحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية (احتلال، ومقاومة وحقوق وطنية) إلى مجرد قضية إنسانية، ومسألة مساعدات ورواتب، وكهرباء وماء، وفتح وإغلاق معابر، أي تسول سياسي واقتصادي.. بعد أن تكون حماس قد فقدت ذاتها وجمهورها، وفقد الشعب الفلسطيني خياره البديل والمقاوم إثر الاعتراف بشرعية الاحتلال.
 
وللعبرة، فإن تجربة حركة فتح، و م.ت.ف التي اعترفت بشرعية الاحتلال ما زالت ماثلة للعيان؛ فالحركة والمنظمة قدمت أكثر مما هو مطلوب حالياً من حماس، فماذا كان الثمن؟! وماذا كانت النتيجة، سوى جني ثمار أوسلو وتوابعها العفنة سياسياً واقتصادياً إثر تحويل الشعب الفلسطيني إلى أقلية ملحقة بدولة الاحتلال..
 
في ذات السياق، ماذا حصد العرب والفلسطينيون من تبنيهم للمبادرة العربية في قمة بيروت عام 2002 سوى قول شارون أنها مبادرة لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وإصداره الأوامر للجيش في أقل من أربع وعشرين ساعة على إعلان المبادرة، باجتياح الضفة الغربية (عملية السور الواقي) وإعادة احتلال كامل المناطق ( أ ) و ( ب ) التي كانت تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية حينذاك حسب اتفاق أوسلو، وارتكابه لمجزرة جنين !!
 
يبدو أن القضية الفلسطينية أصبحت لدى البعض مجرد بضاعة للمساومة السياسية؛ فمن يريد أن يبقى على كرسيه أو يستعيد كرسي الوزارة أصبح يقايض رضا واشنطن وتل ابيب بالقضية الفلسطينية!!
 
يا سادة: إن فلسطين والشعب الفلسطيني أعز وأكبر من أن يتحول إلى متسول وأكبر من أن يتحول إلى بضاعة..، فهذا الشعب العظيم ليس أقل من الشعوب الأخرى التي حررت أوطانها ورفضت التخلي ولو عن كيلو متر واحد من صحاريها أو التخلي عن فندق وواحة على البحر..
 
المنطق والعقل يدعونا لأن نستثمر موقف حماس الرافض للاعتراف بشرعية الاحتلال كعنصر قوة في “التفاوض” مع الاحتلال الإسرائيلي، وليس إسقاطه والتضحية بآخر خيار بأيدينا؛ خيار المقاومة الذي أثبت دون شك وبشكل صريح أنه الأقدر على النيل من الاحتلال ودفعه إلى التراجع، فغزة وجنوب لبنان خير شاهد..
 
*كاتب فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات