الثلاثاء 23/أبريل/2024

التوجهات الاستراتيجية الإسرائيلية في عقد التسوية : أعمل للحرب وتكلم عن السلام !

التوجهات الاستراتيجية الإسرائيلية في عقد التسوية : أعمل للحرب وتكلم عن السلام !

تتمثل السياسة الإسرائيلية في المجال العسكري بالمقولة التالية: »اعمل للحرب وتكلم عن السلام«! فطوال العقود التي انصرمت – منذ أن وضعت حرب تشرين أول/ أكتوبر عام1973 أوزارها وحتى الآن – لم تتوان اسرائيل عن بذل الجهد من أجل تطوير أداء وجاهزية الآلة العسكرية الصهيونية، وإعادة هيكلتها بحيث تستوعب كل المستجدات التكنولوجية في بيئة التسليح العالم.

وعلى الأخص لجعلها تتوافق مع مستجدات الثورة العلمية والتقنية في طورها الأخير، أي مع التقدم الهائل في مجال الكمبيوتر وتطبيقاته، والانفجار المعلوماتي ونتائجه، وثورة الاتصالات والأقمار الصناعية والإنترنت والتكنولوجيا الراقية، وغيرها من مظاهر التقدم في مجالات العلوم الحديثة .

وعلى عكس ما هو متوقع ومنطقي، فكلما يتصاعد الحديث عن التسوية السياسية بين الأنظمة العربية وإسرائيل، وتشتد وتيرة جهود “الصلح” باتجاه ما أطلق عليه ياسر عرفات – رئيس السلطة الفلسطينية – اسم “سلام الشجعان” كلما كان العمل من أجل ترقية كفاءة أداة الحرب الإسرائيلية، وتطوير قدراتها يتنامى ويتزايد في كل الاتجاهات، ذلك أن الاعتماد على القوة الباطشة لفرض إرادة الدولة العدوة كان أحد “المبادئ الأساسية التي اعتمدها الآباء المؤسسون” لإسرائيل كركيزة من ركائز ضمان البقاء في وسط معادٍ، وهي قاعدة لا زالت مقرة ومتبعة حتى الآن، منذ أن صك “بن غوريون” – أول رئيس وزراء للدولة الصهيونية – شعار أن »دولة اسرائيل لا يمكن أن تبقى إلا بقوة السلاح« .

وشهد العقد الأخير من عقود القرن العشرين – عقد التسعينات – اتجاهاً شاملاً في الجيش الصهيوني ملمحه الرئيس إعادة هيكلته من أجل تحقيق غايتين متلازمتين.

 الأولى: تقليص حجم القوى العاملة فيه، وتخفيض الكلفة الباهظة للحفاظ على استعداداته القتالية الرفيعة.

والثانية – الحفاظ على التفوق التكنولوجي الشامل في مواجهة جيوش المنطقة، اعتماداً على تثبيت معادلة “الكيف الإسرائيلي في مقابل الكم العربي” .

وتنطلق اسرائيل في هذا من عقيدة ثابتة عبر عنها “ايهود باراك” رئيس الوزراء الصهيوني الحالي وقت أن كان رئيساً للأركان، مفادها: “أن قوة الجيش الإسرائيلي مطلوبة للدولة حتى في الفترة التي تسمع فيها أجراس السلام!” ذلك أن هذه القوة – حسب رأي باراك – هي التي دفعت بالقيادات العربية إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع دولة إسرائيل، وهي التي تمكنها (أي إسرائيل) من إجرائها من موقع متفوق (حديث مع باراك – سمحانية 4/12/1991)، وهو ذات ما عبر عنه موشيه ارينز وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق:»إن قوتنا العسكرية هي التي تقف وراء هذه التغيرات (في المواقف العربية)، فقد خلقت لدى العرب انطباعاً يؤكد استحالة تدمير اسرائيل، ودفعتهم بالتالي إلى التسليم بوجودها” (صحيفة الحياة – لندن -5 1/1/1995).

* * *

أدت حرب عاصفة الصحراء والاستخدام المحدود فيه للصواريخ العراقية في مواجهة اسرائيل إلى اهتزاز الكثير من الثوابت في النظرية الاستراتيجية الإسرائيلية، وأهمها فكرة تكريس العجز العربي عن تهديد جسد الدولة الصهيونية، يقول المحلل العسكري الإسرائيلي آرييه شافيط :»فجأة فقدنا المناعة، لم يعد لدينا مناعة إزاء الشرق الأوسط المخيف هذا، لقد فقدنا الاحتكار، لم نعد اليوم وحدنا من يستطيع أن يضرب في (الشرق الأوسط)، فقد أصبح (الشرق الأوسط) يضربنا أيضاً« (مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد ،26 ربيع 1991)، وهي نفس الفكرة التي طرحها بتوسع شيمعون بيريز في كتابه الأشهر “الشرق الأوسط الجديد” حيث أكد على سقوط حاجز الجغرافيا المنيع في مواجهة الصواريخ البالستية التي أصبحت في متنازل الكثيرين من خصوم اسرائيل وأعدائها .

* * *

في مواجهة هذه التطورات وغيرها اندفعت القيادة العسكرية الإسرائيلية إلى تنفيذ خطة إعادة هيكلة شاملة للجيش الصهيونية، صلبها ما أوضحه الجنرال دان شمرون رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق:”الاحتفاظ بجيش صغير ذي قدرة هجومية ودفاعية متوازنة – يرافقه جهاز مخابرات متطور – يكون قادراً على شن حرب وقائية عندما يكشف أول دليل على نيات عدوانية من جانب العدو، وهذا أفضل حالاً من جيش إسرائيلي مترهل، يحول دون استقلال إسرائيل اقتصادياً، وذلك أحد البدائل المطروحة لتطوير نظرية الأمن” (مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد ،105 آذار/ مارس – نيسان / أبريل 1991) .

وقد تواصلت الجهود منذ مطلع التسعينات وحتى الآن – في هذا السياق – بالرغم من كافة الأنشطة على جبهة التسوية السياسية مع الأطراف العربية الرسمية، واعتمدت “الخطة الشاملة للإصلاح” – كما أطلق عليها – مثلما أعلن الجنرال “شاؤول موفاز” – رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الحالي – على تخفيض عدد وحدات الاحتياط في مقابل زيادة القدرات التكنولوجية لمواجهة ما وصف بـ”التهديدات الاستراتيجية الجديدة في المنطقة” التي تتعرض لها اسرائيل من جانب “الجيران الأعداء مثل : سورية والعراق وإيران” (صحيفة الأهرام 11/1/1999).

في هذا السياق تواترت الخطوات ا لصهيونية لتحقيق هذه النقلة ا لكيفية الجديدة لجيش هو – بكل المقاييس – الأكثر تقدماً وتجهيزاً في المنطقة، ويمكن أن نرصد هنا بعض الملامح الرئيسية لهذه التطورات في النقاط التالية :

1- استكمال تجهيز المنظومة المضادة للصواريخ البالستية (آرو – السهم) “حيتس” مع الاحتفاظ بالعديد من البطاريات الصاروخية الأمريكية من طراز “باتريوت” التي منحتها أمريكا اسرائيل إبان حرب عاصفة الصحراء وبعدها، بهدف تحييد القدرة الصاروخية العربية، والتهديد بالرد الفادح على من يفكر في استخدامها .

2- استمرار الانفراد بالرادع النووي، وتطوير أسلحة “تكتيكية” منه، وتواتر الأنباء عن جهود إسرائيلية في مجال الأسلحة الهيدروجينية، وقنبلة النيترون، وغيرها، وقد نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية (8/10/1999) مضمون وثيقة صادرة عن وزارة الطاقة الأمريكية، تضع إسرائيل في المرتبة السادسة في مجموعة الدول الكبرى نووياً، بقدرتها على امتلاك 250 سلاحاً على الأقل .

3- تدعيم أسطول “الردع الجوي الاستراتيجي”، سلاح الطيران الإسرائيلي بكل حديث في الترسانة العسكرية الأمريكية والغربية، وآخرها 50 طائرة قتالية جديدة من طراز (اف -16) المجهزة بتجهيزات إليكترونية متقدمة، إضافة إلى تدعيم منظومة التجسس الإليكتروني عن طريق الطائرات الرادارية والطائرات الموجهة عن بعد بدون طيار، والصواريخ المتطورة جو – أرض وغيرها .

4- تطوير آليات التجسس عبر الأقمار الصناعية، واحتكار الخدمات الأمريكية المتفوقة في هذا المجال، وإطلاق مجموعة خاصة من أقمار التجسس “أوفيك 4،3،2،1″ و”وعوليس” وغيرها، لجمع المعلومات عن مسرح العمليات المقبل، والجيوش العربية و(العدة) التي يحتمل مواجهتها في المستقبل .

5- إدخال الغواصات النووية في محيط الصراع بامتلاك غواصات دولفين الألمانية الصنع، وكخطوة استراتيجية للقنبلة النووية – ذات مرونة قصوى – تكفل القدرة على مواجهة الاحتمالات الضعيفة لامتلاك العرب لرادع نووي يهدد وجود الدولة الصهيونية .

6- تدعيم الصناعات الحربية الإسرائيلية، وتطويرها والارتكاز عليها لتحقيق أغراض أربعة :

أولها – تقوية الوضع العسكري الإسرائيلي وتطوير قدراته التقنية، وثانيها – استخدامها كوسيلة لتدعيم علاقات التعاون الاستراتيجي مع الدول الأخرى، وثالثها – استخدامها كمصدر للدخل يدعم الموازنة، ويقلل من تكاليف تهيئة القوة العسكرية وتطوير أوضاعها، ورابعها – لتحقيق المزيد من الاستقلالية النسبية في مجال التسليح تمنح اسرائيل القدرة على مواجهة أية ضغوط دولية محتملة في المستقبل .

7- إحداث اختراق استراتيجي لمواقع عديدة كانت حكراً على الجانب العربي، وتوثيق عرى التعاون العسكري والتقني مع بلدان (صديقة) للعرب تقليدياً، ومنها: الصين والهند علاقات تعاون في مجالات التسليح والصواريخ والتكنولوجيا النووية – روسيا: علاقات تعاون استراتيجي في مجالات الطيران والصواريخ والفضاء وتقنيات الاتصال المتقدمة، اليونان، ودول آسيوية، ودول أفريقية . . الخ .

8- إحداث اختراق استرايتجي لدول عربية وإسلامية عديدة على رأسها: الأردن والسلطة الفلسطينية وتركيا، وهي علاقات على قدر كبير من الخطورة تطال قضايا الأمن والقوات العسكرية والتسليح والتدريب والاستخبارات وغيرها.

وهذه التطورات كلها تتميز برعاية ودعم وتشجيع ومساندة مطلقة من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بالرغم من كافة المزاعم حول “رعاية السلام” ونشدان الاستقرار، والسعي لحل نهائي للصراع!

هذه الخطوات الرئيسة وغيرها تمثل توجهات أساسية في الجيش الإسرائيلي على أعقاب القرن الواحد والعشرين وهي تطرح – بوضوح لا مزيد عليه – ملامح التوجهات الإسرائيلية الاسترايتجية في الفترة القادمة وهي تؤكد المبدأ الإسرائيلي المتعثر الذي أشرنا إليه في مفتتح هذه الدراسة الموجزة: “اعمل للحرب وتكلم عن السلام” وهو ما يتوجب وضعه في اعتبار كل صنّاع القرار في بلادنا .

فالحديث عن السلام هو في حقيقته نوع من التمويه (الكوموفولاج) للإعداد من أجل فرض الرؤى والتصورات والشروط والمصالح الإسرائيلية بالقوة المسلحة، ولا معنى – إزاء هذا الأمر الجلي – للاستكانة أو الركون لأوهام “سلامية” لا أساس لها، في حين تؤكد كل الشواهد والملاحظات على أن عدونا يعد العدة لشوط جديد قادم لا محالة .

يقول المثل العربي :”إن كان عدوك نملة . . فلا تندم له”، وهكذا تعلمنا حكمة التعامل مع العدو الإسرائيلي، الذي لا يترك فرصة تساعده في تدعيم قدراته العدوانية من دون أن يستغلها، والحكمة ضالة المؤمن، والمرء لا يلدغ من جحر واحد ألف مرة !

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيد واصابتان برصاص الاحتلال في أريحا

شهيد واصابتان برصاص الاحتلال في أريحا

أريحا - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن وأصيب آخران بجروح - فجر الثلاثاء- برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحامها أريحا. وأكد مدير...